الخلافات تعصف بالأحزاب والقوى الشيعية في العراق

محمود سعيد

رؤية – محمود سعيد

تصاعدت الخلافات بين الأحزاب الشيعية العراقية والمليشيات العسكرية التابعة لها بما ينذر بدخول العراق إلى مرحلة أشد قتامة، وبالرغم من وقوع اشتباكات بين هذه المليشيات من آن إلى آخر بسبب الصراع على النفوذ والثروة، وخروج أنصار تلك التيارات المتصارعة في مظاهرات حاشدة وصلت إلى اقتحام المنطقة الخضراء والبرلمان العراقي، إلا أن الحرب على تنظيم الدولة ساهمت إلى حد كبير في تقليص حدة هذه المواجهات، ولكن مع انحسار التنظيم بدأت تعود إلى الواجهة مجددًا.

أبرز هذه الخلافات الحادة الأخيرة كانت خروج مقتدى الصدر عن اجماع التوجه الشيعي العام حيث دعا بشار الأسد إلى الاستقالة كما طالب أنصاره بخروج إيران من المشهد العراقي، رغم ان إيران تهيمن على كافة مفاصل الدولة العراقية وعلى الأحزاب الشيعية العراقية.

جذور الصراع

يقول المحلل العراقي مجاهد الطائي: إن الصراع الشيعي – الشيعي في العراق له جذوره الدينية على الزعامة بين المرجعيات ذات التوجه العربي والمرجعيات ذات التوجه الفارسي، علمًا أن المراجع المندرجة تحت المراجع العربية والفارسية متنافسة فيما بينها عدا تنافسها كعربية وكفارسية على خدمة المشروع الإيراني أو رفضه، وقد يصل التنافس إلى صراع واغتيالات فيما بينهم على الزعامة لما لها من رمزية وسلطة ومال، لكن دائمًا ما تضبط إيران إيقاعات الصراع وتحسمه بالمرجعية العليا في البلاد من أن ينجر إلى صراع غير مدروس النتائج، فمظلة المرجعية الفارسية ألقت بظلالها وثقلها على المراجع العربية منذ قيام الثورة الإيرانية 1979م.

وتابع “إن الصراع الشيعي – الشيعي في العراق له جذوره الدينية على الزعامة بين المرجعيات ذات التوجه العربي والمرجعيات ذات التوجه الفارسي، علمًا أن المراجع المندرجة تحت المراجع العربية والفارسية متنافسة فيما بينها عدا تنافسها كعربية وكفارسية على خدمة المشروع الإيراني أو رفضه، وقد يصل التنافس إلى صراع واغتيالات فيما بينهم على الزعامة لما لها من رمزية وسلطة ومال، لكن دائمًا ما تضبط إيران إيقاعات الصراع وتحسمه بالمرجعية العليا في البلاد من أن ينجر إلى صراع غير مدروس النتائج، فمظلة المرجعية الفارسية ألقت بظلالها وثقلها على المراجع العربية منذ قيام الثورة الإيرانية 1979م”.

الصدر والمالكي

الصراع الأكبر بين الأحزاب والتيارات الشيعية هو الصراع  بين زعيم مليشيا السلام مقتدى الصدر ورئيس الوزراء العراقي السابق ونائب رئيس الجمهورية الحالي نوري المالكي، تقابله محاولات من قبل الصدر للتقرب من رئيس الحكومة حيدر العبادي الذي ينتمي إلى حزب الدعوة الذي يتزعمه المالكي.

ورغم محاولات الصدر العديدة سحب البساط من تحت قدمي المالكي إلا أنه في مرة  يستجيب للضغوط الإيرانية للتهدئة بهدف الحفظ على ما يسمى وحدة “البيت الشيعي العراقي”،

مقتدى الصدر نفسه بات يشعر أنه مهدد بالاغتيال أكثر من أي وقت مضى، وقد ألقى خطيب مسجد الكوفة مهند الموسوي، ما قال إنها وصية مقتدى الصدر لأتباعه، وأهاب بهم بالثبات على ما أسماه “ال
نهج المحمدي الصدري”، فيما حث من ذكرت أسماؤهم سابقا بالنظام الإداري للتيار على “مناصرة المظلومين ومساعدة المحتاجين”.
الجنوب وبغداد

وقد تمدد الصراع بين الطرفين من محافظات جنوب العراق إلى بغداد بعد محاولة المالكي استجواب محافظي ميسان وبغداد المحسوبين على التيار الصدري، وقد أصدر الصدر  “فتوى شرعية” تحرم “التدخل في عمل محافظ ميسان” !!.
كما تصاعد الخلاف بعد المظاهرات التي شهدتها محافظات العراق الجنوبية احتجاجاً على زيارة نوري المالكي ومن ثم اقتحام مكتب حزب الدعوة في البصرة. واتهم المالكي وأتباعه، مناصري مقتدى الصدر بتنظيم المظاهرات ومهاجمة المكاتب وهددوا بـ”صولة فرسان” جديدة؛ وهي عملية قامت بها قوات المالكي في جنوب العراق في فترة رئاسته للحكومة ضد معارضيه خاصة أتباع الصدر رغم أن التيار الصدري نفى تورطه بالاحتجاجات ضد المالكي.

