الجوع لمواجهة الظلم

محمود

رؤية – محمد عبد الكريم

القدس المحتلة – لا يملك الأسرى الفلسطينيون سوى أمعائهم الخاوية، وإضرابهم المفتوح عن الطعام وسيلة وحيدة وسلاح أخير لمواجهة ظلم وانتهاكات الاحتلال الصهيوني، لحقوق ضمنتها لهم المعاهدات والقوانين الدولية، في بلد سمي ببلد المليون أسير اعتقلوا منذ نكبة عام 1948.

وأعلن الأسرى الفلسطينيون في سجون إسرائيل إضراباً مفتوحاً عن الطعام، يبدأ غداً الإثنين، وهو يوم الأسير الفلسطيني، وأعلنوا أن المعتقلين من كل الاتجاهات السياسية (فتح، الجبهتين الشعبية والديموقراطية، حماس والجهاد الإسلامي…) سيشاركون في الإضراب، وأنهم قاموا بتنظيم لجانهم في مختلف السجون (الجلمة، هداريم… إلخ) على أساس توفير شروط استمراريته ونجاحه.

ويفترض أن يشهد الإضراب مساندة عدة عواصم عربية وأجنبية ومنظمات دولية معنية بأوضاع الأسرى وبحقوق الإنسان إلى مواقف تضامنية معهم في يوم بدئهم إضرابهم هذا، والذي يتمحور حول مطالب محددة، تتعلق بالعزل في الانفرادي، وبالاعتقال الإداري، وبنظام زيارات الأهل وبالعناية الصحية.

وبحسب الارقام الرسمية فان تاريخ الحركة الأسيرة الفلسطينية بدأ مع بدايات الاحتلال للأراضي الفلسطينية عام 1948، حيث سجل نحو مليون حالة اعتقال على مدار سنين الاحتلال، واليوم يبلغ عددهم 6500 أسير، منهم 62 امرأة، 14 منهن قاصرات، و300 طفل وفق تعريف القانون الدولي لهم (دون الـ16 من العمر). وبينهم 536 معتقلاً إدارياً و24 صحافياً و12 عضواً في المجلس التشريعي الفلسطيني، ستة منهم معتقلون إداريون. وقد تعرض للاعتقال في فترات متفاوتة عدد كبير من أعضاء هذا المجلس، كما عرف الاعتقال ثلث أعضائه دفعة واحدة بعد انتخابات 2006 التي خرجت منها حركة حماس حائزة على الغالبية. وفي آذار (مارس) الفائت وحده، اعتقلت إسرائيل 509 فلسطينيين بينهم 13 امرأة وفتاتان قاصرتان و5 صحافيين.

اليوم يركز المعتقلون على مسألة زيارات أهاليهم لهم، التي تعرقلها السلطات الإسرائيلية بذرائع شتى، فيما هي تجري أصلاً في ظروف شاقة. فهي تعاقب بعض المعتقلين بمنع الزيارات عنهم لمدد متفاوتة، وتحرم من كان قد سجن سابقًا من زيارة قريبه المعتقل، وتصنف بعض العائلات بوصفها غير مرغوب فيها لأسباب تتعلق بالانتماءات السياسية لبعض أفرادها، وتعرقل دخول الأطفال والأولاد إلى الزيارة، وتقصرها على 45 دقيقة بينما يكون الأهل قد قطعوا مسافات كبيرة واجتازوا حواجز عدة وتكلفوا كثيراً، وغالبا ما تتركهم ينتظرون ساعات في البرد والحر، كما تُباعِد بين الزيارات المسموحة في ما يُفترض بها أن تجري كل أسبوعين. ويطالب الأسرى كذلك بتوفير هاتف عام في السجن ليتمكن المعتقلون من الاتصال بعائلاتهم، بينما يحق للمساجين العاديين حيازة هواتف نقالة.

وأما في ما يتعلق بالرعاية الصحية، فيطالب الأسرى بإغلاق مستشفى سجن الرملة لسوء أوضاعه وخدماته، وهو المستشفى الذي غالباً ما يُنقل اليه السجناء الفلسطينيون عند حاجتهم لتلقي العلاج. كما يطالبون بتنظيم زيارات دورية للأطباء، وبسرعة إجراء الجراحات وتلبية الطارئ منها، وبالسماح للأطباء الأخصائيين بالدخول الى السجن، وبعدم تحميل الأسرى كلفة العلاج والاستشفاء. وهم يريدون مطابخ في كل عنبر، وإدارتها بأنفسهم تلافياً لسوء ما يقدم لهم من طعام، وبحصولهم على ملابس من أهاليهم.

