الإعلام المصري في ظل “الطوارئ”.. تكميم للأفواه أم محاولة للإصلاح

سهام عيد

كتبت – سهام عيد

بعد حادثتي تفجير كنيسة مارجرجس بطنطا، والكنيسة المرقسية بالإسكندرية، وسقوط عشرات الضحايا، طالب الرئيس عبد الفتاح السيسي المنصات الإعلامية بتجديد الخطاب الإعلامي، منتقدًا أداء الإعلام بشكل عام في تغطية الحوادث الإرهابية، قائلًا: “يا جماعة أرجوكم خلوا بالكم من مصر ومن شعب مصر.. تعاملوا مع الوضع الحالي بوعي ومسؤولية”.

وتابع السيسي -خلال كلمته التي وجهها لوسائل الإعلام، مطلع الأسبوع الجاري- “تكرار الواقعة يجرح المصريين، فلا داعي للتكرار طول اليوم، والتعليقات، خلي بالكم على بلدكم”.

لم تكن هذه هي المرة الأولى التي انتقد فيها الرئيس الأداء الإعلامي، فقد سبق ووجه انتقادات لاذعة لبعض الإعلاميين خلال إحدى الندوات التثقيفية للقوات المسلحة قبل عامين، قائلًا: “أحد الإعلاميين بيقول إن السيسي قاعد مع شركة سيمنز وسايب إسكندرية بتغرق، عيب مايصحش كدا، بحس الناس دي ولا عارفة أي حاجة، هو القطاع دا مفيهوش كارثة ولا إيه، المرة الجاية هشتكيكم للشعب». 

وأضاف: «لازم نتعامل بوعي، مايصحش كده، إحنا بنتجاوز في كل  حاجة، انتوا بتعذبوني إني جيت وقفت هنا»، وتابع: «دي الدولة هتضيع مننا، بننشر جهل وعدم وعي بين الناس، هو عشان عندك كلمتين تقولهم توقع البلد».

كما انتقد الرئيس تعامل الإعلام المصري مع قضية مقتل الطالب الإيطالي “جوليو ريجيني” 2016، ففي ظل حالة التعتيم التي تمارسها السلطات وصعوبة تبادل المعلومات، اتجهت بعض وسائل الإعلام لمواقع التواصل الاجتماعي كمصدر لنقل المعلومات، وهو ما انتقده السيسي، قائلًا: “نحن من صنعنا الأزمة في هذه القضية، بمجرد أن تم الإعلان عن مقتل ريجيني، البعض منا اتهم الأجهزة الأمنية المصرية بالتورط في هذه الجريمة، وشبكات التواصل الاجتماعي تحدثت عن ذلك، وكثير من الإعلاميين نقلوا عنها، ومن يتابع من الخارج ما يحدث في مصر صدّق هذه الرواية، بسبب تناولنا لها، مناشدًا وسائل الإعلام عدم الاعتماد على وسائل التواصل الاجتماعي كمصدر لها”.

تضارب التصريحات

بالرغم من أن الإعلام المصري يبدو وكأنه صوت واحد يعبر عن حال الدولة، إلا أنه يعاني من عدة أزمات أبرزها تضارب تصريحات المسؤولين، وغياب استرتيجية التعامل مع الحوادث الإرهابية بمهنية، وصعوبة تبادل المعلومات.

“يجب أن تكون هناك جهة رسمية تضع بيانات لجميع القنوات الفضائية أثناء وقوع عمل إرهابي، بحيث تتكون هذه الجهة من أحد مسؤولي وزارة الداخلية، ووزارة الصحة وأيضًا من القوات المسلحة، فضلًا على وجود أحد الإعلاميين للمناقشة حول الأمر قبل عرضه وبثه عبر شاشات التلفاز”، هكذا قالت الدكتورة ليلى عبد المجيد، عميدة كلية الإعلام جامعة القاهرة سابقا.

كما شددت عميدة كلية الإعلام، على أهمية تدريب كل صحفي وإعلامي على التعامل مع القضايا التي تضر بالأمن القومي، خاصة في هذه الفترة، وأردفت: “نرى في جميع الدول الأوروبية والتي نسميها بعريقة الديمقراطية تعرض كوارثها الإرهابية بشكل مبسط دون الإطالة فيه، ولا تصدر بيانات حول عدد القتلى أو المصابين دون الرجوع للجهات الرسمية”.

