حماس وعباس.. سباق على كسب ود ترامب

محمود

رؤية – محمد عبد الكريم

رام الله – كحال العديد من العواصم العربية، التي سارعت الى  واشنطن عقب وصول ترامب الى سدة الرئاسة في ظل الاستقطاب في المنطقة بين اميركا وروسيا، فقد شهدت الساحة الفلسطينية ايضا سباق طرفي الانقسام (فتح وحماس) الى كسب ود ساكن البيت الابيض الجديد.

المتناحران (فتح وحماس) حزبيا والمنقسمان وطنيا على الاقل منذ صيف عام 2007 (انقلاب حماس في غزة) ونشوء سلطتين الاولى في غزة والثانية في الضفة، لم يتفقا منذ ذلك الحين على شيء كما يتفقا اليوم على على أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب لديه الإرادة والجرأة لتحقيق اختراق ما في موضوع الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي.

الرئيس الفلسطيني محمود عباس عبّر عن ذلك من البيت الأبيض إثر لقائه ترامب قائلاً له: “لديكم الإرادة والرغبة لتحقيق هذا النجاح، وسنكون شركاء حقيقيين لكم لتحقيق معاهدة سلام تاريخية”.

في المقابل، دعا خالد مشعل رئيس المكتب السياسي السابق لحركة حماس، دعا ترامب إلى “التقاط الفرصة” لإعطاء دفع جديد لعملية التسوية والتوصّل إلى “حل مُنصف” للفلسطينيين. وقال، في مقابلة مع شبكة “سي أن أن” من العاصمة القطرية الدوحة، إن ترامب يملك “جرأة التغيير” ولديه جرأة تفوق الإدارات الأميركية السابقة.

ورأى مشعل أن ما ورد في وثيقة حماس الجديدة التي أعلنت أمس، “يكفي لأي منصف في العالم وخاصة في العواصم الدولية لأن يلتقط الفرصة ويتعامل بجدّية مع حماس والفلسطينيين والعرب”.

وتؤكّد الوثيقة قبول حماس بدولة فلسطينية مستقلّة ضمن حدود 1967.

إعلان “حماس” في الوثيقة قبولها بدولة فلسطينية على جزء من أراضي فلسطين المحتلة، بدا كخطوة تنازلية. لكنها لم تصل إلى حد القبول بالاعتراف بإسرائيل أو التخلّي عن فكرة تحرير فلسطين من البحر إلى النهر، نظرياً على الأقل.

لكن مشعل عندما سُئِل في مقابلة “سي أن أن” عن مسألة الاعتراف بإسرائيل، قال “إن إسرائيل لا تعترف بالحقوق الفلسطينية، وحين يملك الفلسطينيون سيادتهم في دولة حرّة يمكنهم الاختيار من دون ضغط خارجي”.

إجابة مشعل تتضمّن الهروب من السؤال، لكنه هروب إلى الأمام فاتحاً الطريق نحو احتمال اعتراف مستقبلي في حال حصل الفلسطينيون على حقوقهم المتمثّلة في دولة حرة.

لكن عباس، الذي أكّد تمسّكه بحل الدولتين، قال مخاطباً الرئيس الأميركي “سنكون شركاء حقيقيين لكم لتحقيق معاهدة سلام تاريخية.. نحن الشعب الوحيد الذي بقي في هذا العالم تحت الاحتلال، ويجب أن تعترف إسرائيل بدولة فلسطين كما نحن نعترف بدولة اسرائيل”.

من جهته، بدا ترامب متفائلاً وأعرب عن ثقته بإمكان التوصّل إلى اتفاق سلام بين إسرائيل والفلسطينيين. وقال إثر اجتماعه بعباس في المكتب البيضوي “نريد إرساء السلام بين إسرائيل والفلسطينيين وسنحقّق ذلك”. ورأى أن الفشل المُتكرّر في الماضي في عملية التسوية لا يعني بالضرورة أن المهمة مستحيلة. وقال: “في حياتي، سمعت دائماً أن الاتفاق الأصعب الذي يمكن التوصّل إليه هو على الأرجح بين الإسرائيليين والفلسطينيين. لنرَ اذا كنا قادرين على تكذيب هذا التأكيد”.

لكن ترامب تبنّى المقولة الإسرائيلية لقوله إنه “لا يمكن أن يكون هناك سلام دائم إذا لم يُجمع القادة الفلسطينيون على إدانة الدعوات إلى العنف والكره”، في إشارة إلى فصائل المقاومة الفلسطينية ونضالات الشعب الأعزل في مواجهة جيش الاحتلال ومستوطنيه في الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزّة.

