“جبل طارق”.. صراع السيادة يتجدد بين لندن ومدريد

محمود طلعت

تقرير – محمود طلعت
ما زال قرار خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي “بريكست” يحرك المياه الراكدة في كثير من الملفات العالقة بين بريطانيا وإسبانيا؛ وقد وصل الجدل الآن إلى جبل طارق الذي تطالب إسبانيا باتفاق معها حول مصيره.
قضية جبل طارق تعد سببا أساسيا للتوترات الدبلوماسية بين مدريد ولندن، ويتم الآن الحديث عن مسودة خطة ستكشف عن أن أي اتفاق يتم بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي لن يطبق على جبل طارق إلا باتفاق منفصل بين إسبانيا وبريطانيا.
وتنازلت إسبانيا عن جبل طارق لبريطانيا قبل 300 عام، إلا أنها ترغب في استعادة السيطرة عليها، وفي استفتاء أجري عام 2002، صوت معظم سكان جبل طارق ضد أي سيادة إسبانية على منطقتهم.

بريطانيا تتمسك بالسيادة
أكدت بريطانيا التزامها بدعم منطقة جبل طارق، وقالت رئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي إن بلادها لن تسمح «أبدًا» بخروج جبل طارق عن السيادة البريطانية من دون موافقة سكان تلك المنطقة الواقعة جنوبي إسبانيا والبالغ تعدادهم 32 ألف شخص.
كما أعلن وزير الخارجية البريطاني، بوريس جونسون، أن السيادة على جبل طارق لن تتغير في المستقبل ولا يمكن أن تتغير دون موافقة صريحة من شعبي جبل طارق والمملكة المتحدة.
الرئيس السابق لحزب المحافظين ميشال هاورد عبر عن دعمه لموقف رئيسة الوزراء البريطانية، مشيرا إلى أن ماي ستظهر الموقف الصلب نفسه الذي اتخذته مارجريت تاتشر أبان حرب جزر فوكلاند مع الأرجنتين.
تصريحات الساسة البريطانيين تأتي بعدما منح الاتحاد الاوروبي لمدريد حق الاعتراض على تمديد أي اتفاقية تجارية بين الاتحاد وبريطانيا في حال كانت تشمل حبل طارق التي تخضع للسيادة البريطانية وتريد إسبانيا استعادتها.

إسبانيا تعلن موقفها
وزير الخارجية الإسباني، ألفونسو داستيس، أوضح أن حكومته طالبت الاتحاد الأوروبي بالوقوف مع مدريد بشأن مستقبل منطقة جبل طارق، وأكد إصرار مدريد على ضرورة أن يكون لها حق النقض (فيتو) بشأن أية اتفاقات حول الجيب الاستراتيجي، فيما تستعد بريطانيا للخروج من الاتحاد الأوروبي.

يقول داستيس “تحدثنا إلى زملائنا الأعضاء ومؤسسات الاتحاد الأوروبي في الأسابيع الأخيرة وأوضحنا موقف إسبانيا: عندما تخرج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، إسبانيا هي الدولة العضو في الاتحاد الأوروبي وفي قضية جبل طارق، بالتالي على الاتحاد الأوروبي الالتزام بالوقوف إلى جانب إسبانيا”.

وتقول وسائل إعلام إن إسبانيا يمكن أن تعرقل أية صفقة تجارية لمنطقة جبل طارق مع الاتحاد الأوروبي وتخشى لندن من أن تستخدم مدريد حق النقض الفيتو في الاتحاد لفرض سيطرتها على جبل طارق.

قواعد الاتحاد الأوروبي
وضع الاتحاد الأوروبي مستقبل جبل طارق على المحك في مفاوضات خروج بريطانيا من الاتحاد، مما يدعم إسبانيا في نزاعها المستمر مع المملكة المتحدة حول هذا الثغر المطل على البحر الأبيض المتوسط.

وبضغط من الدبلوماسيين الإسبان قرر الاتحاد الأوروبي، خلال المفاوضات حول “بريكست”، أن يقدم للحكومة البريطانية خيار التوصل إلى اتفاق مع الاسبان حول مستقبل جبل طارق. وجاء إصدار الاتحاد الأوروبي مسودة قواعد التفاوض ردا على رسالة من رئيسة وزارء بريطانيا طلبت فيها رسميا إطلاق محادثات الخروج دون أن تتطرق مباشرة إلى جبل طارق.

ودافع وزير الدفاع البريطاني مايكل فالون عن عدم ذكر جبل طارق في رسالة ماي التي أشارت فيها إلى تفعيل المادة 50 من معاهدة لشبونة، قائلا “إنها أشارت إلى وثيقة منفصلة عن جبل طارق”.

وقال مصدر في حكومة جبل طارق، إنهم طلبوا من الحكومة البريطانية في أكثر من مناسبة الإشارة إلى منطقتهم في رسالة المادة 50″، وكان سكان المنطقة قد صوتوا في استفتاء يونيو الماضي برغبتهم في البقاء ضمن الاتحاد الأوروبي.

رؤية تحليلية
انفصال صعب تواجهه بريطانيا في ظل الضغوطات الداخلية والخارجية، وقد تعيد هذه العملية خلط الأوراق، ووضع بريطانيا والاتحاد الأوروبي برمته أمام تحديات جديدة، ونبش ملفات قديمة، ووضعها على طاولة المفاوضات.

ويرى أستاذ العلاقات الدولية خطار أبو دياب أن الاتحاد لا يعاقب بريطانيا على خروجها، بل يحاول اتخاذ إجراءات ردعية خاصة من أجل المفاوضات؛ كي لا يصبح الخروج سابقة، ومثارا للعدوى عند الدول الأخرى، ومن الطبيعي أن تخرج مثل هذه الخلافات إلى العلن بعد تجميدها لعقود.

يقول أبو دياب، إن الدبلوماسيين الإسبان أو بعض موظفي المفوضية الأوروبية أثاروا الموضوع كي يدعموا موقفهم حول المسائل الخلافية أثناء فترة التفاوض؛ للمساومة والحصول على تنازلات؛ لأن النقاش سيكون صعباً مع الإنجليز.

ويضيف أن الاتحاد ليس قادرا على تجميد المسائل الخلافية، أو ضبط المناورات السياسية التي تقوم بها دوله، وليس من مصلحة الاتحاد الوصول إلى قطيعة كاملة مع المملكة المتحدة، بل يجب الوصول إلى اتفاق “طلاق” بأحسن الشروط للطرفين.

ربما يعجبك أيضا