تركيا .. بين سيناريوهات “نعم” أم “لا”!

شيماء مصطفى

رؤية – مجدي سمير (محلل شئون تركية)

أنقرة – ساعات قليلة تفصل الجمهورية التركية عن سيناريوهات متضاربة تتأرجح ما بين آمال “الأردوغانية” الرئاسية و”العلمانية” البرلمانية، إذ إن نتائج الاستفتاء على التعديلات الدستورية اليوم أيا كانت ستفتح أبواب عدة تقود تركيا إلى وجهة مغايرة وفاصلة في تاريخها الحديث.
 
“استفتاء 16 أبريل سوف يحدد موقع تركيا من العالم، إما تركيا أتاتورك العلمانية المعاصرة، وإما تركيا أردوغان ذات حكم الإسلام السياسي الذي يميل إلى الراديكالية”، كانت هذا وصف الكاتب التركي كرم تشاليشقان، الذي أوضح أن “إذا كانت نتيجة الاستفتاء (نعم) فإن ألمانيا سوف تسحب الجنسية من الأتراك مزدوجي الجنسية، مع احتمالية تسريح آلاف العاملين الأتراك، وكذلك في هولندا وبعض الدول الأوروبية الرافضة للإسلام الراديكالي والذي ينتمي إليه معظم الأتراك في أوروبا.

كما سوف يصنف الغرب تركيا عندئذ كدولة شرق أوسطية يسيطر عليها الإسلام السياسي، وستتزايد حدة الخلاف بينها وبين الدول التي تحارب الإسلام السياسي في المنطقة مثل مصر وبعض دول الخليج”.

بينما قال إينور تشفيك كبير مستشاري أردوغان، مهددًا “إلى من سيصوتون بـ(لا)، في حال رفضكم هذه التعديلات الدستورية فإن فوضى عارمة وعدم الاستقرار سيضرب تركيا”، وذلك في تغريدة على حسابه بموقع التواصل تويتر.

وفي أحد الاجتماعات بالقصر الرئاسي فبراير الماضي، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان معلقًا عن مصيره عقب الاستفتاء الدستوري، إن “أردوغان لا ينتهي في هذه الدولة. أنا واثق من أنه سيظهر أردوغانات جديدة”.

وفي تصريح مثير للقلق من مستقبل مجتمعي خطير يتسم بالانقسام الشعبي الممنهج، قال أردوغان “لن أساوي بين من سيقول (نعم) ومن سيقول (لا) غدًا”، وذلك قبل ساعات من موعد الاستفتاء، ويتضح هذا الخطر في كلمات أحد موظفي بلدية إسطنبول من مؤيدي أردوغان، أطلقها في منشور على حسابه الشخصي بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك قبل يومين من الاستفتاء، قائلاً “في 17أبريل عندما نكسب الحرب، فأن زوجات وبنات الرافضين للاستفتاء سيكونون غنيمة وحلالاً لكم أيها المؤيدين للاستفتاء”.

جمع السلطات

في حالة إقرار التعديلات الدستورية، فإن ذلك يعني سيطرة أردوغان على عرش تركيا حتى عام2029، إذ تنص التعديلات على فترتين رئاسيتين كحد أقصي، مدة كل منهما خمس سنوات بدلًا من أربع سنوات، مع عدم احتساب أي فترة رئاسية قبل إقرار هذا الدستور، ما يعني إمكانية أردوغان الترشح بالانتخابات الرئاسية المقبلة المقرر عقدها عام2019 دون احتساب ما قد مضي، وفي حال فوزه بفترتين رئاسيتين فإنه سيتولى رئاسة تركيا حتى عام2029.

وأوضح رئيس نقابة المحامين بتركيا متين فايزي أوغلو، أنه في حال إقرار التعديلات الدستورية “فإن كافة الصلاحيات بشكل مباشر أو غير مباشر ستجتمع في شخص الرئيس دون رقابة أو محاسبة، إذ أن طرفي الرقابة على منصب الرئيس في أي نظام ديمقراطي تتمثل في البرلمان والقضاء، وكلاهما سيخضعا للرئيس وفقًا للتعديلات الدستورية. كما أن التعديلات الدستورية تسمح للرئيس أن ينتمي ويرأس أي حزب سياسي، ما يعني أن رئيس الجمهورية سيترأس أحد الأحزاب الممثلة برلمانيًا، ومن ثم سيتدخل في اختيار نواب حزبه بالبرلمان، وهنا تكون الخطورة، إذ سيصبح ولاء النواب لشخص الرئيس وليس للأمة. ومن ناحية أخرى يحق لرئيس الجمهورية تعيين 12 من إجمالي 15 من أعضاء المحكمة الدستورية التي تمثل أعلى جهة قضائية بتركيا”.