الرئيس الفلسطيني أوضح في المقابل أن الحلّ القائم على أساس الدولتين “سيساعد على مُحاربة الإرهاب”، مُضيفاً أن الخيار الاستراتيجي للفلسطينيين هو “تحقيق سلام يقوم على حل الدولتين على أساس حدود 1967″، وأن جميع قضايا الوضع النهائي “قابلة للحلّ بما يشمل اللاجئين والأسرى وفق الاتفاقيات الدولية”.

توحي تصريحات ترامب وعباس ومشعل، وقبلها تصريحات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والعاهل الأردني عبدالله الثاني بعد لقائيهما بالرئيس الأميركي، بأن ثمة مبادرة أميركية جدّية لإنجاز اتفاق تسوية فلسطيني – إسرائيلي جديد تقوم على أساس حل الدولتين، من دون توضيح الرؤية الأميركية للحل النهائي، وبخاصة مسائل اللاجئين الفلسطينيين ومصير القدس الشرقية ومصير المستوطنات في الضفة الغربية والجدار العازل، وغور الأردن، وحدود الدولة الفلسطينية وطبيعة سيادتها وعلاقتها بدولة الاحتلال الإسرائيلي.

ولا شكّ أن حركة حماس، قد استبقت لقاء ترامب – عباس، لإعلان وثيقتها الجديدة لتقول لسيّد البيت الأبيض بأنها مستعدّة لتقديم تنازلات والقبول بحل سياسي ما، في مقابل دولة فلسطينية مستقلة في حدود العام 1967، أي الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزّة.

فقد جاء في الوثيقة: “لا تنازلَ عن أيّ جزء من أرض فلسطين، مهما كانت الأسباب والظروف والضغوط، ومهما طال الاحتلال، وترفض حماس أي بديلٍ عن تحرير فلسطين تحريراً كاملاً، من نهرها إلى بحرها”. وأضاف البند 20 من الوثيقة “ومع ذلك – وبما لا يعني إطلاقاً الاعتراف بالكيان الصهيوني، ولا التنازل عن أيٍّ من الحقوق الفلسطينية – فإنّ حماس تعتبر أنّ إقامة دولة فلسطينية مستقلّة كاملة السيادة، وعاصمتها القدس، على خطوط الرابع من حزيران/ يونيو 1967، مع عودة اللاجئين والنازحين إلى منازلهم التي أُخرجوا منها، هي صيغة توافقية وطنية مشتركة”. كما أشارت الوثيقة إلى أنّ “المقاومة المسلّحة (…) تُعدُّ الخيارَ الاستراتيجي لحماية الثوابت واسترداد حقوق الشعب الفلسطيني”.

وبرغم حفاظ “حماس” نظرياً على ثوابتها، إلا أنها عملياً تتبنّى الحل المرحلي الذي تبنّته منظمة التحرير الفلسطينية في العام 1974، والذي مهّد لتنازلات تدريجية أوصلت المنظمة وزعيمها ياسر عرفات إلى توقيع اتفاقات أوسلو عام 1993 وما بعدها من اتفاقات، قضت على الانتفاضة الفلسطينية ومزّقت أوصال الضفة الغربية، وقسّمتها بجدار عازل، وعزلت الضفة عن قطاع غزّة، وأسفرت عن انقسام الشعب الفلسطيني بين حكومتين، فضلاً عن تغوّل الاستيطان في القدس الشرقية وبقية الضفة.

وبعيداً عن خطاب التخوين والتشكيك بنوايا حماس وخلفيّات إعلان الوثيقة، يمكن تلمّس محاولة من حركة المقاومة الإسلامية، للخروج من عزلتها العربية والدولية، عبر إعلان فك ارتباطها بحركة الإخوان المسلمين لطمأنة الجارة الكبرى مصر ودول الخليج العربية من جهة، وعبر إعلان قبولها بدولة ضمن حدود الـ1967 وفق القرارات الدولية ونتيجة للاتفاقات التي وقّعتها منظمة التحرير. وتعرف قيادة “حماس” أن إسرائيل ومن خلفها أميركا لن تقبلا بتنازلات “حماس” الشكلية وسوف تطالبان بتنازلات أعمق وأشدّ إيلاماً، تتمحور حول الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية، والتخلّي عن نهج مقاومة الاحتلال عسكرياً، الذي تعرّفه إسرائيل وحلفاؤها الغربيون بالإرهاب.

وقد رأينا كيف سارع مكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو لوصف وثيقة حماس بأنها “كاذبة”، فيما قال المتحدّث باسم نتانياهو ديفيد كيس في بيان، “إنّهم(أي حماس) يحفرون الأنفاق للقيام بأعمال إرهابية ويطلقون آلاف وآلاف الصواريخ على المدنيين الإسرائييين”.

ربما يعجبك أيضا