شم النسيم.. أول الزمن وبداية الخلق

هدى اسماعيل

كتبت- هدى إسماعيل

متع نفسك ما دمت حيًّا ودع العطر على رأسك، والبس الكتان الجميل، ودلك يدك بالروائح الذكية المقدسة، وأكثر من المسرات، ولا تدع الأحزان تصل إلى قلبك” ، بهذه الكلمات كان القدماء المصريين يحتفلون بعيد شم النسيم  ، فهو ليس خاص بالمسيحيين كما يعتقد الكثير فقد ارتبط بالديانة المسيحية ، لأنه يأتي في اليوم التالي لعيد القيامة، لكنه في واقع الأمر عيد متوارث من العصر الفرعونى مما جعله عيدا للمسيحيين والمسلمين معا.

فقد ذكر المؤرخ اليونانى”هيرودوت”:”أن المصريين سبقوا شعوب العالم بالاحتفال بالأعياد وعنهم أخذ اليونان هذا الاحتفال حيث كانت تسجل الأعياد بالأسماء وتسجل أيضا الاحتفالات الخاصة بهم وكانت الأعياد تجمع المصريين ليدل على مدى الترابط وكان المصري القديم عاشقا للطبيعة وللألوان فأستخدم كل شيء ليكون جميلا”.

بداية  الخلق

شم النسيم باللغة المصرية القديمة اسمه “شوم إنسم”، وهو مهرجان يقام سنويًّا في فصل الربيع، حيث كان من أعياد قدماء المصريين، ويحتفل فيه جميع المصريين بالخروج إلى المتنزهات ويرمز هذا العيد عند قدماء المصريين إلى بعث الحياة .

وقد كان المصري القديم يقسم السنة الى ثلاثة فصول وهى “أخت” فصل الفيضان ،”برت” وهو فصل الانبات “شموط وهو فصل الحصاد ، ومن هذه التسمية أخذت كلمة شم.

وكان أول ظهور لكلمة “شمو” فى مقبرة ميروركا في الأسرة السادسة بسقارة ، وأضيفت لها فى لغتنا العربية كلمة النسيم مثلما تضاف الكثير من المسميات المصرية.

ويرجع بدء احتفال الفراعنة بعيد “شم النسيم” رسميًّا إلى عام 2700 ق.م أي في أواخر الأسرة الفرعونية الثالثة، ولو أن بعض المؤرخين يؤكد أنه كان معروفاً ضمن أعياد هيليوبوليس ومدينة “أون”، وكانوا يحتفلون به في عصر ما قبل الأسرات ، وكان المصريون القدماء يعتقدون أن ذلك اليوم هو أول الزمان أو بدء خلق العالم كما كانوا يتصورون، وقد احتفل المصريون القدماء به في هذه الفتره تحديداً؛ لأنه يتم التوافق مع الحصاد.

العيد من منظور الأديان

من منظور إسلامي لا يوجد ما يسمى بعيد “شم النسيم”؛ باعتبار أن المسلمين يحتفلون بعيدين هما عيد الفطر وعيد الأضحى، وفي المسيحية فجاء عيد القيامة موافقاً لاحتفال المصريين بعيدهم، فكان الاحتفال بعيد الفصح أو عيد القيامة يوم الأحد، يليه مباشرةً عيد شم النسيم يوم الاثنين، وذلك فى شهر “برمودة” من كل عام، وكلمة “فصح” أو “بصخ” تشير إلى النجاة عندما قام المسيحيون بذبح الخروف ورشوا دمه علي ديارهم، ولا تزال الكلمة تستخدم في المسيحية.

وبالنسبة لليهودية، أن اليهود أخذوا عن المصريين القدماء احتفالهم بهذاالعيد، فقد كان وقت خروجهم من مصر فى عهد سيدنا موسى عليه السلام مواكبًا لاحتفال المصريين بعيدهم، واختار اليهود على حد زعمهم ذلك اليوم بالذات لخروجهم من مصر؛ حتى لا يشعربهم المصريون أثناء هروبهم، حاملين معهم ما سلبوه من ذهب المصريين وثرواتهم؛ لانشغالهم بالاحتفال بعيدهم ، ومنذ ذلك اليوم واليهود يحتفلون به، وجعلوه رأساً للسنة العبرية، وأطلقوا عليه اسم “عيد الفصح”؛ حيث إن كلمة “فصح” بالعبرية تشير إلى النجاة.

عادات استقبال الربيع عند الفراعنة

الاستحمام

كان المصريون القدماء يستعدون لعيد شم النسيم بالاستحمام في ليلته، وذلك خوفا من ما يعرف ، بـ«الشمامة»، حيث كانوا يعتقدون بوجود جماعات تمر ليلة عيد شم النسيم على البيوت لتعرف من لم يغتسل وتصب لعناتها عليه.