وأكد الرئيس السابق للمحكمة الدستورية يكتا جونجور أوزدن، أن التعديلات الدستورية تقر بجمع شخص الرئيس ما بين السلطات التنفيذية والقضائية والتشريعية. وقال “في حال التصويت لصالح التعديلات الدستورية فإن ذلك سيعني الإخلال بمبدأ الفصل بين السلطات بما يهدد استقلال القضاء، إذ سيجمع بين رئاسة الحزب الحاكم الذي سيقود البرلمان وعضو استشاري بوزارة العدل والتدخل في تعيين مجلس القضاة والمدعيين العموميين ومجلس الشورى والمحكمة الدستورية.

فالمادة الثامنة من الدستور الجديد تمنح رئيس الجمهورية سلطات تنفيذية مثل إعداد والرقابة على الموازنة العامة، ويحق له تعيين 13 عضوًا من أعضاء مجلس القضاة والمدعيين العموميين، من بينهم 6 بالتعيين المباشر، و7 عبر البرلمان الذي سيترأس حزب الأغلبية به. والمادة (104) من الدستور الجديد تنص صراحة على “رئيس الجمهورية هو رأس الدولة.

أما المدعى العام التركي السابق صبيح قانادوغلو، أفاد أن الدستور الجديد في حال إقراره سينزع كافة المسؤوليات السياسية من البرلمان، إذ سيحق لرئيس الجمهورية تعيين مساعديه ووزرائه دون الحاجة إلى منح الثقة البرلمانية. وفي حال إقرار النظام الرئاسي فإنه سيتم إلغاء مجلس الوزراء، ويكون الرئيس هو المخول بتعيين الوزراء بصلاحيات محددة وفقًا للمادة العاشرة.

الاستفتاء وأوروبا

“يبدو أن أردوغان عقد حساباته على تحقيق مزيد من القوة والسلطة بحيث يكون الحاكم الأوحد للسيطرة على كل شيء في تركيا بعد خروج نتيجة الاستفتاء بـ(نعم)، حتى يتمكن من مساومة أوروبا والتخلص من التأثير الأوروبي على تركيا”، كان هذا رأي الكاتب الصحفي التركي المخضرم والخبير الأمني أمره أوسلو.

كما من المرتقب عقد اللجنة الرقابية التابعة لمجلس البرلمان الأوروبي نهاية أبريل الجاري، لبحث أوضاع الديمقراطية في تركيا ومدى ملائمة معايير كوبنهاجن الخاصة بعضوية الاتحاد الأوروبي.

وفي حال إقرار التعديلات الدستورية، فمن المتوقع أن يوقف الاتحاد الأوروبي أية مفاوضات مع تركيا، ووضعها في سلة واحدة مع أرمينيا وأذربيجان نظرًا للمشاكل الهيكلية التي تهدد الديمقراطية مستقبلًا في تركيا. بينما سيتمثل الرد التركي في تجميد اتفاق المهاجرين الذي عُقد في 20مارس من العام الماضي، ومن ثم تردي العلاقات بين أوروبا وأنقرة، بما يخدم القضية القبرصية.
 
أما السيناريو الآخر الخاص برفض التعديلات الدستورية، فقد يؤدي إلى استمرار العلاقات الأوروبية التركية المتأرجحة، واستمرار مسيرة المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي دون نتائج نهائية، خاصة على المدى القصير.

الاستفتاء والشرق الأوسط

وصفت صحيفة “أكسبريس” البريطانية تداعيات إقرار التعديلات الدستورية التركية وسيطرة أردوغان على كافة السلطات بـ”الكارثية وقبضة النار” على العلاقات التركية مع العالم العربي.

ونقلا عن عبدالمطلب الحسيني خبير شؤون الشرق الأوسط، أفادت الصحيفة أن “نتيجة الاستفتاء إذا جاءت بـ(نعم) بما يعني تعزيز سيطرة أردوغان على تركيا وانفراده بكافة الصلاحيات والقرارات فإن ذلك قد يثير الفوضى في منطقة الشرق الأوسط. كما أنه يفتح الباب أمام أردوغان للعب دور في الناتو العربي السني المرتقب تشكيله بزعامة سعودية مصرية لمواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة، وذلك دون أطر واضحة لمستقبل العلاقات بين أنقرة وطهران”.

ومن ناحية أخرى قد يفجر إقرار التعديلات الدستورية موجات من العنف والقلاقل في مناطق جنوب وشرق تركيا بين عناصر العمال الكردستاني الكردية والأجهزة الأمنية التي ستتحرك بحرية أكثر لقمع أية تطلعات لإنشاء دولة كردية حدودية.

