يوم أن قتلوا الغناء.. الموت من أجل فكرة!

أماني ربيع

شب “إريوس” الذي قام بدوره الممثل “طارق صبري” قويًا قاسيًا لايبكي، يقتل كل من تسول نفسه الغناء والحب في مملكة “سيلبا” بعد أن أقنعه الأخير بأنه يد الإله على الأرض.

إريوس الحزين يبحث في أعماقه دائمًا عن ذلك الصوت الذي يصدح في ذهنه مغنيًا “في الصباح الشمس تشرق” هذا اللحن ليس غريبًا على أذنه، لكنه يغالب شعوره وينتصر لشرارة التعصب التي زرعها فيه سيلبا وإلهه المصطنع، فالغناء ممنوع والحب ممنوع والرقص ممنوع.

ها هو “إريوس” يقف خائفًا تائهًا تحوم من حوله أرواح من قتلهم بدم بارد، لكنهم لا يريدون الانتقام بل يريدون إطلاعه على الحقيقة، حقيقة الحياة، حقيقة الوجود.

لم يعرف “إريوس” يوما الحب فهو قاتل منبوذ لا يحبه أحد، لكن “مدى” احتضنه بعطف وبقوة بين ذراعيه ليشعره بالأمان يشعره بمعنى كونه إنسانًا يخطئ ويصيب، يحيا ويجرب كل أضداد الحياة.

إن الفكرة لا تموت ولا تُسجن، وتظل حية وتولد أفكارًا، ومن وحي صوت الناي العذب يغني الشباب وتنبت فكرة المقاومة وتكبر بحلم بناء السفينة، سفينة النجاة التي تنتظر لحظة الطوفان، وهي لحظة المعجزة التي لا يمكن أن يستوعبها إلا عقل حالم مؤمن بفكرته وبقدرتها على التحقق مهما طال الزمن.

رسائل سياسية وفلسفية وفكرية عميقة اجتهد صناع مسرحية “يوم أن قتلوا الغناء ” في نقلها للمشاهد بحب واتقان في سيفمونية إبداعية رقيقة تلامس شغاف القلب والروح.

الفن في مواجهة التطرف

“قد يُغرق الإنسان نفسه من غير أن يكون هناك بحر” هكذا قال “مدى” لأريوس بعد أن لمس في عينيه حزنًا دفينًا اكتشف معه أنه تربى على معتقدات رسخًت في عقله التطرف والإرهاب باسم “الإله”،  تلك المعضلة التي تواجه الإنسانية جمعاء، الفكر المتطرف الذي لا يرتكن على حقيقة سوى وهم صاحبها بأنه يد الله على الأرض، وما يسببه ذلك من دمار وخراب وتشويه للنفس الإنسانية.

لقد اكتشف مخرج العرض ” تامر كرم” أن موجات الإرهاب المتعاقبة والفكر المتطرف لايمكن مواجهتها سوى بالفن والتنوير، إن البحث عن الطمأنينة وتجاوز صدمات الحياة تتطلب روحًا قوية مؤمنة بالحياة والحب والغناء والرقص، لا بالقتل والخوف وسفك الدماء.

ليس من اليسير تناول الطقوس الدينية والمعتقدات دون المساس بها بهذه السلاسة الفنية التي قدمها مخرج العرض الذي ارتأى أن يخاطروا في سبيل “الفكرة” .

فريق عمل متكامل اجتهد ليخرج مضمونًا ثريًا منوعًا مشوقًا منذ المشهد الأول وحتى مشهد النهاية في أداء تعبيري جماعي إحترافي.

“يوم أن قتلوا الغناء” مسرحية  عالية الجودة بامتياز وهي من بطولة  علاء قوقة ، ياسر صادق ، حمادة شوشة، طارق صبرى، هند عبد الحليم، محمد ناصر، وقام بالأداء الصوتي لها المبدع نبيل الحلفاوي والنص من تأليف محمود جمال.

مسرحية تعبر عن أحلامنا التي تنتظر على عتبات الأمل ومستقبلنا المرهون تحت وطأة الخوف والوجع.

نعم قتل إريوس “مدى” بأمر من “سيلبا” الشرير، لكن “مدى” لايموت إنه الطيف والفكرة التي تنمو وتنتشر إنها “الطليعة” الثورية التي تنبض بداخل كل فرد يحب الحياة وينبذ العنف والتطرف إن هذه الطلائع هي وحدها التي تملك الخلاص.

ويظل صدى الغناء يتردد في الأنحاء ويتغلغل في الرأس وفي الروح ليرافق مشاهد العرض حتى باب المسرح ” و إن قتلونا فما أجمل أن يموت الإنسان من أجل فكرة” .

كتبت – علياء عصام الدين
“في الصباح الشمس تشرق/ ومعها دفء ونور /والطيور تغني وتفرح /تعزف لنا لحن الزهور”

هكذا غنًت مع طفلها الصغير “إريوس” وكان مصيرها الموت، فالغناء ممنوع في مملكة “سيلبا”، الذي توهم من حكمة رمى بها أحد قطاع الطرق إلهًا قاسيًا شريرًا لا يحب الغناء ويمنع الفرح والحب.

 بنى “سيلبا” مملكته على أنقاض أحلام سكانها، فدأب على قتل كل صوت وكل فكرة، فلا صوت يعلو فوق صوت السيف الذي يأخذ تعاليمه من صوت “الإله” الوهمي الذي لاصوت له!.

نعم إن «الدفء يأتي من شدة البرد، والبرد موجود في قلب النار» لكنه ليس دفء إله “سيلبا” الشرير بل ذلك الإله المُحب الذي يداوي الجروح، إله أخاه “مدى” صاحب الناي.

ربما يعجبك أيضا