تحركات ترامب العسكرية.. ما هي الرسائل التي تحملها للعالم؟

نرمين توفيق

رؤية

بقلم – نرمين توفيق


لم يمرّ على تنصيب الرئيس الأمريكي المثير للجدل دونالد ترامب شهور قليلة، حتى لجأ سريعًا إلى استخدام الأسلحة العسكرية في أكثر من دولة، ففي تطور سريع للأحداث ألقى على سوريا 59 صاروخ توماهوك، بعدها بأيام ضرب أفغانستان بـ”أم القنابل” التي تعد أضخم سلاح في الترسانة العسكرية الأمريكية بعد القنبلة النووية، وفي ذات الأثناء دخل في مسلسل استفزازي خطير مع كوريا الشمالية.

ضرب مطار الشعيرات

البداية كانت مع ضرب مطار الشعيرات بسوريا في السابع من إبريل الجاري من خلال توجيه 59 صاروخ من نوعية (توما هوك) بعد الهجوم الكيماوي على خان شيخون في منطقة إدلب، وصرح مسؤول أميركي بأن مدمرتين أمريكيتين أطلقتا من شرق البحر المتوسط أكثر من خمسين صاروخا على قاعدة جوية سورية تشمل مدرجا وطائرات ومحطات للوقود، ردا على هجوم بالغاز السام على مدينة خان شيخون بريف إدلب.

الضربة الأمريكية أثارت ردود أفعال عالمية واسعة، حيث اعتبرها النظام السوري انتهاكا خطيرا لأعراف القوانين الدولية واختراقا لسيادة دولة مستقلة، كذلك رفضت روسيا الضربة بشدة واعتبرتها تزيد من تعقيد الأزمة في سوريا.

أما عن ترامب فقد اتهم بشار الأسد بأنه استخدم الغاز السام لقتل شعبه الأمر الذي تطلب ردعه، معتبرا انه من مصلحة الأمن القومي للولايات المتحدة منع وردع انتشار واستخدام الاسلحة الكيميائية القاتلة، وفي ذات السياق صرح وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون أن الضربات بحد ذاتها كانت مناسبة، وأظهرت أن ترامب مستعد لاتخاذ عمل حازم ردا على الأعمال المشينة، مما دفع المحللين السياسيين إلى القول أن ترامب سعى من وراء هذه الضربة إلى توجيه رسالة واضحة إلى فلاديمير بوتين بأن قواعد اللعبة لم تعد كما كانت، وأن إدارته لن تترد في استخدام الأعمال العسكرية المباشرة لتأمين مصالحها ومصالح حلفائها، وتنقل رسالة غير مباشرة لباقي خصوم الولايات المتحدة وعلى رأسهم “كوريا الشمالية” أو “إيران” انه لن يتردد في اللجوء لنفس الفعل تجاههم إذا ما استمروا في التغريد خارج السرب.

ضربة ترامب فشلت في توجيه ضرر فعلي لمطار الشعيرات الذي استأنف عمله بعد ساعات من الضربة الأمريكية، بالإضافة إلى فشل أمريكا والدول الغربية في إصدار قرار من مجلس الأمن يدين القصف الكيماوي لخان شيخون بسبب الفيتو الروسي، لكن الضربة نجحت بشكل كبير في نقل رسالته لحلفائه وخصومه.

أم القنابل


لم تكد تمر 10 أيام على الضربة الأمريكية ضد الشعيرات حتى فوجئ العالم بإلقاء الجيش الأمريكي في الثالث عشر من إبريل الجاري في أفغانستان بأمر من ترامب “قنبلة عصف هوائي جسيمة” من طراز “جي بي يو-43/بي”، التي تسمى كذلك “أم القنابل”، مستهدفة موقعا لتنظيم “داعش” في ولاية ننغرهار شرق أفغانستان.

وتعد أم القنابل أقوى قنبلة غير نووية لديها، وهي المرة الأولى التي تستخدم أمريكا هذا النوع من القنابل في القتال.

الغريب أن الولايات المتحدة أشارت أنها سعت من وراء هذا الأمر إلى استهداف قواعد داعش في أفغانستان، والمعروف أن طالبان والقاعدة هما التنظيمان اللذان لهما السيطرة الاكبر هناك، ولا يمكن اعتبار ان أفغانستان من المناطق التي يسيطر عليها داعش أو ينتشر فيها بقوة، هذا يجعلنا نبحث عن الأسباب الحقيقية من وراء هذا الفعل والرسائل التي سعى ترامب لنقلها.

