فرنسا مازالت تعيش كابوساً مرعباً اسمه المقاتلون الاجانب

جاسم محمد

رؤية ـ جاسم محمد
 
مازالت فرنسا وعواصم أوروبية في مرمى الإرهاب، وهي نصب أعين داعش، وهذا ربما يعود إلى عدد المقاتلين الأجانب من أصول فرنسية لدى تنظيم داعش، ومايملكه التنظيم من أنصار داخل فرنسا.
 
العوامل الجغرافية والسياسية، اي سياسات فرنسا وجهودها في مكافحة الارهاب، هي الاخرى يجب ان تؤخذ في الحسبان. التقديرات تقول بان اوروبا ومنها فرنسا تحتاج الى سنوات طويلة لكي تتعافى من موجة الارهاب والتطرف.
 
هزت باريس عملية ارهابية في جادة الشانزليزيه تماما، قبيل الانتخابات العامة، فقد اعلن المتحدث باسم وزارة الداخلية الفرنسية في وقت متاخر من مساء يوم 20 ابريل 2017، وقوع عملية ارهابية في باريس في جادة “الشانزليزيه” الشهيرة قرب محطة مترو جورج الخامس. واعلنت الشرطة، عن مقتل شرطي وأصابة آخران، في حادث إطلاق نار من رشاش “كلاشنيكوف،  ونقلت “رويترز” عن شاهد عيان قوله إن مهاجما خرج من سيارة ممسكا بالرشاش، وأطلق النارعلى الشرطة، والتي ردت على منفذ اطلاق النار واردته قتيلا في الحال. وتداولت اخبار غير مؤكدة بان منفذ العملية لم يكن بمفرده، بينما مراسلي وكالات الاخبار في موقع الحادث ذكروا،سماع اطلاق نار في شارع اخر موازي الى جادة “الشانزليزيه”.
 
نتائج التحري والتحقيقات الاولية
 
تقارير وكالات الانباء، تقول بان الشرطة الفرنسية مازالت تطارد مشتبه اخر متورط في العملية، وربما سلم نفسه الى السلطات الفرنسية. وأفادت التقارير بأن بلجيكا أخطرت فرنسا بأن مشتبها به غادر أراضيها عبر القطار.  وفي سياق حالة الطواريء في فرنسا ، دعا الرئيس الفرنسي فرنسوا أولاند، لاجتماع عاجل لمجلس الدفاع لبحث تفاصيل الاعتداء  وأشار إلى أن مسارات التحقيق في الواقعة تشير جميعها إلى كونه عملًا إرهابي. وكانت عملية مداهمة منزل مطلق النار قد نفذت في منطقة (سين- إي- مارن) في الضاحية الباريسية، وهو صاحب وثيقة تسجيل السيارة المستخدمة. في الاعتداء هذه المرة ربما تم استخدام سيارة غير مؤجرة او مسروقة وفقا للتحقيقات الاولية. المدعي العام الفرنسي فرانسوا مولان، اعلن  أن السلطات حددت هوية المسلح، لكنها لن تعلن اسمه إلى أن يتأكد المحققون مما إن كان له شركاء وان هوية المهاجم كانت معروفة وتم التأكد منها. الشرطة الفرنسية قامت ايضا بتفتيش شقة شخص “يدعى كريم شورفي” في بلدة شيل الفرنسية.
 
داعش تعلن مسؤوليتها عن العملية
 
لم يمضي وقت طويلا حتى أعلن تنظيم داعش، عبر (وكالة اعماق) مسؤوليته عن هجوم باريس، مشيرا إلى أن منفذ الحادث يدعى “أبو يوسف البلجيكى”، وهي ربما سابقة من وكالة اعماق باعلان تحمل التنظيم عن مسؤوليته، حيث كانت في عمليات سابقة لايتم الاعلان عنها بهذه السرعة، بل تستغرق بضعة ايام، وان ثبت صحة الاعلان، فهذا يعني ان منفذ العملية لا يقع  ضمن دائرة”الذئاب المنفردة” ويثبت ارتباطه بالتنظيم. التقارير الاولية عن منفذ العملية” ابو يوسف البلجيكي” تقول بانه مولود في فرنسا، ويبلغ من العمر( 39 عاما)، ومن اصول عربية وقد أوقف سابقاً من قبل الشرطة الفرنسية. المدعي العام ووزارة الداخلية مازالت تتحفظ على الاعلان عن تفاصيل الاسم الحقيقي لمنفذ العملية، وربما لاغراض التحقيقات. المعلومات الاولية تقول بانه سبق ان قام بعملية ارهابية ضد الشرطة عان 2001، وسجن مدة 15 عام، ومرجح انه خضع للتجنيد لصالح الجماعات المتطرفة داخل السجن.
 
 
وكان تقرير صادر قبل اسابيع عن الأمانة العامة للدفاع والأمن القومي في فرنسا يكشف أن التهديدات الإرهابية ستتطور في الأعوام المقبلة لتصل إلى حدّ تنفيذ هجمات كيميائية وبيولوجية وإشعاعية والتي تتراوح بين استخدام الجماعات المتطرفة للأسلحة الكيميائية والنووية والإشعاعية وصولاً إلى التهديد البيولوجي من خلال نقل فيروسات. التقرير يركز على استراتجية تطور الإرهاب الذي سيستخدم التكنولوجيا بما هو أبعد من الأسلحة البدائية مثل الأسلحة قصيرة المدى أو المتفجرات الصغيرة.
 
