كيف أصبح الدين معيار الهوية عند الشباب في ألمانيا؟

جاسم محمد

رؤية ـ جاسم محمد

برلين – تشهد سياسات ألمانيا تغيرا كبيرا في مساراتها، إزاء قضايا الهجرة واللجوء، والجاليات المسلمة والأجانب، ذلك بإصدار قوانين واتخاذ اجراءات جديدة تنعكس سلبا على الجاليات المسلمة تحديدا.

ويظهر مسار السياسة الألمانية  أكثر مع قرب الانتخابات العامة المقررة في شهر سبتمبر 2017. وربما كان حزب المستشارة الألمانية ميركل ” الحزب المسيحي الديمقراطي” أكثر تشددا، إلى أن يصل الحد بوزير الداخلية “دي ميزر” أن يدلو بدلوه في صحيفة “بيلد أم زونتاغ” حول الحجاب و”ريادة الثقافة الألمانية” وهي سابقة لم  تعهدها ألمانيا، وكانها تنزلق نحو اليمين المتطرف.

كتب وزير الداخلية الألماني “توماس دي ميزير” مقال نشره في صحيفة “بيلد أم زونتاغ” الألمانية يوم 30 أبريل  حول 2017 موضع اندماج المهاجرين والثقافة السائدة في ألمانيا. أعرب دي ميزير في مقاله عن رأيه ووجهة نظره حول الثقافة السائدة في ألمانيا والتي يمكن أن تكون عادات اجتماعية، وحدد ملامحها في عشر نقاط. ومنها أن المرء يسلم على الآخر في ألمانيا بالمصافحة باليد ويكشف عن وجهه ويذكر اسمه. مقال وزير الداخلية الالماني يعكس مخاوف اوروبا المفرطة من الاجانب والمسلمين “الاسلامفوبيا”على مستوى الشارع والطبقة السياسية، وتصاعدت هذه المخاوف في اعقاب تصاعد العمليات الارهابية في اوروبا خلال منذ عام 2015.

البحث عن الهوية عند الشباب

الجماعت الإسلاموية يزداد خطرها في ألمانيا، وهذا كان موضوع ندوة حوار “فرانكفورت” حول كيفية الحيلولة دون وقوع الشباب المسلم في براثن التطرف وشباك التيارات المتطرفة، وتخفيف هاجس الالمان من المسلمين والاجانب، وتجنب صناعة الكراهية.

الخبيرة الالمانية شروتر، تقول، أن الدين أصبح “يشكل معيارا للهوية عند الشباب في وقتنا الحاضر ودفع بالهوية العرقية إلى التراجع أمامه”. وأضافت شروتر أن الشروط والقوانين الدينية أصبحت أكثر تشددا. ولذلك ينشغل الكثير من الشباب المسلم في ألمانيا بالتفكير يوميا قبل أداء عمل ما والتساؤل عما إذا كان عمل هذا الشيء حلال أم حرام.

لقد شهدت دول اوروبا بالفعل صعود التيارات الاسلاموية المتطرفة منها السلفية “الجهادية” والتي اسائت كثيرا الى الاسلام، ودفعت اليمين المتطرف في اوروبا الى الصعود وخلقت”صناعة الكراهية عند الغرب لتتحول الى “فوبيا” في مواقفها تجاه المسلمين والاسلام.وقامت الجماعة السلفية المتطرفة، بأنشطة “دعوية” واسعة

الخطاب المتطرف داخل المساجد

وكان للخطاب المتطرف داخل المساجد وقاعات الصلاة احد دواعي تلك المخاوف، بالاضافة الى دعاية الجماعات المتطرفة على الانترنيت، التي تحولت الى ذراع لأستقطاب الشباب نحو التطرف. وهذا ماوسع الفجوة مابين المجتمعات الاوروبية  والمجتمعات الاسلامية والعربية داخل اوروبا ، بسبب عدم تفاعل أئمة المساجد مع الراي العام. ويبقى عامل تحدث اللغة الاجنبية ، واحد من ابرز العوامل لتوسيع الفجوة مابين ائمة المساجد، وهذا يزيد تلك المخاوف بسبب عدم فهم ذلك الخطاب.

