اليمين المتطرف الأوروبي يدفع ثمن خطابه العنصري

محمود سعيد

رؤية – محمود سعيد

“لوبان لا نحبك”، “لا للجبهة الوطنية”، “متحدون من أجل المساواة، ضد الجبهة الوطنية”، “حرية، مساواة، أخوة، لا نجازف باللعب بالروليت الروسية (لعبة الحظ المميتة)”.

هكذا كانت شعارات ملايين الفرنسيين الذي أدلوا باصواتهم في صناديق الانتخابات، وفي المظاهرات الحاشدة التي نظموها قبيل الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية الفرنسية.

وقد منيت الشعبوية و”اليمين المتطرف” بهزيمة فادحة، أعادته إلى حجمه الطبيعي، رغم الأموال والدعم الذي تلقاه من مصادر عدة.

اليمين المتطرف

اليمين المتطرف مصطلح سياسي يطلق على التيارات والأحزاب السياسية لوصف موقعها ضمن محيطها السياسي ويطلق المراقبون السياسيون هذا المصطلح على الكتل الأحزاب السياسية التي لا يمكن اعتبارها من ضمن جماعات اليمين السياسية التقليدية التي تدعو إلى حماية التقاليد والأعراف داخل المجتمع ويكمن الاختلاف الوحيد بين جماعات اليمين التقليدية أو المعتدلة وبين المتطرفة أن الأخيرة تدعو إلى التدخل القسري واستخدام العنف واستعمال السلاح لفرض التقاليد والقيم ولذلك عادة ما ترفض تلك التيارات هذا النعت لأنها تزعم أنها تمثل الاتجاه العام وتنقل صوت الأغلبية.

أما اليمين المتطرف في فرنسا، فهو ممثل بحزب الجبهة الوطنية ذو الإتجاه المعادي للمهاجرين وكل ما لا يدعم الثقافة العامة الفرنسية. وقد شكل الحزب قائده السابق جان ماري لوبان وهو الذي احتل المرتبة الثانية في الانتخابات الفرنسية مع الرئيس السابق جاك شيراك، ويترأس الحزب اليوم مارين لوبان التي نافست “ماكرون” في الانتخابات الرئاسية الفرنسية.

عنصرية لوبان

البرنامج الانتخابي لمارين لوبان ، كان يشمل حزمة من الإجراءات العنصرية المتطرفة، حيث قالت أنها ستغلق المساجد وتطرد المسلمين وتوقف تدفق المهاجرين إلى فرنسا ، وهي لا تقود فقط لواء حزبها المتطرف ووإنما كذلك كل المنظمات الداعية لعداء الاجانب والمنحدرين من الثقافات الإسلامية والشرق أوسطية” “مثال: النازيين الجدد”.
وكانت لوبان (48 عاما) تأمل في أن تكون أول رئيسة لفرنسا، لتنفذ أهدافها في غلق الحدود وتشديد الأمن ومناهضة الهجرة وحماية العمال مما تصفه بالعولمة المتوحشة وسياسات الاتحاد الأوروبي.

خسارة مذلة

سجلت خسارة، مارين لوبان، في انتخابات الرئاسة الفرنسية فشلا جديدا لليمين المتطرف، وذلك بعد أن فشل والدها سابقا في انتخابات الرئاسة في عام 2002.

وقالت صحيفة “نيويورك تايمز” إن الانتصار الكاسح للوسطى ماكرون يعكس حجم الغضب الغربى تجاه الشعبوية، ووضع نهاية لصعوده بالغرب، فى إشارة لهزيمة اليمينية المتشددة مارين لوبان.

وأعلنت الداخلية الفرنسية، النتائج النهائية بانتخابات الرئاسة بفوز ماكرون بنسبة 66.1% من الأصوات “20.7 مليون صوتاً” بعد فرز جميع صناديق الاقتراع، وحصول مرشحة حزب الجبهة القومية لوبان حصلت على نسبة 33.9% من الأصوات “10.6% مليون صوتاً”.
خلافات لوبان مع والدها

وقد شن زعيم اليمين المتطرف السابق جان لوبان قبيل الانتخابات هجوما على ابنته مارين، قائلا إنها غير مؤهلة لدخول الإليزيه، وأضاف لصحيفة “صنداى تايمز”، البريطانية، أنه رغم أن ابنته تتمتع بشخصية قوية لكن هذا ليس كل شىء، فلابد من مؤهلات أخرى لتكون رئيسا لفرنسا، وقالت الصحيفة إن لوبان الأب يشعر بالمرارة بسبب قيام ابنته بطرده من حزب الجبهة الوطنية، بسبب توجهاته المعادية للسامية.

