«طفل الجيوبوليتيك» وروح العصر الحديث

كتبت – علياء عصام الدين

لوحة «طفل الجيوبوليتيك يراقب ولادة الإنسان الجديد» للفنان الإسباني سلفـادور دالــي  إحدى أشهر اللوحات العالمية.

رسم دالي اللوحة التي تميل إلى السيريالية عام  1943 في نيويورك ولمفردة الجيوبوليتيك في عنوان اللوحة دلالة خاصة فهي تشير إلى النزعة الاستعمارية وإرادة الهيمنة السياسية والعسكرية.

وتصور اللوحة بيضة ضخمة على شكل الكرة الإرضية وينبثق منها طفل هو في الواقع أقرب إلى أن يكون “رجلًا” يحاول الخروج من باطن هذه الكرة بعنف وكأنه في صراع تاركًا وراءه خيطًا سميكًا من الدماء النازفة.

والرجل يطبق بقبضته في الخارطة المرسومة على البيضة على قارة “أوروبا” وبالأخص “إنجلترا”، ولهذا دلالة عند “دالي”، فقد حاول أن يعبر عن وجهة نظر سياسية تجاه صعود نجم أمريكا بعد انتصارها في الحرب العالمية الثانية.

على يمين اللوحة تقف امرأة تشير بيدها إلى الحدث العظيم، وترمز إلى الأم أو الأرض التي تقف لتراقب ما يجري وهي لا تستطيع أن تتدخل في المشهد، إلى جانبها طفل يراقب المشهد في ذهول واستغراب، يتشبث بساقيها، والطفل هنا أراد به دالي الإشارة إلى الجماعات الإنسانية والثقافات التي تتمسك بالأرض خوفَا مما قد يحمله المستقبل من مخاطر نتيجة ولادة الطفل العنيف.

لذا نجد دلالة واضحة على أن ظل الطفل في اللوحة تجاوز ظل المرأة، فهي لن تحرك ساكنًا بينما الطفل الذي يرمز إلى الجماعات يبدو أنه على استعداد للنضال أمام الوحش المقبل.

نجح دالي في تصوير عملية الولادة المتعسرة والشراسة التي يبديها الطفل في سعيه للخروج، وكأنه لا يأبه لتمزيق العالم أجمع.

لقد أن توجس دالي مبكرًا من صعود أمريكا كقوة عظمى جديدة وكأنه يستشرف المستقبل.

ويرمز الدم في اللوحة إلى ويلات الحروب التي عززت مكان الولايات المتحدة وصعدت على أعقابها، والقبضة المطبقة على أوروبا تشير إلى هيمنة كبيرة للوليد الجديد في المستقبل على حلفاء اليوم.

قام دالي ايضًا بتضخيم متعمد لقارة أفريقيا في إشارة إلى دورها المتنامي الذي ستلعبه دول العالم الثالث في السياسة الدولية في المستقبل.

لقد كان لحادث إسقاط أمريكا القنابل النووية على اليابان أثرًا في نفس سلفادور، دفعه لاستكشاف طرق وأساليب فنية جديدة لتصوير المستقبل.
تثير لوحة “طفل الجيوبوليتك” التفكير والتأمل، وهي تحتمل أكثر من معنى، حسب ذوق المتلقي.

ذهب البعض إلى تفسير الرجل الخارج من البيضة على أنه روح العصر الجديد أو الإنسان الجديد في عصر التقنية والسرعة والتقدم، لقد بشر الفلاسفة بقرب ولادة الإنسان الحديث، الذي سينبثق من رماد الحرب ليتولى مسؤولية العالم فيصلح أوضاعه ويرمم العلاقات بين أطرافه المتنافرة وصولًا إلى مرحلة السلام الدائم والاستقرار.
 

ربما يعجبك أيضا