وهذه المطالب ليست ترفاً ولا تلبيتها مِنّة من إسرائيل، بل هي تطابق البروتوكولات المقرة في القانون الإنساني الدولي واتفاقيات جنيف الرابعة، وهي برعاية الأمم المتحدة وملزمة للدول الموقعة عليها.

وقد حدث في مرات سابقة أن وصل إضراب بعض الأسرى عن الطعام إلى حد يهدد حياتهم. وقامت السلطات الإسرائيلية حينها بتغذيتهم قسرياً بالأنابيب، فيما يكون الأسير مكبلاً بسلاسل الى سريره في المستشفى. ويعتبر ذلك انتهاكاً لحرمة جسده، ويعادل التعذيب.

وخاض نحو 140 أسيرا فلسطينيا معارك “الأمعاء الخاوية” بشكل فردي منذ إضراب الشيخ خضر عدنان الشهير عام 2012 الذي انتزعوا فيها حريتهم وحقوقهم، وتلا ذلك إضرابان للأسرى الإداريين عام 2014 والآخر لأسرى الجبهة الشعبية تضامنا مع رفيقهم بلال كايد.

وقد اشتهر إضراب الأسير المحرر خضر عدنان، الذي استمر 66 يوماً سجلت كرقم قياسي، وعلى أثره أطلق سراحه في نيسان (ابريل) 2012 مع تعهد بعدم اعتقاله مرة أخرى إدارياً، وهو ما كان حصل له سابقاً، ويتكرر حصوله مع الأسرى الذين يمضون حياتهم «مترددين على السجون». وبعده حطم ثائر حلاحلة وبلال ذياب هذا الرقم بإضرابهما لمدة 76 يوماً، متجاوزين بذلك ما سجله الأسير الايرلندي بوبي ساندرز عضو «الجيش الجمهوري الايرلندي» الذي استمر في إضرابه عن الطعام 74 يوماً.

ثائر حلاحلة، قال لزوجتة من خلف القضبان جملة صارت على كل لسان: «لا يمكنني أن أصف بالكلمات مدى حبي لكِ. أنا أفعل هذا في سبيل الله ومن أجل وطني، ومن أجلكِ ومن أجل ابنتي لمار. اعتني بها وبصحتك… وسامحيني».

ثم جاء دور الأسير سامر العيساوي الذي حطم مجدداً الرقم القياسي السابق باضرابه لـ… 240 يوماً! ولا يزال الصحافي الأسير محمد القيق يخوض إضرباً عن الطعام في سجون الاحتلال الإسرائيلي بعدما وجهت له تهم جديدة قبل أيام من الموعد المتفق عليه للإفراج عنه، وكان ذلك في منتصف نيسان الجاري إثر إضرابه عن الطعام لمدة 35 يوماً بسبب تجديد اعتقاله في مطلع 2017، بينما افرج عنه في 2015 إثر 94 يوماً من الإضراب عن الطعام! وهو بذا مثال معبر لحالة الاعتقال المتكرر. والقيق رأس مجلس طلاب جامعة بيرزيت في دورة 2006 ــ 2007 وكان نقابياً متميزاً.

وفيما يلي أبرز الإضرابات الجماعية التي خاضها الأسرى الفلسطينيون في سجون الاحتلال الإسرائيلي:

1 إضراب سجن الرملة بتاريخ 18/2/1969 واستمر 11 يوما، والسبب المطالبة بتحسين وزيادة كمية الطعام وإدخال القرطاسية ورفض مناداة السجان بكلمة “حاضر سيدي” ورفض منع التجمع لأكثر من أسيرين في الساحة، وكذلك زيادة وقت الفورة. وانتهى بقمع الأسرى وعزلهم وتعريضهم للإهانة.

2 إضراب معتقل كفار يونا بتاريخ 18/2/1969. واستمر ثمانية أيام، وتزامن مع إضراب الرملة. والسبب المطالبة بتغير” الجومي” (فرشة بلاستيكية رقيقة ينام عليها الأسير) وبتحسين وزيادة كمية الطعام وإدخال القرطاسية ورفض مناداة السجان بكلمة “حاضر سيدي”، ونتج عنه السماح بإدخال القليل القليل من القرطاسية من أجل كتابة الرسائل للأهل وإلغاء كلمة “سيدي” من قاموس السجون.

3 إضراب السجينات الفلسطينيات في سجن نفي ترستا بتاريخ 28/4/1970، واستمر تسعة أيام. وقد تعرضن جراء الإضراب للإهانة والعقوبات منها العزل في زنازين انفرادية، وقد وعدت إدارة السجون بفحص والاستجابة للمطالب، لكن ما تم تحقيقه هو القليل جدا مثل تحسين التهوية وزيادة وقت الفورة وإدخال عبر الصليب بعض الحاجات الخاصة بالنساء.

