“حزام واحد – طريق واحد”.. عولمة بمواصفات صينية

حسام عيد – محلل اقتصادي

مضت الصين خطوة جديدة على طريق ربط ثلاث قارات “آسيا وأوروبا وإفريقيا”، خلال مبادرة “حزام واحد – طريق واحد”، التي تهدف إلى إعادة إحياء مشروع طريق الحرير القديم، الذي سطر العصر الذهبي للصين منذ أكثر من ألف عام مضى.

وفي قمة حول “طرق الحرير الجديد” لتعزيز مشروعها الهائل للبنية التحتية التجارية العالمية، وقيادة حقبة جديدة من العولمة مع تحول واشنطن لتبني سياسات حمائية، استضافت بكين قادة 29 بلدًا، على رأسهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والتركي رجب طيب أردوغان، إضافة إلى رئيسا الحكومة الإسباني ماريانو راخوي، والمجري فيكتور أوربان، والإيطالي باولو جنتيلوني، واليوناني ألكسيس تسيبراس.

وتغطي المبادرة نحو 65 بلدا تمثل 60% من سكان العالم، وقد خصص بنك التنمية الصيني 890 مليار دولار لنحو 900 مشروع.

ويعتبر الحزام والطريق حلا عمليا لتخفيف الطاقة الصناعية المفرطة في الصين، ولكنه يمكن أن يخدم أيضا طموحات بكين الجيوسياسية.

وفي التقرير التالي سنعرض أهداف وغايات الصين من طريق الحرير الجديد ومساهماته في تدشين حقبة جديدة من العولمة الاقتصادية.

مشروع القرن

قال الرئيس الصيني شي جين بينغ: إن مبادرة مشروع طريق الحرير هي مشروع القرن، وتعهد بأن تقدم بلاده 124 مليار دولار لتنفيذ مشاريع المبادرة؛ وذلك في شكل مساهمات وقروض لمشاريع طريق الحرير الجديد.

وأوضح أن بلاده ستقدم قرابة 15 مليار دولار لصندوق طريق الحرير الذي يستهدف تمويل بنية أساسية وشبكة تجارية عابرة للقارات.

وأضاف شي أن مصرفي “التنمية” و”التصدير والاستيراد” الصينيين سيقدمان قروضا بنحو 55 مليارا لتلك المشاريع، كما تعهد بتشجيع المؤسسات المالية على التوسع في أنشطة التمويل باليوان في الخارج بنحو 43 مليارا.

عولمة جديدة

تأتي المبادرة الصينية في الوقت الذي تتكالب فيه دول العالم الكبرى على تعزيز نفوذها وسياساتها على الدول الأخرى، فقيادة بكين اختارت أن تسلك طريقا مختلفا، فأخذت على عاتقها محاولة تعزيز طموحاتها في قيادة العالم من خلال الناحية الاقتصادية، حيث تسعى الصين إلى تعزيز نفوذها السياسي والاقتصادي في دول إفريقيا وأوروبا من خلال طرق الحرير الجديد، وهو ما أكدته تصريحات الرئيس الصيني، التي قال فيها إن “الصين وقعت أكثر من 40 اتفاقية تعاون مع مختلف الدول على طول الحزام والطريق، وفى طريقها للمزيد”، الأمر الذي يمكن أن يثير قلق الدول المُعادية للسياسة التوسعية التي تتبعها بكين، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية.

“طريق الحرير الجديد” يعبر عن استراتيجية رئيس ثاني أكبر اقتصاد عالمي، الذي طالما دافع عن التبادل الحر والعولمة، بينما يروج الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، لمبدأ “أمريكا أولًا” ويسعى على ما يبدو إلى تطبيق سياسة الحماية، ويشكك في مبادرات التجارة الحرة العالمية الحالية مثل اتفاقية “نافتا”.

وقال الرئيس الصيني شي جين بينغ، إن العزلة تؤدي إلى التخلف، والانفتاح مثل معركة اليرقانة التي تخرج من شرنقتها، وهذا يترافق مع الألم، لكن هذا الألم يعطي حياة جديدة.

