“سايكس بيكو”.. و101 عام من تفتيت اللُحمة العربية

حسام السبكي

إعداد – حسام السبكي

تحل هذا الأيام، الذكرى السنوية رقم 101، لأهم وأشهر اتفاقية فتت وحدة الوطن والأمة العربية على مدار تاريخها العريض، بمؤامرة استعمارية خبيثة، قادتها القوتين الدوليتين الكبريين في المنطقة العربية في عام 1916، وهما بريطانيا وفرنسا.
وقد سعت اتفاقية التفتيت والتشرذم الدولية، إلى تقسيم المنطقة العربية إلى دول صغيرة وهشة، بهدف إضعاف وحدتها، التي كانت مصدر قوتها على مدار العقود والقرون الماضية.

تم توقيع الاتفاقية، بعد مباحثات استغرقت نحو شهرين، هما أبريل ومايو، من العام 1916، إلى أن تم تصديقها فعليًا، مع منتصف شهر مايو، على صورة وثائق متبادلة بين وزراء خارجية ثلاثة دول هما فرنسا وبريطانيا وروسيا القيصرية.

سر تسمية الاتفاقية بـ “سيكس بيكو”

أما عن سبب تسمية الاتفاقية البريطانية الفرنسية بهذا الاسم، فإنها ترجع إلى محرري الاتفاقية من الجانبين الفرنسي والبريطاني، فقد عينت الحكومة الفرنسية في ذلك الوقت، “جورج بيكو” قنصلها العام السابق في العاصمة اللبنانية بيروت، ليكون مندوبًا ساميًا لها لمتابعة شؤون الشرق الأدنى، وليكون مفاوضًا باسم فرنسا مع الحكومة البريطانية، حول مستقبل البلاد العربية، ما بعد حقبة الاستعمار، وقد سافر “بيكو” إلى العاصمة المصرية القاهرة، فاجتمع بالمندوب السامي البريطاني لشؤون الشرق الأدنى “مارك سايكس”، وبإشراف مندوب روسيا، وقد أسفرت تلك الاجتماعات وهذه المراسلات عن توقيع اتفاقية، عُرفت في ذلك الوقت باسم “اتفاقية القاهرة السرية”، ثم انتقلوا لاحقًا إلى مدينة “بطرسبرج الروسية”، وأسفرت المفاوضات النهائية عن توقيع اتفاقية مشتركة بين الدول الثلاث، حملت الاسم “اتفاقية سايكس بيكو”، وقد حددت الاتفاقية مناطق النفوذ لكل دولة، على النحو التالي:

 * تستولي فرنسا على غرب سوريا ولبنان وولاية أضنة.

*تستولي بريطانيا على منطقة جنوب وأواسط العراق، بما فيها العاصمة بغداد، وكذلك ميناء عكا وحيفا في فلسطين.

*تستولي روسيا على الولايات الأرمنية في تركيا وشمال كردستان.

*يحق لروسيا الدفاع عن مصالح الأرثوذكس في الأماكن المقدسة داخل فلسطين.

*المنطقة المحصورة بين الأقاليم تحصل عليها فرنسا، أما تلك التي تحصل عليها بريطانيا، فإنها تكون اتحاد دول عربية، أو دول عربية موحدة، ورغم ذلك، فإن هذه الدولة تقسم إلى مناطق نفوذ بريطانية وفرنسية، بحيث يشمل النفوذ الفرنسي شرق بلاد الشام وولاية الموصل في العراق، فيما يمتد النفوذ البريطاني إلى شرق الأردن، والجزء الشمالي من ولاية بغداد العراقية، وحتى الحدود الإيرانية.
*يخضع الجزء المتبقي من فلسطين للإدارة الدولية.

*يصبح ميناء إسكندرون حرًا.

هذا، ولم يستمر ذلك الاتفاق سريًا لفترة طويلة، فبعد نحو عامٍ واحدٍ من إبرامه، تم الكشف عن الاتفاق، بعد وصول الشيوعيين إلى قمة هرم السلطة في روسيا، عام 1917 بعد اندلاع أحداث الثورة البلشفية، وقد أثار الكشف عن الاتفاقية غضب الشعب السوري، الذي يشمله الاتفاق ويمسه بالشكل المباشر، الأمر الذي أحرج كلًا من فرنسا وبريطانيا، وعليه تم إجراء تعديلٍ على الاتفاقية كالتالي:

يتم تقسيم المنطقة بموجب الاتفاق ذاته، بحيث تحصل فرنسا على الجزء الأكبر من بلاد الشام، وجزء كبير من جنوب الأناضول، ومنطقة الموصل في العراق، على أن تحصل بريطانيا على المنطقة الممتدة من الطرف الجنوبي لبلاد الشام، ليتوسع في الاتجاه الشرقي فيشمل بغداد والبصرة، وكافة المناطق الواقعة بين الخليج العربي والمنطقة الفرنسية.