اتهامات متبادلة

وقال عضو “ائتلاف دولة القانون” بزعامة المالكي النائب كاظم الصيادي لصحيفة “الحياة” إن “جهة سياسية وراء أعمال الشغب التي استهدفت شخص المالكي”، واعتبر “ما جرى دعاية انتخابية مبكرة”.

لكن النائب من التيار الصدري حسين الشريفي قال إن “اللغط الذي أثاره أتباع المالكي ليس له أي معنى فالتظاهرات كانت غاضبة وعفوية نظمها من ضاع أولادهم في سبايكر ولا يعرفون مصيرهم، وكذلك من هو معترض على سياسته الرعناء التي سلمت ثلثي البلاد إلى داعش وعلى نهبه ثرواتها”، وأضاف أن “هؤلاء خرجوا للتظاهر كي يوضحوا أن هذا الشخص لم يعد مرغوباً فيه”.

خلافات “ائتلاف دولة القانون”

المالكي المرفوض إقليميا أصبح “عبء” ثقيل حتى على العبادي رفيق دربه، وهناك مؤشرات وتقارير إعلامية تؤكد أن أن العبادي يؤغب في الانشقاق عن “ائتلاف دولة القانون” الذي يتزعمه المالكي خاصة في الانتخابات العراقية القادمة، ويبدو أن لقاءات العبادي الماضية مع مسؤولين في المملكة العربية السعودية التي دائما ما يهاجمها المالكي، تؤكد أن العبادي يحاول أن يكون مستقلا بذاته عن سياسات “ائتلاف دولة القانون” التي يترأسها المالكي.

وهناك مؤشرات تؤكد أن العبادي يسعى إلى إنشاء كتلة برلمانية تابعة له سيطلق اسم كتلة “التحرير والبناء”، وهو ما يؤكد رغبة العبادي في ولاية ثانية في حال حصل على النصاب القانوني المطلوب، كما يعكس حقيقة الخلاف الحالي بينه وبين المالكي الطامح للعودة إلى رئاسة الوزراء.

المالكي والحشد

أما المالكي فبدأ بالتحالف مع بعض مليشيا الحشد الشيعية كفصائل “سيد الشهداء” و”جند الإمام” و”كتائب الإمام علي” و”قوات السيد الصدر”.
وسبق لقاء الصدر بالعبادي، لقاء للمالكي مع شخصيات سياسية سنية من محافظتي صلاح الدين والأنبار، بينها رئيس مجلس النواب الأسبق محمود المشهداني وحسين الفلوجي وشعلان الكريم. ويشير مراقبون عراقيون إلى أن المالكي يبحث عن شركاء سنة لإشراكهم في كتلة جديدة.

دور إيران وأذرعها

وقد أكد مراقبون أن مسؤول الملف العراقي في حزب الله اللبناني، محمد كوثراني وبأمر من خامنئي، يقود مساع للتقريب بين الصدر والمالكي، والنظام الإيراني يريد بذلك أن يلعب رئيس الوزراء حيدر العبادي دوراً مهما في التسوية بين الصدر والمالكي رغم البرود في علاقته بهما بسبب الإصلاحات والمعركة ضد الفساد.

المستقبل المجهول

يقول المحلل والخبير العراقي مجاهد الطائي: “يبقى أن الاحتمالات في الساحة العراقية مفتوحة على جميع الاتجاهات. ومما لا شك فيه أن المنافسة على النفوذ حقيقية بين التيارات الشيعية العراقية وأشدها ما نشهده بين الصدر والمالكي. ولترجيح الكفة سوف يلعب عمار الحكيم زعيم المجلس الأعلى دورا مهما. رغم أنه في المرحلة الراهنة يعتبر مقربا من العبادي والصدر أكثر من المالكي وقد زار طهران بصفته زعيما للتحالف الوطني، لكن ورقة التسوية التي طرحها وأكد دعمها من إيران والأردن، رفضها الصدر والعبادي”.

احتمالات الانشقاق في البيت الشيعي العراقي كبيرة ولكن لا شك أن الأطراف الخارجية سوف تلعب دورا مؤثرا في هذا الملف كما لعبت سابقا. ولم يتضح حتى الآن ما ترجحه إيران التي تدعم معظم المليشيات الشيعية في العراق حول هذه الأزمة وربما تنتظر اللحظة الأخيرة لتفرض موقفها وتدعم من تراه مناسبا لمصالحها في المستقبل”.

الساحة العراقية ملتهبة منذ فترة ليست بالقصيرة، والمشروع الشيعي في العراق ممثلا في الأحزاب السياسية الشيعية والمليشيات أثبت فشله على جميع المستويات خصوصا الاقتصادية والعسكرية والسياسية، النظام الحاكم في العراق، يعاني كذلك من أزمة بنيوية إذا لم يتم تداركها، فالانهيار قادم لا محالة.

ربما يعجبك أيضا