بالنظر إلى إحداثيات القنبلة التي تشير إلى أن وزنها يبلغ 11 طنا، وتحتوي على 8482 كجم من مادة “تي.أن.تي” الشديدة الانفجار، وتنفجر قبيل وصولها إلى الأرض، إذ يبلغ طولها 9.1 أمتار وقطرها 103 سم، وتنشر القنبلة العملاقة سحابة هائلة من الضباب المشبع بعنصر شديد الانفجار حول الهدف قبل أن تشتعل السحابة، لينجم عنها انفجار ذو قوة تدميرية هائلة، حيث تستطيع “أم القنابل” اختراق عمق يصل إلى 200 قدم (60 مترا) قبل أن ينفجر رأسها الحربي، بالإضافة إلى الأخذ في اعتبار أنه جرى أول اختبار لأم القنابل في قاعدة إيجلين الجوية بولاية فلوريدا جنوب شرقي الولايات المتحدة عام 2003في إطار تجربة تطويرية للقنبلة، يظهر أن أحد أهداف امريكا من هذه الضربة القيام بتجربة بسلاح أم القنابل في منطقة جبلية لمعرفة نقاط قوته وضعفه، وفي إشارة كذلك إلى باقي خصومها أنها قد تستخدمه مجددا ضد عدو أخر حتى وإن كان في منطقة مأهولة بالسكان، فتاريخ أمريكا يوضح أنها لا تكترث بعدد الضحايا الذي تخلفه ضرباتها.

في ذات السياق أعلن الرئيس الأفغاني السابق حامد كرزاي أن استخدام “أم القنابل” ضد الارهابيين من داعش كان مخططا له مسبقا، وأن وجود الإرهابيين كان ذريعة استغلها الأمريكيون لاختبار سلاحهم الفتاك، وأضاف :”إذا كانت الحكومة قد وافقت على هذه العملية فيمكن تسمية ذلك خيانة منها”.

واعتبرت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، أن “أم القنابل” حملت رسائل أكبر بكثير من كونها مجرد ضربة تستهدف مجموعة من الإرهابيين، وخاصة إلى نظامي سوريا وكوريا الشمالية، فالتفجير يمكن أن يمثل رادعا لهم، وبالنسبة للشعب الأمريكى فإنه يسلط الضوء على موقف البنتاجون الأكثر قوة، فى ظل إدارة الرئيس دونالد ترامب، مقارنة بسابقه باراك أوباما وكيف تحرر القادة العسكريون من القيود التى فرضها “أوباما” على استخدام القوة.

استفزازات واشنطن وبيونج يانج


شبه الجزيرة الكورية شهدت هي الأخرى تطوات سريعة جاءت على إثر أرسال الولايات المتحدة حاملة الطائرات كارل فينسون، وبرفقتها مجموعة قتالية إلى شبه الجزيرة الكورية، وقال ترامب في تصريحات لقناة فوكس بيزنس: “نحن نرسل أسطولا حربيا قويا للغاية”، كانت كوريا الشمالية قد أجرت خمس تجارب نووية، وسلسلة من التجارب الصاروخية، ويعتقد خبراء ومسؤولون حكوميون غربيون أنها تعمل على تطوير صواريخ، قادرة على حمل رؤوس نووية، ويمكنها الوصول إلى أراضي الولايات المتحدة.

هذه التطورات جعلت كوريا الشمالية تحذر الولايات المتحدة من ارتكاب أية تصرفات استفزازية في المنطقة، قائلة إنها “مستعدة للرد بهجمات نووية”، حيث أجرت بيونج يانج استعراضا عسكريا هائلا اليوم السبت تزامنا مع احتفال كوريا الشمالية بالذكرى رقم 105، لميلاد مؤسس الدولة كيم إل سونغ، وسط توقعات بأن الزعيم الحالي كيم يونغ أون قد يأمر بإجراء تجربة نووية جديدة، ومن بين المعدات العسكرية، التي شملها الاستعراض، ما تبدو أنها صواريخ باليستية عابرة للقارات، وصواريخ باليستية تطلق من غواصات.

التحركات العسكرية الأخيرة على أكثر من مكان استراتيجي وفي توقيتات متقاربة توضح ان ترامب لا يفعلها هباء وإنما لينقل للعالم أن قوة الردع الأمريكية جاهزة، وأنّها ستكون عدوانية أكثر في ظل إدارته، وانه لا يمانع في القيام بتجربة الأسلحة الامريكية في أي مكان، ولن يمانع في خوض حروب واسعة النطاق أو ما يٌطلق عليه بالحرب الشاملة.

ربما يعجبك أيضا