الجنسية التركية

لنتائج الاستفتاء تداعيات هامة على المجتمع التركي، إذ أن النتيجة “لا” تعني الحفاظ على التركيبة المجتمعية دون منح الجنسية إلى اللاجئين السوريين المقيمين في تركيا، بينما “نعم” تعني منح ملايين السوريين الجنسية التركية.

قال زعيم المعارضة التركية رئيس حزب “الشعب الجمهوري” كمال قليتشدار أوغلو “نعم في الاستفتاء تعني منح 4 ملايين سوري الجنسية التركية، فعلينا أن نفكر جيدا”.

وقال والي مدينة إسطنبول واصب شاهين، إن “مستندات ألفى سوري جاهزة لمنحهم الجنسية التركية، ولكن سننتظر لحين انتهاء الاستفتاء. ومقيد بالمدينة نحو 540 ألف سوري حتى الآن، وسيُنظر في طلباتهم للحصول على الجنسية تدريجيا”.

جهاز الاستخبارات

في حال تمرير التعديلات الدستورية، فمن المقرر تقسيم جهاز الاستخبارات التركية إلى قسم الشؤون الداخلية وقسم الشؤون الخارجية وفقًا لقرار إداري في إطار خطة لإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية بتركيا، ليصبح الاستخبارات تابعًا لرئاسة الجمهورية.

سيناريوهات اقتصادية

لا تقتصر تداعيات التعديلات الدستورية على الحياة السياسية فحسب، بل تشمل الجانب الاقتصادي، ويمكن تضمينها في رؤية السيناريوهات التي وضعها هاينز روتيمان كبير الخبراء الاقتصاديين بمجموعة “جوليوس بير” المحدودة ومقرها زيوريخ.

السيناريو الأول “إقرار التعديلات الدستورية”، عندئذ سيعكس تداعيات إيجابية بالمدى القصير على السوق التركي، بينما ستتحول تداعياته إلى سلبية على المدى المتوسط بالنسبة للمستثمرين. وستشهد الفترة الأولى التي تعقب إقرار الدستور تكثيف أردوغان جهوده لرفاهية الشعب، إلا أن هذا الأمر مؤقت، إذ من المحتمل إجراء انتخابات برلمانية مبكرة مما يزيد من اضطراب المؤشرات الاقتصادية.

السيناريو الثاني “رفض التعديل الدستوري”، قد يعني تداعيات أكثر سلبية، إذ قد تشهد البلاد اضطرابات سياسية واجتماعية حادة تزيد من الأزمات الاقتصادية، وتزيد من الشكوك والقلق حول قوة السوق والمقومات المحركة للاقتصاد، خاصة خلال الفترة ما بين الستة إلى الاثنى عشر شهرًا التالية للاستفتاء.

عقوبة الإعدام

بعد 15 عامًا من إلغائها، روج الحزب الحاكم بتركيا وأردوغان إلى ضرورة إعادة عقوبة الإعدام مجددًا، وهو المرتقب تعديل القانون لإقراره عقب استفتاء 16 أبريل في حال التصويت بـ”نعم”، أو إرجائه في حال التصويت بـ”لا”.

قال أردوغان في مؤتمر شعبي بمدينة “مانيسيا” في فبراير الماضي “إذا لم يمر قانون الإعدام من البرلمان، فسوف أمرره وأصدق عليه بعد استفتاء 16أبريل”.

وفي إطار ترويجه لعودة عقوبة الإعدام والمطالبة بها، قال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو “في السابق أقنعت زوجتي بأن عقوبة الإعدام قرار سيئ. لكن في اليوم التالي لمحاولة انقلاب15 يوليو هددتني قائلة: (إذا عارضت عودة الإعدام فسأعيد النظر في علاقتنا). لم أستطع قول أي شيء، فلو عارضتها في تلك اللحظة فرد فعلها هي أيضاً سيكون مختلفا. نحن متزوجان منذ 23 سنة، لكنها المرة الأولى التي تهددني فيها زوجتي”.

ويأتي مطلب عودة الإعدام كأحد الشروط غير المباشرة من حزب “الحركة القومية” المعارض بزعامة دولت بهتشلي، للموافقة على التحالف مع حزب “العدالة والتنمية” وتمرير مسودة التعديلات الدستورية من البرلمان وطرحها للاستفتاء، مقابل تنفيذ حكم الإعدام في زعيم الأكراد عبدالله أوجلان لتعزيز المبادئ القومية للحزب المعارض، وهو ما ينبأ بإقرار الإعدام عقب الاستفتاء حال إقرار التعديلات الدستورية.

 

ربما يعجبك أيضا