ترحيب إسلامي

رحبت منظمات إسلامية في فرنسا بفوز إيمانويل ماكرون، وأعرب أنور كبيبش، رئيس المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، عن تهانيه للرئيس الفرنسي الجديد، قائلا “انتخاب ماكرون يَعد بمستقبل يتسم بالأخوة والتضامن لفرنسا”.
كما هنأ دليل بوبكر، عميد مسجد باريس، الرئيس الجديد، واعتبر، أن “نتيجة الانتخابات تعد ردًا على الذين يسعون لزرع بذور التفرقة بين أبناء الشعب الفرنسي، وهو يمثل أملًا لمسلمي فرنسا”، من جهته أعرب عميد مسجد ليون، كامل قبطان، ، أن “الناخبين الفرنسيين أظهروا إدراكهم للبعد الخطير للخطابات اليمينية المتطرفة والإقصائية”، وأضاف أن “مسلمي فرنسا أيضًا شاركوا بهذا الفوز من خلال التصويت لماكرون”، معربا عن “أمله في أن ينتهج الرئيس سياسة توحد كل من يعيش في فرنسا بغض النظر عن أصله ودينه”.

مرصد الإسلاموفوبيا

قال مرصد الإسلاموفوبيا: إن مواقف ماكرون من قضايا المسلمين في فرنسا تعد جيدة وحيادية، وتشجع الأطراف والمؤسسات الإسلامية الفرنسية على التعاطي الإيجابي والفعال مع الرئيس الجديد بقصر الإليزيه، وطرحِ كافة الموضوعات والقضايا الإسلامية للنقاش والتفاعل، خاصة أن الرئيس الفرنسي الجديد سبق له أن أعلن عن مواقفه الإيجابية تجاه قضايا المسلمين، وما يتعرضون له من تمييز سلبي بسبب معتقدهم؛ فقد سبق لماكرون أثناء حملته الانتخابية أن أعلن أنه لن يقبل أن يتعرض الفرنسيون المسلمون إلى إهانات بسبب دينهم، وفي أكتوبر 2016، قال ماكرون: “إن فرنسا ارتكبت أخطاء في بعض الأحيان باستهدافها المسلمين بشكل غير عادل”، مشيرًا إلى أن بلاده يمكن أن تكون أقل صرامة في تطبيق قواعدها بشأن العلمانية.

استراتيجية المواجهة

يقول المفكر والفيلسوف الفرنسي روجيه جارودي: “أعطى الغرب الاستعماري، منذ خمسة قرون مثال التطرف الأكثر فتكا، وهو الادعاء بامتلاك الثقافة الوحيدة الحقيقية -الدين العالمي الوحيد، نموذج التنمية الوحيد، مع نفي أو تدمير الثقافات الأخرى والديانات الأخرى والنماذج الأخرى للتنمية، في حين أظهر الإسلام شمولية كبرى عن استيعابه لسائر الشعوب ذات الديانات المختلفة، فقد كان أكثر الأديان شمولية في استقباله للناس الذين يؤمنون بالتوحيد وكان في قبوله لأتباع هذه الديانات في داره منفتحًا على ثقافاتهم وحضاراتهم والمثير للدهشة أنه في إطار توجهات الإسلام استطاع العرب آنذاك ليس فقط إعطاء إمكانية تعايش وتمازج لهذه الحضارات، بل أيضًا إعطاء زخم قوي للإيمان الجديد: الإسلام. فقد تمكن المسلمون في ذلك الوقت من تقبل معظم الحضارات والثقافات الكبرى في الشرق وأفريقيا والغرب وكانت هذه قوة كبيرة وعظيمة له، وأعتقد أن هذا الانفتاح هو الذي جعل الإسلام قويًّا ومنيعًا”.

ويقول المفكر نبيل شبيب، إن العداء للإسلام انتقل بصورة شاملة منذ مطلع التسعينيات الميلادية من فئة المستشرقين فيما مضى، ومن مستوى الكتب المدرسية والكنسية ووسائل الإعلام والترفيه، إلى أعلى أجهزة صناعة القرار الغربي في القطاعات الأمنية والسياسية والفكرية، كما هو معروف شعار “صراع الحضارات”. وربما ما هو غير معروف عموما عن شعار “الإسلام عدو بديل”، فقد ورد لأول مرة على لسان نائب الرئيس الأميركي السابق) ديك تشيني في المؤتمر العالمي السنوي للشؤون الأمنية في ميونيخ، ثمّ كان التحوّل لاحقا إلى “مكافحة الأصولية” لتجنب كلمة “الإسلام” داخل لقاءات القمم الأطلسية في روما وبروكسل، وهذا ما أوصل في خاتمة المطاف إلى عنوان “الحرب ضدّ الإرهاب” في قمّة واشنطن الأطلسية وقبل تحوّله إلى ممارسة الحرب مباشرة من بعد. لقد كان جميع ذلك على أعلى المستويات واقترن بتحركات عملية من مستوى تبديل المهام الرئيسية لحلف شمال الأطلسي، وتشكيل قوات التدخل السريع وبحيث تستهدف جغرافيا “هلال الأزمات” ما بين المغرب وإندونيسيا، وقد ربط ذلك وأمثاله بتحديد المهام الدفاعية وصيغ التدريب العسكري في وزارات الدفاع الوطنية.

لابد للمسلمين في أوروبا من استراتيجية لمواجهة هذا الفكر اليميني المتطرف، وشمولية الإسلام تتيح لهم أن يتصدوا بهذا الفكر المتطرف، وأن يخاطبوا الشعوب الغربية باللغة التي يفهمونها

   

ربما يعجبك أيضا