الجماعة المتطرفة تعد “الجهاد” على الانترنيت دعامة رئيسة في تركيبة وعمل التنظيم إلى جانب “الجهاد” على الأرض. التنظيم يعطي أهمية للنشاط على شبكة الانترنيت. اعتمد داعش كثيرا على الدعاية المتطرفة، بأنتاج اشرطة الفديو والدعاية بنوعية ومهنية للترويج لمبادئه. لذا فهو يعتبر الانترنيت احد نوافذ التنظيم وعالمه الافتراضي للوصول إلى أنصاره من الشباب، لذا فهو يعول كثيرا على ذلك. وإلى جانب”الهاشتاغات” و”تويتر” يصدر التنظيم مقاطع فيديو ترويجية تطلب من أنصاره نشر رسائل، وصور، ومقاطع فيديو على تويتر، و”إنستغرام”، و”يوتيوب” لدعم التنظبم.

مواجهة تهديدات الجماعات المتطرفة

ومن اجل مواجهة تهديدات الجماعات المتطرفة، تبذل دول الاتحاد الأوروبي جهودا حثيثة لتقوية جبهتها الداخلية لمواجهة الإرهاب بأتخاذ سياسات أمنية جديدة تتضمن بعضها تبادل المعلومات مع دول المنطقة. تسعى المفوضية الاوربية الى تعزيز عملية جمع وتبادل المعلومات داخل الاتحاد الأوروبي لكنها تصطدم بتحفظات النواب الأوروبيين.

وضربت نشاطات الجماعات المتطرفة في المانيا، حياة الجاليات العربية والأسلامية واضرت مباشرة بحياتهم اليومية وتقليص فرصهم بالحصول على عمل. هذه النتائج تاتي بسبب، ممارسات الجماعات الإسلامية، ألراديكالية بمختلف انواعها. تقارير منظمات اممية، اكدت بان سياسات اوربا في مكافحة ارهاب، وانعكاساتها على الحريات الفردية خاصة للمهاجرين والجاليات. الصلاحيات الجديدة تستهدف، على وجه الخصوص، المهاجرين واللاجئين، والأقليات من خلال التنميط العرقي لهم، والاعتماد على الأنماط السلبية السائدة، وبما يفضي إلى تعمد إساءة تطبيق القوانين التي تعرف الإرهاب على نحو غير محكم.
هذه الجهود من شأنها ان تصعد عمليات الاندماج والتكامل الاجتماعي للاجانب والمسلمين داخل المانيا، وتكسر عزلتهم. فمازالت غالبية الاقليات هنا في الماني اتعيش حالة الانطواء، لها جمعياتها ومساجدها ومحلات تسوقها، ومنتدياتها، وحتى احياء خاصة لسكن”المهاجرين” رغم عيشهم في اوروبا عبر عقود، وهذا مأخذ تتحمله الجاليات الى جانب الحكومات بسبب نقص السياسات الحكومية ايضا بالانفتاح على الجاليات.

السياسات الجديدة ، ينبغي ان تضع في حساباتها سياسة الاندماج والتكامل الاجتماعي بعيدا عن التهميش والاقصاء. أعترافات اللذين التحقوا بالجماعات  المتطرفة، بان بعضها كان بسبب سياسة التهميش وربما فقدان الهوية.  شهادات بعض الشباب كشفت، بأنهم وجدوا في هذه الجماعات “خلاص” ووسيلة للثأر من سوء السياسات والتميز. سياسات الامن وسياسات القمع لوحدها لايمكن ان تعالج الارهاب من دون حلول جذرية بضمنها المواجهات الفكرية.

ماتحتاجه المانيا واوروبا  هو تعزيز الخطاب الديني المعتدل، ومد الجسور مع المراكز والجامعات الاسلامية المعروفة في المنطقة والتعاون مع الجمعيات الٍإسلامية المعترف بها والمعروفة باعتدال خطابها الديني لتعزيز صورة الإسلام الحقيقية، ووقف انزلاق الشباب لللالتحاق بالجماعات المتطرفة.

*باحث في قضايا الإرهاب والإستخبارات

ربما يعجبك أيضا