الكحل

حرص القدماء المصريون على استقبال العيد بعيون مكحلة، اعتقاد منهم بأن الربيع ينظف العيون من الأتربة والشوائب حتى يأتي العام المقبل.

الاستيقاظ قبل شروق الشمس

ارتبط عيد شم النسيم عند المصري القديم بالاستيقاظ مبكرا، وذلك طبقا للعادة الفرعونية التي تقول بأن من تشرق عليه الشمس في هذا اليوم وهو نائم سوف يلازمه الخمول طوال العام، وهي عادة كانت تؤكد على قيمة الاستيقاظ مبكرا في حياة الفرد.

تعليق البصل

طقس مازال المصريون يقومون به حتى الآن، فإذا أعلن الصباح عن قدومه أخذ المصريون فى استنشاق البصل، كما أن هناك عادة أكثر غرابة للفراعنة وهى أن ينام كل شخص وتحت وسادته بصلة خضراء، وفى الصباح الباكر يدعك بها أنفه حتى تتساقط الدموع من عينيه المكحلة، فيزول عنه الخمول والكسل طوال العام.

الفسيخ بعث للمتوفي

تناول الفسيخ عند الفراعنة يرجع لاعتبار السمك هو رمز “الخصوبة” عند الفراعنة وكانوا يصاحبون المتوفي فى مقبرته بالسمك الفسيخ لانه يتحمل التخزين اعتقادا منهم انه اذا عاد للعالم الاخر يجد ما ياكله وكان السمك البورى بالذات يضع بويضاته فى مثل هذا الوقت من العام فيعتبرونه الانسب فى الاكل للاحتفال بالربيع وشدد على مشاركة الفراعنة للشعب فى طقوس الاحتفالات بكل الاعياد وكانوا يعتبرون النيل هو شريان الحياة والتنزه بجواره من طقوس الاحتفال بالربيع وقال “امنحتب”:” اذا مرض النيل مرضت مصر فهو الذى يقضى على ثالوث الفناء الجهل الفقروالمرض”.

اسطورة شفاء ابن الملك

أما البصل فقد ظهر ضمن أطعمة عيد شم النسيم فى أواسط الأسرة الفرعونية السادسة وقد ارتبط ظهوره بما ورد فى إحدى أساطير مدينة “منف” القديمة التى تروى أن أحد ملوك الفراعنة كان له طفل وحيد أصيب بمرض غامض ، واستدعى الملك الكاهن الأكبر لمعبد آمون، فنسب مرض الأمير الطفل إلى وجود أرواح شريرة تسيطر عليه، وأمر الكاهن بوضع ثمرة ناضجة من ثمار البصل تحت رأس الأمير فى فراش نومه عند غروب الشمس .

وتروي الأسطورة أن الطفل بعد ذلك غادر فراشه بعد أن تم شفاءه من مرضه تماما وخرج ليلعب، فأقام الملك الأفراح فى القصر لأطفال المدينة بأكملها، وشاركه الشعب فى افراحه، ولما حل عيد شم النسيم بعد أفراح القصر بعدة أيام قام الملك وعائلته، وكبار رجال الدولة بمشاركة الناس فى العيد، كما قام الناس بتعليق حزم البصل على أبواب دورهم.

البيضة الأزلية

بعد غروب الشمس يوم الاحد ما قبل العيديلون البيض ويكتب علية الامنيات والدعوات ويتم تعليقة فى الاشجار ومع شروق الشمس يقمن بتكسير البيض لتحقيق الامنيات والدعوات كنوع من تجدد الحياة .

وعن سر تناول المصريين القدماء للبيض يرجع لاعتقادهم بأنه يمثل البيضة الأزلية ، وقد صوَّرت بعض برديات منف الإله “بتاح”، إله الخلق عند الفراعنة، وهو يجلس على الأرض على شكل البيضة التي شكلها من الجماد ، كما ورد فى متون كتاب الموتى وأناشيد “أخناتون الفرعونى”، لذلك اعتاد المصريون تناول البيض، أماعن تلوينه أو زخرفته بالنقوش فهو يرجع لأن المصريين القدماء كانوا ينقشون على البيض دعواتهم وأمنياتهم للعام الجديد، ويضعون البيض في سلال من سعف النخيل يعلقونها في شرفات المنازل أو في أغصان الأشجار؛ لتحظى ببركات نور الإله عند شروقه فيحقق أمنياتهم.

ربما يعجبك أيضا