من جانب آخر، أعلن الرئيس السيسي، خلال خطاب الأحد، تشكيل المجلس الأعلى لمكافحة الإرهاب والتطرف، مؤكدًا: أن المجلس ستكون له صلاحيات واسعة من أجل “ضبط الموقف كله على كافة المناحي”، وكان الموقف الإعلامي هو أول منحى ذكره الرئيس.

تشكيل 3 هيئات إعلامية برعاية رجال “مبارك”

في غضون ساعات، أصدر السيسي 3 قرارات جمهورية بتشكيل 3 هيئات إعلامية تتولى تنظيم الصحافة والإعلام في البلاد للمرة الأولى.

وجاء القرار الرئاسي الذي نقلته الوكالة الرسمية المصرية، بتشكيل المجلس الأعلى لتنظيم الصحافة والإعلام “أعلى مجلس لإدارة شؤون الإعلام والصحافة”، والهيئة الوطنية للإعلام “ستكون بديلاً لاتحاد الإذاعة والتلفزيون الحكومي”، والهيئة الوطنية للصحافة “ستكون بديلاً عن المجلس الأعلى للصحافة وستدير شؤون العمل الصحفي”.

كما نص القرار الرئاسي ذاته على تولي نقيب الصحفيين المصريين الأسبق مكرم محمد أحمد رئاسة “الأعلى للإعلام”، والكاتب الصحفي كرم جبر “الوطنية للصحافة”، كما تولى رئيس قطاع القنوات المتخصصة بالتلفزيون الرسمي حسين زين “الوطنية للإعلام”.

اللافت في الأمر، أن الشخصيات الثلاثة التي ترأست تلك الهيئات من المؤيدين للنظام المصري، غير أن مكرم محمد أحمد وكرم جبر كانا رمزين بارزين بنظام الرئيس الأسبق حسني مبارك (1981- 2011)، وهو ما اعتبره البعض محاولة لتكميم الأفواه، وعودة إلى النظام البائد، لا سيما بعد مصادرة عددين من صحيفة “البوابة نيوز” على خلفية اتهامها لرجال الأمن بالتقصير في تفجيري “الإسكندرية وطنطا” ومطالبتها لوزير الداخلية بالاستقالة.

تكميم أفواه أم محاولة للإصلاح

من جانبها، قالت نادية مبروك -عضو المجلس الأعلى لتنظيم الصحافة والإعلام، وعضو اللجنة التأسيسية لنقابة الإعلاميين- إن المجلس سيعمل على ضبط الأداء والخطاب الإعلامي؛ لأن مصر تمر بظروف استثنائية في الوقت الحالي.

وأكدت مبروك في تصريحات صحفية، أن الفترة الحالية ليست تكميم أفواه أو منع رأي ولكنها تقديم كل ما يخدم مصلحة الوطن.

من جانبه، يقول مصطفى شوقي، الباحث في ملف حرية الإعلام بمؤسسة حرية الفكر والتعبير، في تصريحات صحفية، إن تشكيل الهيئات الصحفية والإعلامية «يعكس رغبة الدولة في العودة إلى الإعلام الذي يديره أبناء الجماعة الصحفية في الثمانينيات والتسعينيات، وهو لن يحقق رغبة الدولة في السيطرة على المجال الإعلامي، لأننا ببساطة لا نعيش في هذا العصر، مشيرًا إلى أن تأثير الإعلام التقليدي يقل يومًا بعد يوم، كما أن الأزمة الاقتصادية تعصف بالصحافة الورقية، ومحاولات التضييق تلك ستسرع من وتيرة سقوط الإعلام التقليدي، وهو ما سيدفع في اتجاه زيادة تأثير الإعلام البديل».

فيما يرى عضو مجلس نقابة الصحفيين، محمد سعد عبد الحفيظ، إن أساس المشكلة هو عدم قدرة القائمين على جهاز الدولة على فهم الدور الحقيقي للإعلام، وهو نقل الواقع كما هو وليس تجميله، على حد قوله، «ومن هنا تبدأ المشكلة.

من جانب آخر، رأى نشطاء إن إعلان حالة الطوارئ يعطي غطاءً شرعيًا للانتهاكات ضد حرية الصحافة والإعلام.

بين تخوفات البعض من زيادة محاولات التضييق على الصحافة والإعلام في مصر وزيادة وتيرة الانتهاكات، يبقى تساؤل هل يستطيع الإعلام المصري أن يبسط قبضته ويواكب العصر في ظل التطور التكنولوجي وانتشار وسائل الإعلام الغربية، أم سيظل حبيس قرارات سيادية؟

ربما يعجبك أيضا