«الإيموجيَّ».. «خيانة» أم مشروع فني جماعي؟

كتبت – علياء عصام الدين

من المتعارف عليه أن الحوار المكتوب يحوي صعوبة في إيصال المشاعر الحقيقية، لاسيما عندما يكون الحوار بين طرفين عبر وسائل التواصل الاجتماعي المتعددة أو الرسائل الإلكترونية أو تطبيقات الدردشة المختلفة.

أصبحنا نستخدم رموز ««emoji في حياتنا اليومية بشكل تلقائي، فمن الصعب أن تجد محادثة واحدة يوميًا في حسابك على تويتر أو فيسبوك دون أن تتضمن أحد هذه الرموز الصغيرة.

جاءت «الوجوه الباسمة» التي تعرف أيضًا بالـ«الإيموجي» لتوفر علينا سيلًا من الكلمات التي تعبر عن مشاعرنا خلال الحديث، فللحب وجه، وللبكاء وجه، وللامتغاض وجه آخر، هذه الصور الـ176 المستوحاة من وجوه الناس بالشارع لم يتكهن صاحبها الياباني شيجيتاكا كوريتا عندما صممها عام 1998 أنها سوف تلقى هذا القبول والرواج الواسع.

في عام 2010، بدأت كل من شركات جوجل، مايكروسوفت، فيسبوك، تويتر بإطلاق إصدارات خاصة بها من الإيموجيات، لكنها اكتسبت وعيًا عالميًا بها في عام 2012 خاصة بعد استخدامها من قبل شركة «آبل».

بيد أن هذه «الإيموجيات» تعدت ذلك الانتشار لتعرض في متحف الفن الحديث بمانهاتن بنيويورك بداية من ديسمبر القادم، لتكون جنبًا إلى جنب مع أعمال بيكاسو وغيره من العظماء، ليصبح كوريتا صاحب أبجدية جديدة في عالم التعبير المصور.

أدى قدم اللغات التعبيرية البصرية إلى اتخاذ المحتوى المصور والأنساق ودمجها داخل النص بعين الاعتبار، فالرموز تعمل كوسيلة للتعبير عن المشاعر والقيم الجمالية وتضفي على النص المكتوب قوة ومعنى، وقد تتحول بذاتها إلى أبجدية.

و«إيموجي» عبارة يابانية مكونة من كلمتين «إي» وتعني صورة و«موجي» تعني رمزًا، وقد جاء أول اعتراف رسمي بهده الوجوه الباسمة من قاموس أكسفورد عام 2015 حين تبنى صورة “الوجه المترقرق بدموع الفرح”، بوصفها كلمة العام، لتصبح هي المرة الأولى التي يعترف فيها قاموس شهير بطريقة الكتابة بالصور بوصفها أفضل كلمة تعكس مزاج الجماعة.

هناك على سبيل المثال كتاب مكتوب بالكامل برموز «الإيموجي»، لا تظهر فيه كلمة واحدة، وهو رواية إنجليزية تحت عنوان «إيموجي ديك».

أدى انتشار الإيموجي إلى الإقبال على كل جديد له علاقة بهذه الرسوم فتم إنشاء شبكة تواصل اجتماعي تعتمد بشكل كلي على “الإيموجي”، وهي شبكة «إيموجلي» وفيها يكون اسم المستخدم عبارة عن وجه تعبيري ولا يتاح فيها استخدام الحروف والأرقام.

في العام الماضي أيضًا أعلنت استديوهات الصورة المتحركة «صوني» أنها ستبدأ باستخدام «الإيموجي» في فيلم سينمائي للصور المتحركة.

وتسارعت وتيرة استخدام نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي للصور التعبيرية بشكل لافت وملحوظ، الأمر الذي دفع البعض إلى اعتبارها «أبجدية» جديدة لا تقل عن اللغات المصورة القديمة، فليست سوى أشكال فنية جديدة تهدف لاستحضار أشكال أكثر قدمًا من الرموز كالهيروغليفية وفن الماغنا الياباني، وبما أنها لاقت قبولًا واسعًا لا نظير له فقد اقتربت من أن تكون مشروعًا فنيًا جماعيًا على الإنترنت.

في المقابل رآى البعض أنها «موضة» ما بعد حداثية، تمنح قيمة زائفة لمجرد «وجوه باسمة»، الأمر الذي عدّه البعض «خيانة» لتاريخ متحف الفن الحديث.

وما بين اتهامات الخواء واللامعنى لتبني متحف الفن الحديث للإيموجيات وتضمينها بداخله، وتفسيرات المعنى بالرجوع إلى الأصل، يبقى الاعتراف واجبًا أنها -الإيموجيات- في أبسط معانيها تكبل القدرة اللغوية للأفراد، وتعكس “كسلًا” لغويًا في التعبير عن المشاعر يعكس بدوره تسطيحًا للعواطف ذاتها.

فمن أبيات الشعر والغزل القديمة المطولة التي يكابد فيها المحب مرارة العشق إلى مجرد “وجه تعبيري” يحمل قلوبًا مسافة طويلة كتلك التي بين الأرض والشمس. 

 

ربما يعجبك أيضا