صناعة الطائرات.. صراع الكبار على احتكار السماء

حسام عيد – محلل اقتصادي

“الأول في المطلق” -بمختلف الأسواق والصناعات في العالم- تحدي كبير ولتحقيقه يجب تقديم الأفضل والفريد من نوعه دائمًا حتى إذا تطلب الأمر اختراق السماء والسيطرة عليها؛ وهذا ما يشهده العالم الآن، فشركات صناعة الطائرات الكبرى تتنافس فيما بينها من أجل السيطرة على سوق صناعة الطيران العالمية، من خلال تطوير الإنتاج وتسويق الطائرات خصوصًا.

صناعة الطائرات اليوم تعد واحدة من أكثر صناعات العالم نموًا، حيث يزداد الطلب عليها بشكل مستمر وقد أكدت بعض التوقعات والتقارير أنه بحلول 2032 سيتضاعف عدد الطائرات في أساطيل الطيران في العالم لتتجاوز 36 ألف طائرة، وأن العالم سينفق نحو 4.5 تريليون دولار تقريبا على شراء طائرات جديدة، وذلك بالأسعار الحالية لهذه الطائرات، بالطبع أسعار المستقبل ستكون مختلفة.

بوينج وإيرباص عمالقة السماء

بوينج وإيرباص هما طرفي الصناعة الأكثر استحواذًا على السوق العالمية والأكثر إنتاجًا للطائرات ذات الحجم الكبير، بينما تتخصص بقية الشركات بشكل أكبر في طائرات رجال الأعمال والطائرات صغيرة الحجم وغيرها من الصناعات الأخرى المتعلقة بالطائرات.

وفي أحدث احصائيات لمعرض فارنبرة الجوي في يوليو 2016 -حدث عالمي يعقد لمدة أسبوع ويجمع بين المعرض التجاري الرئيسي للفضاء والصناعات الدفاعية مع عروض طيران مفتوحة أمام الجمهور- بلغت الطلبيات وصفقات البيع 123.9 مليار دولار (112.3 مليار يورو)، وهذا الرقم فاق التوقعات حتى لو أنه لم يحقق الرقم القياسي البالغ 204 مليارات في الدورة السابقة، قبل عامين.

وشملت الطلبيات والبروتوكولات شراء 856 طائرة بـ 93.98 مليار دولار، و1407 محركا بـ 22.7 مليار دولار، واتفاقات أخرى تبلغ 7.2 مليارات دولار.

وحققت شركة إيرباص مبيعات بلغت 35 مليار دولار، منها 25.3 مليار من الطلبيات الأكيدة لـ 279 طائرة.
وكانت شركة بوينج العملاقة الأخرى، أعلنت من جهتها عن 182 صفقة بقيمة 26.8 مليار دولار، منها 16 مليارا من الطلبيات الجديدة.

وأعربت الشركتان عن تفاؤلهما بنمو السوق في السنوات العشرين المقبلة، والتي سيؤمنها نمو البلدان الناشئة وخصوصًا في آسيا والأسعار المتدنية.

حرب السماء والسيطرة على العالم

تواجه مجموعة “بوينج” التي أسست قبل 100 عام وأصبحت رمزًا كبيرًا لصناعة الطيران في الولايات المتحدة والعالم، منافسة قوية حاليا في كل قطاعات أنشطتها من الطائرات المدنية أو العسكرية إلى استكشاف الفضاء، غير أنها تحافظ على قدراتها الابتكارية في مجال التكنولوجيا.

وتكمن المسألة التي ستحدد مستقبل بوينج في السنوات المقبلة في معرفة ما إذا كانت قادرة على التغلب على إيرباص التي تهيمن على قطاع الطيران المدني وبدأت أخيرًا في إنتاج طائرات في الولايات المتحدة وتطمح للفوز بعقود عسكرية بمبالغ طائلة.

كما باتت المجموعة الأوروبية “إيرباص” التي أسست في ديسمبر 1970 تملي جدول الأعمال الخاص بالتكنولوجيا والابتكار في المجال الجوي.

وفي المجال الدفاعي، تم استثناء “بوينج” من أكبر برنامجين عسكريين أمريكيين وهما اللذان يتعلقان بقاذفة القنابل المستقبلية المصنعة من جانب “نورثروب غرومان” والمقاتلة من الجيل الجديد “إف – 35” “لوكهيد مارتن”. ولم يبق لها سوى طائرة التموين “كاي سي – 46” التي تسجل تأخر متكرر في المشروع الخاص بها.