 4 إضراب سجن عسقلان بتاريخ 5/7/1970، واستمر سبعة أيام، طالب فيه الأسرى بإدخال القرطاسية والملابس من الأهل وزيادة وقت النزهة “الفورة”، وقد تنصلت إدارة السجن من تلبية المطالب بعد أن وعدت بتلبيتها.

5 إضراب سجن عسقلان بتاريخ 13/9/1973 وحتى تاريخ 7/10/1973.

6 الإضراب المفتوح عن الطعام بتاريخ 11/12/1976، الذي انطلق من سجن عسقلان لتحسين شروط الحياة الاعتقالية واستمر لمدة 45 يوما، وفيه سمحت إدارة السجن بإدخال القرطاسية وتسلم الأسرى لمكتبة السجن كمراسلة الأهل، كذلك تحسين نوعية وكمية الطعام واستبدال فرشات الأسرى “الجومي” المهترئة.

7 الإضراب المفتوح بتاريخ 24/2/1977. واستمر لمدة 20 يوما في سجن عسقلان، وهو امتداد للإضراب السابق، فبعد تراجع إدارة السجن عن بعض الوعود التي قطعتها للأسرى قرروا استئناف الإضراب عن الطعام ثانية.

8 إضراب سجن نفحة بتاريخ 14/7/1980 واستمر لمدة 32 يوما، ومن المعلوم أن سجن نفحة الصحراوي تم افتتاحه في 1 أيار (مايو) من العام نفسه، وكان يتسع لحوالي 100 أسير، وقد هدفت سلطات الاحتلال من تشغيله لعزل الكادر التنظيمي عن الحركة الأسيرة، التي تمكنت من بناء نفسها والنهوض بواقع الأسرى خاصة في سجني عسقلان وبئر السبع المركزي.

9 إضراب سجن جنيد في أيلول/سبتمبر عام 1984، واستمر لمدة 13 يوما، وحصل هذا الإضراب بعد افتتاح سجن جنيد في مدينة نابلس في شهر تموز (يوليو) عام 1984، وقد تم إخلاء سجن بئر السبع من الأسرى الفلسطينيين.

10 إضراب سجن جنيد بتاريخ 25/3/1987. وشارك فيه أكثر من 3000 أسير، من مختلف السجون. واستمر لمدة 20 يوما، وقد جاء هذا الإضراب بعد استلام دافيد ميمون مهمة مديرية السجون، حيث قام بسحب العديد من الإنجازات، مثل منع الأسرى من تلقي ملابس من أهاليهم ومنع الأسرى من زيارات الغرف وتقليص مدة الفورات وكميات الطعام، إضافة إلى التعامل السيء مع الأسرى، الأمر الذي دفع الأسرى في السجن لإعلان إضراب مفتوح عن الطعام استمر 20 يومًا، وقد انضمت سجون أخرى إلى الإضراب.

ورغم ذلك انتهى هذا الإضراب دون نتائج ملموسة، مجرد وعود من إدارات السجون لم تتحقق، وكان له إسهام في اندلاع الانتفاضة الأولى.

11 إضراب 23 كانون الثاني (يناير) 1988، ففي هذا التاريخ أعلن الأسرى الإضراب عن الطعام، تضامنا وتزامنا مع إضرابات القيادة الموحدة للانتفاضة الفلسطينية ضد الاحتلال، التي اشتعلت في كانون الأول (ديسمبر) 1987.

 12 إضراب سجن نفحة بتاريخ 23/6/1991، واستمر الإضراب 17 يوما، بدأ في ظروف اشتدت فيها الانتفاضة الفلسطينية ضد الاحتلال، وقد خرج شاؤول ليفي من مديرية السجون إثر انتقادات واسعة لأسلوب عمله، نظرًا للشروط التي قدمها للأسرى، وفي ظل حكومة ترأسها إسحق شامير، وعين مكانه مدير جديد هو جابي عمير أثناء حرب الخليج الأولى وحالة الطوارئ التي فرضت على السجون.

13 إضراب 25/9/1992، الذي شمل معظم السجون، وشارك فيه نحو سبعة آلاف أسير، واستمر 15 يوما، بعد فشل إضراب نفحة عام 1991، بدأت السجون كلها بالتحضير لإضراب شامل لكل الأسرى في سجون الاحتلال، وأمام هجمة إدارة السجون الشرسة على الأسرى استمرت التحضيرات قرابة عام كامل، حيث بدأ الإضراب يوم 25 أيلول (سبتمبر) 1992 في غالبية السجون المركزية وتضامن بعض المعتقلات.
وكانت مشاركة السجون على النحو التالي: جنيد وعسقلان ونفحة وبئر السبع ونابلس في 27/9، سجن جنين 29/9/، سجن الخليل 30/9، سجن رام الله، وأسيرات تلموند في 1/10، سجن عزل الرملة في 5/10، سجن غزة المركزي في 10/10، فيما شاركت السجون التالية مشاركة تضامنية، مجد، النقب، الفارعة، شطة.