انتقادة الى عسكرة الامن في فرنسا
 
طالب “جورج فينيش” رئيس اللجنة البرلمانية يوم 5 يوليو 2016  تحقق في الاعتداءات التي شهدتها باريس عام 2015 بإعادة تنظيم أجهزة لاستخبارات الفرنسية الموزعة حاليا في كيانات مختلفة، عبر جمعها في وكالة وطنية توضع تحت سلطة رئيس الوزراء مباشرة. واعتبر مقرر اللجنة أن حالة الطوارئ التي فرضت في اعقاب الاعتداءات الإرهابية في 13 نوفمبر في باريس ونشر الجيش لم تكن لهما “سوى فائدة محدودة بالنسبة الى الأمن الوطني”. وشملت عملية سانتينيل ـ الطواريء 10 آلاف رجل وما زالت تضم اليوم بين 6 و7 آلاف جندي، وتساءل عن القيمة الحقيقية التي اضافتها في تأمينالامن في فرنسا.
 
كشف تقرير اخر صادر عن مجلس الشيوخ الفرنسي أن أكثر من (سبعة عشر ألف) شخص يخضعون للمراقبة في البلاد بشبهة الإرهاب. وجاء في التقرير الذي حمل عنوان “السلطات المحلية ومكافحة التطرف” أن الأشخاص الذين تجري مراقبتهم بشبهة الإرهاب، وصل عددهم( 70939) شخصًا بحلول مطلع مارس2017. وأشار التقرير إلى “وجود ( 2064 ) فرنسيًا يقاتلون ضمن صفوف الإرهابيين في سوريا والعراق حاليًا، فضلًا عن( 249 ) شخصًا يعتقد أنهم قتلوا في هذه المناطق”.
 
النتائج
 
ـ جائت العملية بالتزامن مع عقد جلسات محكمة جنايات خاصة بباريس ، بمحاكمة  عشرين شخصا بتهمة الانتماء إلى “أخطر شبكة” “جهادية” في فرنسا، يشتبه بعلاقتها في الهجوم على متجر يهودي عام 2012، وبتخطيطها لتنفيذ اعتداء أثناء الانتخابات الرئاسية. فليس مستبعدا ان يكون المذكور حصل على توجيه من تنظيم داعش لتنفيذ هذه العملية مع توقيت محاكمة الشبكة، والتي تصب في صالح دعاية التنظيم ضمن باب” دعم اعضاء التنظيم”. هذا النوع من العمليات ممكن ان يتكرر.
 
ـ إن مواجهة الارهاب وتحديات المقاتلين الاجانب، لا تقوم على اساس نشر القوات على الارض، بقدر مايعتمد على قاعدة بيانات اجهزة الاستخبارات الفرنسية ومنها الاستخبارات الخارجية المعنية برصد ومتابعة المقاتلين الاجانب من حملة الجنسية الفرنسية ومراقبة حركتهم ودورهم داخل التنظيمات المتطرفة، وذلك بالتنسيق مع الاستخبارات الداخلية.
فرغم حالة الطواريء، والتأهب الامني، مازالت فرنسا تواجه عمليات انتحارية ارهابية من هذا النوع، وبما نوع العمليات انتحارية، فألشرطة تحديدا لايمكنها وقف مثل هذا النوع من العمليات، كونها تحمل عنصر المفاجأة. وهنا يظهر دور الاستخبارات المعلوماتي استباقي بالحصول على انذار مبكر حول الاشخاص الخطرين اللذين ممكن ان ينفذوا عمليات ارهابية.
 
ـ الاخفاق لاتتحمله اجهزة الشرطة الفرنسية، كونها ردت على مصدر اطلاق النار ، لكن الخلل يكمن في اجهزة الاستخبارات الفرنسية، التي لم تستطع تحديد حجم خطورة منفذ العملية، رغم انه معروفا لديها، ومايزيد بالاخفاق الاستخباراتي، انه استخدم “رشاش كلاشنكوف”. ماعدا ذلك ان الاستخبارات الفرنسية، لم تتعامل مع اشارة وردتها من بلجيكا، بان عنصر خطر عبر الاراضي البلجيكية باتجاه فرنسا بواسطة القطار، وفقا للتحقيقات الاولية. هذا الاخفاق لم يكن الاول، فسبق ان اهملت اجهزة الاستخبارات الاوروبية ومنها الفرنسية اشارة من هذا النوع.
ـ مايعزز اخفاق الاستخبارات الفرنسية، انها تفرض حالة الطواريء، وان حدودها مع بلجيكا تحت الرصد والمراقية، عدم التعامل ع هذا النوع من الاشارات ربنا يعود الى مشكلة الموارد البشرية والمالية التي تعاني منها اجهزة الامن والاستخبارات الفرنسية لحد الان، التقديرات تقول بان فرنسا ربما تحتاج الى اكثر من ثلاث سنوات لسد النقص في هذه الموارد.
 
ـ العملية ممكن ان تجير لصالح اليمين المتطرف في الانتحابات الفرنسية العامة.
 
التوصيات
 
ان مواجهة الارهاب، لايتم بفرض حالة الطواريء وحدها، او من خلال عسكرة الامن، بقدر مايعتمد على نظام استخباراتي معلوماتي يقوم بأختصار على قدرة تشخيص التهديدات الداخلية والخارجية، وفرز العناصر الخطرة وتحديد درجة خطورتهم. مواجهة الارهاب ايضا تحتاج الى حزمة اجراءات اخرى، في محاربة التطرف، ومحاربة الدعاية المتطرفة على الانترنيت، واصحاب الفتاوى، هذه الجماعات المتطرفة باتت تراهن على مثل هذه العمليات خاصة في اوروبا وربما في عواصم اخرى، اما خسارة معاقلها في الموصل واربما في الرقة، وتعرضها الى ضربات “عسكرية” شديدة. فمن المتوقع ان يستمر مشهد هذا النوع من العمليات في اوروبا.
 
*باحث في قضايا الإرهاب والإستخبارات
 

ربما يعجبك أيضا