هاجس تسلل عناصر داعش بين اللاجئين مازال يقلق ألمانيا

جاسم محمد

رؤية ـ جاسم محمد

مازال حزب المستشارة الألمانية ميركل، الحزب الديمقراطي المسيحي، يسعى إلى فرض مزيدا من القوانين والإجراءات ضد اللاجئين والمهاجرين والجاليات، محاولة منه لكسب الانتخابات التشريعية العامة في ألمانيا المقرر عقدها خلال شهر سبتمبر 2017.

طالبت الكتل البرلمانية للائتلاف الحاكم  في المانيا يوم 14 مايو 2017 ، بالعودة لاستجواب اللاجئين من قبل “الاستخبارات الخارجية الألمانية”، ذلك ضمن جهودها بتقييم وتقصي الحقائق بأنشطة تجسس “وكالة الأمن القومي الأمريكية”، الأمر الذي كان معمولاً به حتى 2014.  يذكر أن “المقر الرئيسي لهيئة الاستجواب” التابع لجهاز الاستخبارات الخارجية الألماني (بي إن دي)، كان ينظم استجواب طالبي اللجوء، من قبل أجهزة الاستخبارات الداخلية والخارجية، على مدار عقود قبل أن يتم حله في عام 2014.

المطالبات جائت بالتزامن مع الهزيمة التاريخية  للحزب الاشتراكي الديمقراطي بانتخابات بولاية شمال الراين- فيستفاليا، يوم 14 مايو 2017، واعترف رئيس الحزب الاشتراكي الديمقراطي بما وصفه بـ”الهزيمة الساحقة”. هذا فيما استقالت رئيسة حكومة الولاية من منصبيها كنائبة لشولتس ومن رئاسة الحزب في الولاية.  وحصل أن حزب ميركل، “المسيحي الديمقراطي” حصل في انتخابات شمال الراين فيستفاليا، على 34.3%، فيما حصل الحزب الاشتراكي على 30.6% والخضر على 6% والحزب الديمقراطي الحر على 12.2% وحزب البديل على 7.7% واليسار على 5%.

تسلل جماعات متطرفة بين موجات اللاجئين

كشفت تحقيقات الاستخبارات الالمانية، بان غالبية الافراد المتورطة باعمال تطرف وارهاب في المانيا كانت من اصول عربية ، خاصة من سوريا، البعض منها حصل على التدريب وتسلل عبر موجات اللاجئين منذ مطلع عام 2015، التقارير ذكرت ان هناك بضعة مئات من مقاتلي تنظيم داعش تسلل الى اوروبا، ويعتبر مشروع انتحاري. التحقيقات لم تصل الى طبيعة المهام التي من المقرر ان تنفذها عناصر داعش في المانيا، وهو امر طبيعي، كون اسلوب عمل داعش، العمليات الخارجية، يقوم باعداد وتدريب وربما تمويل الخلايا في اوروبا، دون تحديد الهدف، والتي يتم تحديده ربما قبل ساعات او يوم من العملية.

لكن خبراء أمنيين أوربيين قللوا من إمكانية تسلل مقاتلين تابعين لتنظيم داعش وسط موجات اللاجئين القادمين إلى أوروبا من سوريا والعراق. وقال “كلود مونيكيه” ضابط المخابرات الفرنسي السابق الذي يرأس المركز الأوروبي للاستخبارات الاستراتيجية والأمن في بروكسل “لا حاجة بالدولة الإسلامية لتصدير مقاتلين إلى أوروبا لأنها تستورد المقاتلين من أوروبا.” ويقول “ماغنوس رانستورب” مدير الأبحاث بمركز دراسات الأخطار المختلفة بكلية الدفاع الوطني السويدية “هذه طريقة معقدة للغاية لكي يصل بها الإرهابيون إلى الاتحاد الأوروبي. وهناك طرق أسهل كثيرا للتسلل إليه.”ورغم كل ذلك فقد ألقت الشرطة الإيطالية في مايو القبض على مغربي، يدعى “عبد المجيد طويل”كان  عضوا في خلية هجوم  متحف باردو في تونس.

ثغرات داخل  دائرة الهجرة واللجوء

اكتشفت الاستخبارات الالمانية ، وجود ثغرات داخل  دائرة الهجرة واللجوء، يسمح الى اعداد من اللاجئين، التحرك والتنقل وتغيير اماكن تواجدهم بعيدا عن اي مراقبة ادارية، ناهيك عن اكتشاف دائرة الهجرة مؤخرا عدد من حالات النصب والاحتيال الى اللاجئين  على نظام الرعاية الاجتماعية بالتسجيل في اربع او خمس دوائر تحت اسماء وبيانات تختلف الواحدة عن الاخرى من اجل مكاسب مالية، ماعدا الاعداد التي سجلت في دوائر الهجرة واللجوء وغادرت المانيا الى دول اخرى.

خطة امنية طرحتها  المستشارة الالمانية

وتأتي هذه الجهود تماشيا مع خطة المستشارة الالمانية ميركل طرحتها في شهر يوليو 2016 والتي تقوم على تسع نقاط لتحقيق مزيد من الأمن للمواطنين، ابرزها ايجاد انذار مبكر للكشف عن اشخاص مرتبطين بتنظيم داعش بين اللاجئين في المانيا. وتطوير نظام لكشف التهدديدات والإرهاب المنظم، والتحضير لمشاركة الجيش في مواجهة الهجمات الإرهابية الكبيرة التي تتعرض لها ألمانيا، وأكدت على “سد الثغرات” حيثما توجد .وجائت الخطة ايضا في اعقاب الانتقادات الموجهة الى اجهزة الامن وتعاملها مع بعض القضايا منها قضية اللاجيء السوري جابربكر، والذي القي القبض عليه في مدينة “لايبزيغ”  والذي كان يعد لعمل إرهابي في مطارات ومحطات قطارات برلين فجر يوم 10 اكتوبر 2016 ، وكذلك في قضية انيس عامري يوم 19 ديسمبر 2016.