ولتعويض تأخرها، يتعين على “بوينج” تعزيز وجودها في خدمات الصيانة، وهو سوق مدر للأرباح في وقت تسجل الميزانية العسكرية تراجعًا مطردًا.

بالإضافة إلى “إيرباص”، يتعين على “بوينج” التي أسست في 15 يوليو 1916 التنافس حاليا مع شركات أجنبية “صغيرة” تعلن طموحات كبيرة في مجال الطيران مثل الكندية “بومباردييه” والصينية “كوماك”.

فبعدما كانت متقدمة لفترة طويلة في مجال استكشاف الفصاء، باتت تواجه منافسة في إطلاق الصواريخ والأقمار الاصطناعية المخصصة للاتصالات مع بروز شركات مثل “سبايس إكس” التي لا تكتفي بالابتكار على صعيد التكنولوجيا بل تقدم أسعارا تنافسية أيضا.

وإذا لم تعمد بوينج إلى تقليص هائل في أسعارها ولم تقم بترشيق بنيتها فهذا يعني أن بقاءها مرشحة جدية في هذا المجال ليس بالأمر المؤكد.

وتتباهى شركة “دلتا” بتفوقها في مجال تصنيع الصواريخ، كما تعمل على أول صاروخ سينقل الإنسان إلى المريخ، وسيكون أكبر بنسبة 50% من الصاروخ المخصص لعمليات الإطلاق نحو القمر “ساتورن 5” والذي صنعت الشركة اجزاءه الرئيسية.

لكن مع ذلك تبقى “بوينج” أيقونة أمريكية وعالمية، فهي أول من وضع تصميما بطريقة كاملة لتصاميم الطائرات التجارية التي حولت المشهد الخاص بصناعات الطيران وذلك المتعلق بشركات الطيران.

وخلال قرن من وجودها، حققت نجاحات تجارية في مجال الطيران المدني بفضل طرازاتها ذات الاسماء الثلاثية الأرقام، وقد فاقت إيراداتها 96 مليار دولار سنة 2015 بينها 68% في المجال المدني.

وبعد أن طبعت طائرات بوينغ 737 و757 و777 و787 تاريخ الطيران، ستبقى طائرات 747 وهي أول ناقلة ركاب كبيرة صاحبة البصمة الخالدة لأنها جعلت الطيران المدني في متناول الجميع.

الصين تصنع طائرات برمائية

نجحت الصين في إنتاج أكبر طائرة برمائية في العالم، وذلك في خطوة جديدة تخطوها البلاد للتخلص من اعتمادها على الطائرات الأجنبية.

وأزاحت شركة “AVIC” للطيران التابعة للحكومة الصينية الستار في مدينة زوهاي الساحلية الجنوبية عن أولى هذه الطائرات التي اطلقت عليها اسم AG600.

ويبلغ المدى الأقصى للطائرة 4500 كيلومترًا، ومصممة للاستخدام في إطفاء حرائق الغابات وعمليات الانقاذ البحري.

والطائرة يقارب حجمها الطائرة بوينج 737 المألوفة كما أنها مصممة للاقلاع من الماء والهبوط فيه. ولكن مع ذلك، فإن قطر جناحيها أصغر بكثير من قطر جناحي طائرة H-4 Hercules – المعروفة بالـ “الأوزة الخشبية” – والتي صممت في أربعينيات القرن الماضي لنقل الجنود إلى ساحات المعارك.

وتستهدف الطائرة الصينية السوق المحلية بالدرجة الأولى وستكون مفيدة جدًا في تطوير واستغلال الموارد البحرية، ومراقبة البيئة واستشعار وجود الموارد الطبيعية ونقل هذه الموارد.

ومن شأن الطائرة الجديدة أن تعزز قدرة الصين على القيام بطيف واسع من العمليات في بحر الصين الجنوبي الذي انشأت فيها سلسلة من الجزر الاصطناعية التي تحتوي على مدارج هبوط وغيرها من المنشآت ذات الاستخدام المدني والعسكري المزدوج.

ربما يعجبك أيضا