14 إضراب/6/1994، الذي شمل معظم السجون، واستمر ثلاثة أيام.

15 إضراب الأسرى بتاريخ 18/6/1995 تحت شعار “إطلاق سراح جميع الأسرى والأسيرات دون استثناء”، واستمر لمدة 18 يوما، وبعد اتفاقية أوسلو تحسنت شروط حياة الأسرى بصورة كبيرة، وتقلص عددهم في السجون بعد عمليات الإفراج وانخفاض وتيرة الانتفاضة.

16 إضراب أسرى سجن عسقلان عام 1996، حتى هذا التاريخ لم تكن الأطر التنظيمية للإضراب قد تبلورت بعد بشكل واضح، وكانت القيادة في السجون في غالبيتها حول أشخاص مركزيين، وكان الأسرى لا يزالون يفترشون قطعًا من البلاستيك تحتهم عند النوم.

17 خاض الأسرى إضراباً مفتوحاً عن الطعام بتاريخ 5/12/1998؛ إثر قيام إسرائيل بالإفراج عن 150 سجينا جنائيا، ضمن صفقة الإفراج التي شملت 750 أسيراً وفق اتفاقية واي ريفر وعشية زيارة الرئيس الأميركي آنذاك بيل كلنتون للمنطقة، وقد تزامن مع ذلك نصب خيمة التضامن مع الأسرى المضربين عن الطعام في السجون أمام نصب الجندي المجهول بغزة وإعلان 70 أسيرا محررا الإضراب المفتوح عن الطعام.

18 دخل الأسرى إضرابا مفتوحا عن الطعام بتاريخ 1/5/2000؛ احتجاجا على سياسة العزل، والقيود والشروط المذلة على زيارات أهالي المعتقلين الفلسطينيين، وقد استمر هذا الإضراب ما يقارب الشهر، ورفع خلاله شعار إطلاق سراح الأسرى كأحد استحقاقات عملية السلام.

19 إضراب سجن نيفي تريستا بتاريخ 26/6/2001 حيث خاضته الأسيرات واستمر لمدة 8 أيام متواصلة احتجاجا على أوضاعهن السيئة.

20 إضراب شامل في كافة السجون بتاريخ 15 8 2004 واستمر 19 يوما، في سجن هداريم،  فبعد تطورات كثيرة ساءت ظروف الحياة في السجون، وهجمت مديرية السجون هجمة شرسة للغاية على الأسرى، أشعرتهم بالاختناق الشديد.، فدخل الأسرى في الإضراب المفتوح عن الطعام الذ حقق بعض الإنجازات البسيطة وأوقف الموجات الأخيرة من الإجراءات التي من أجلها تفجر الإضراب.

21 إضراب عام 2004: بعد مدة شهرين ونصف من إضراب الأسرى في سجن هداريم؛ في 15 آب (أغسطس) بدأت معظم السجون إضرابًا مفتوحًا عن الطعام، ولحقت بها السجون التي تأخرت في الثامن عشر من الشهر نفسه.

22 إضراب أسرى سجن شطة بتاريخ 10 7  2006 واستمر 6 أيام، احتجاجا على تفتيش الأهل المذل خلال الزيارات وكذلك لتحسين ظروف المعيشة بعد تضييقات على ظروف المعيشة، خاصة التفتيش الليلي المفاجئ.

23 إضراب الأسرى في كافة السجون والمعتقلات بتاريخ 18 11  2007 ليوم واحد.

24 إضراب أسرى الجبهة الشعبية وبعض المعزولين استمر 22 يوما في عام 2011 للمطالبة بوقف سياسة العزل الانفرادي.

25 إضراب  17/4/2012

26 إضراب الأسرى الإداريين 24/4/2014، حين بدأ نحو 120 معتقلاً فلسطينياً إدارياً في سجون ‘مجدو’، ‘عوفر’ و’النقب’ الإضراب المفتوح عن الطعام؛ احتجاجاً على استمرار اعتقالهم الإداري دون تهمة أو محاكمة، مطالبين بإلغاء سياسة الاعتقال الإداري، وانضم إليهم في أوقات لاحقة العشرات من الأسرى الإداريين والمحكومين والموقوفين كخطوة تضامنية وإسنادية لمعركتهم، حتى تجاوز عدد المضربين عن الطعام 220 أسيرًا.

ربما يعجبك أيضا