الاحصائيات الاخيرة، كشفت بان المهاجرون يشكلون 8.6 % من كل المشتبه بارتكابهم جرائم في ألمانيا خلال عام 2016. وقال” دي ميزير” إن من بين الأسباب لارتفاع معدل الجريمة بين المهاجرين أوضاع معيشتهم. وفي 2016 كان كثيرون منهم يعيشون في ملاجئ مؤقتة أو يشتركون في غرف مكدسة.

وأظهرت التحقيقات زيادة الجرائم التي كان دافعها التطرف الإسلاموي 13.7%، وهذا ما دعا وزير الداخلية الالماني “دي ميزر” الى اتخاذ إجراءات مشددة بحق اللاجئين الذين يقدمون هويات مغلوطة أثناء تقدمه بطلبات لجوئهم، مشددا في الوقت ذاته على أهمية إجراء مفاوضات مع بلدان المنشأ لاستعادة طالبي اللجوء المرفوضة طلباتهم، بل وممارسة ضغوط عليهم للتعاون في هذا الصدد.

ويؤكد “دي ميزيير” ضرورة تعزيز سيطرة السلطات الفيدرالية على أجهزة المخابرات المحلية، وتوسيع صلاحيات الشرطة الفيدرالية في أنحاء البلاد، وأنشاء مركز وطني لإدارة الأزمات، وتسريع طرد المهاجرين الذين ترفض طلبات لجوئهم إلى المانيا. ويقترح “دي ميزيير” إنشاء مراكز اعتقال فيدرالية لاحتجاز طالبي اللجوء الذين رفضت طلباتهم والمهاجرين غير الشرعيين إلى حين إبعادهم عن البلاد. وكتب الوزير “نحتاج إلى مجموعة من الأنظمة الموحدة وتنسيق أفضل للتدقيق مثلا في الأفراد الذين يشكلون خطرا.” وتأتي خطة الاصلاحات عقب سلسلة من الخروقات الأمنية كان آخرها في 19 ديسمبر حين دهس التونسي أنيس العامري بشاحنة كان يقودها

النتائج

ماتعانيه المانيا، هو عدم جدوى نظامها الامني وربما منظومة القوانين والتشريعات التي صدرت ماقبل موجة الارهاب التي ضربت اوروبا مطلع عام 2015.

فمازالت المانيا تعيش هاجس الهجمات الانتحارية على اراضيها، وهي تعتقد بان موجات اللاجئين الاخيرة التي اجتاحت المانيا ودول اوروبا ممكن ان تشكل ثغرات امنية بل تهديدا الى امنها القومي، وهذا مايجعلها مراجعة خططها واصدار حزم من الاجراءات والقوانين، محاولة منها لمنع  وقوع عمليات انتحارية، الاجراءات تأتي امام ضغوطات من الرأي الداخلي وربما من الطبقة السياسية، بايجاد سياسات وقوانين تحد من الهجرة واللجوء.

الخطر الذي تواجهه المانيا الان، هو تقليص حضور الاشتراكيين وصعود اليمين المتطرف، الحزب البديل الى مجالس البلديات الالمانية، الخطورة تكمن ايضا بتراجع اليسار، وربما يكون تقارب مستقبلا مابين حزب البديل من اجل المانيا والحزب المسيحي الديمقراطي ليكون بديلا عن التحالف التقليدي مابين الحزب الاشتراكي وحزب الخضر الذي تراجع كثيرا، اما خسارة الحزب الاشتراكي الديمقراطي في معاقله، فهي ناقوس خطر، بصعود اليمين المتطرف.

المشكلة تكمن ايضا بمحاكاة الحزب الديمقراطي المسيحي وخاصة وزير الداخلية الالماني “دي ميزر” باتباع سياسات صارمة ضد اللاجئين والمهاجرين، رغم الانتقادات الحادة له.

ماتحتاجه المانيا في الوقت الحاضر هو مراجعة ملفات اللاجئين، وعزل المشتبه بهم، وتسريع عمليات التحقيقات الاولية، الى اللاجئين الجدد وتبادل البيانات الشخصية للاجئين عامة والمشتبه بهم خاصة مع الدول التي قدموا منها عن طريق المدعي العام ووفقا الى القوانين الدولية والاتفاقات الثنائية.

وماينبغي  ان تعمل عليه المانيا العمل بشكل جاد الى كشف هذه الخلايا الذاتية النشطة من خلال البيانات والمعلومات والجهد الاستخباراتي الذي يمتد الى اختراق داخل التنظيم في معاقله، اكثر من نشر القوات على الارض، اي اعتماد المعلومات والجهد الاستخباراتي في تعقب التنظيم اكثر من اتخاذ اجرائات شرطية دفاعية وعسكرة الامن. وهذا مايدفعها الى اعادة تنظيم اجهزتها الامنية وربما اعادة هيكليتها من جديد لتكون في مستوى التحديات الامنية الى الجماعات المتطرفة.

*باحث في قضايا الارهاب والاستخبارات

ربما يعجبك أيضا