وأضاف، “روح طريق الحرير أصبحت تراثًا كبيرًا للحضارة الإنسانية.. واستمرار مبادرة طرق الحرير الجديدة يتطلب بيئة سلمية ومستقرة”.

استقرار وتنمية مستدامة

رأى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن المبادرة الصينية جاءت في الوقت المناسب وتهدف لتحقيق الاستقرار في الاقتصاد العالمي، لاسيما أن الاقتصاد العالمي يتعرض لضغوطات تهدد استقراره كالصراع الداخلي في الولايات المتحدة، وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

وأكد بوتين أن روسيا تقبل المقترحات التي تصب في مصلحتها وقال “من الخطأ عدم الاستفادة من الفرص التي تظهر نتيجة التعاون مع الصين”، منوها بأن روسيا مستعدة للتعاون مع جميع الدول.

وأضاف أن روسيا والصين تملكان جميع الإمكانات لتنفيذ مشاريع مشتركة في مجال بناء طائرة “عريضة البدن”، مشيرا إلى أن روسيا لا تزال في مرحلة تطوير محرك خاص بهذا النوع من الطائرات.

كما أشار إلى أن البلدان سيوسعان تعاونهما في مجال الفضاء، بما في ذلك ما يتعلق بتصدير محركات الصواريخ الفضائية للصين.

ومن جانبه، قال المدير العام لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) جوزيه غرازيانو دا سيلفا أنَّ مبادرة حزام واحد-طريق واحد، التي تربط بين الصين ومنطقتي أوروبا وآسيا، يمكن أن تساعد في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، بشرط أنْ تلبي حاجات ملايين المزارعين وصيادي الأسماك في الدول المشاركة في المبادرة.

وقال غرازيانو دا سيلفا “تعد الزراعة قطاعاً حيوياً، حيث تشكل 25% من الناتج المحلي الإجمالي وتوفر 40% من فرص العمل في الكثير من الدول المشاركة في المبادرة”.

ورأى دا سيلفا أنَّ هذا المنتدى يوفر منصة فريدة من نوعها لبذل جهود دولية متسقة لتعزيز “تنمية أكثر اتزاناً وإنصافاً وشموليةً في الدول المشاركة في مبادرة حزام واحد-طريق واحد”.

تحفظات أوروبية

أبدت ألمانيا تحفظها على مشروع طريق الحرير الذي طرحته الصين في قمة الحزام والطريق، مشترطة تقديم ضمانات لحرية التجارة والمنافسة الشريفة.

وفي هذا الإطار عبر بعض الدبلوماسيين الغربيين عن تحفظهم بشأن القمة ومشروع طريق الحرير الصيني، مشيرين إلى أنها محاولة من بكين لزيادة نفوذها عالميا، وأبدوا قلقهم بشأن شفافية المبادرة، ومدى إتاحته الفرصة لمشاركة الشركات الأجنبية في المشاريع المطروحة.

وأخيرًا، تحاول الصين فرض “عولمة بمواصفات صينية” على الجزء الشرقي من العالم، عبر مشاريع بنية تحتية واستثمارات تنموية مشتركة مع كل بلد على حدة، تؤدي في النهاية إلى ربطها معا بشبكة طرق تنتهي جميعها في بكين.

وهذه الاستراتيجية، المعروفة بـ”إعادة إحياء طريق الحرير”، هي أداة الصين الرئيسية لفرض رؤيتها للتجارة الحرة في مواجهة مقاربة الإدارة الأميركية بقيادة دونالد ترامب، التي تبدو منحازة لفرض سياسة الحماية على اتفاقات التجارة.

لكن المشروع لم يخرج بعد عن حيز الرؤية، إذ مازال يفتقر إلى خطة واضحة وبنية هيكلية متكاملة، كما يشهد معارضة من دول صناعية كبرى، تخشى من فرض الصين هيمنتها الكاملة على سوق التجارة العالمية.

ربما يعجبك أيضا