ويمثل الجزء الأسوأ في اتفاقية تفتيت وتقسيم المنطقة العربية “سايكس بيكو”، في وضع المنطقة المقتطعة لاحقًا من جنوب سوريا وهي “فلسطين”، تحت الإدارة الدولية، ليتم الاتفاق عليها بالتشاور بين بريطانيا وفرنسا، وبعد ذلك يتم إبرام “وعد بلفور” لليهود، وعليه، فقد تم منح فلسطين لليهود، ليقيموا عليها دولتهم “إسرائيل”.

لكن بخلاف ذلك، تم الاتفاق على منح بريطانيا ميناءي حيفا وعكا في فلسطين، على أن يكون لفرنسا حرية استخدام ميناء حيفا البحري، فيما تمنح فرنسا شريكتها في الاتفاق بريطانيا حق استخدام ميناء إسكندرون، الذي كان سيقع في مجال سيطرتها.

 بنود الاتفاقية

تضمنت اتفاقية تفتيت وتقسيم المنطقة العربية، التي مهدت بالمناسبة الطريق لما كان يسمى خلال السنوات العشر الأخيرة بمخطط الشرق الأوسط الجديد، أو خارطة الطريق الجديدة للمنطقة، والتي تحققت بتفتيت السودان في عام 2011، وقد وصف بعض المحللين “ثورات الربيع العربي” بأنها التنفيذ الفعلي لخارطة الشرق الأوسط الجديد أو اتفاقية سايكس بيكو الثانية، أما عن سايكس بيكو الأولى، فقد تضمنت 12 مادة وهي:

1- المادة الأولى:

فرنسا وبريطانيا مستعدتان للاعتراف وحماية دولة عربية، برئاسة رئيس عربي، في المنطقتين “أ”، (داخلية سوريا) ، و”ب”، (داخلية العراق)، وهي موضحة في الخريطة الملحقة بالاتفاقية.

يكون لفرنسا في المنطقة “أ”، ولبريطانيا في المنطقة “ب”، الحق والأولولية في المشروعات والقروض المحلية، فيما تنفرد فرنسا في المنطقة “أ”، وبريطانيا في المنطقة “ب” بتقديم المستشارين والموظفين الأجانب، وذلك بناءً على طلب الحكومة العربية، أو حلف الحكومات العربية.

2- المادة الثانية:

يُباح لفرنسا في المنطقة الزرقاء المُشار إليها بـ (سوريا الساحلية)، ولبريطانيا في المنطقة الحمراء المُشار إليها بـ (منطقة البصرة)، وفق ما هو موضحة بالخريطة ذاتها، إنشاء ما ترغبان به من شكل الحكم المباشر أو عبر الواسطة أو من خلال المراقبة، وذلك بعد الاتفاق مع الحكومة العربية، أو حلف الحكومات العربية.

3- المادة الثالثة:

يتم إنشاء إدارة دولية في المنطقة الخاصة بـ (فلسطين)، ويعين أعضائها بعد استشارة روسيا، وبالاتفاق مع بقية الحلفاء، وممثلي شريف مكة.

4- المادة الرابعة:

تحصل بريطانيا على ميناءي حيفا وعكا، ويتم ضمان مقدار محدود من مياه نهري دجلة والفرات في المنطقة (أ) للمنطقة (ب)، على أن تتعهد حكومة جلالة الملك، من جهتها، بألا تتخلى، في أي مفاوضات تجريها مع أي دولة أخرى للتنازل عن جزيرة قبرص، إلا بعد الحصول على الموافقة المسبقة من الحكومة الفرنسية.

5- المادة الخامسة:

يكون ميناء “إسكندرون” ميناءً حرًا لتجارة الإمبراطورية البريطانية، على أن لا تُنشأ معاملات مختلفة في رسوم الميناء، ولا يتم فرض تسهيلات خاصة للملاحة والبضائع البريطانية، كما تُباح حرية النقل للبضائع الإنجليزية عن طريق إسكندرونة، والسكك الحديدية في المنطقة الزرقاء، سواء أكانت واردة إلى المنطقة الحمراء، أو إلى المنطقة (أ) و(ب) أو صادرة منهما.

كما لا تنشأ أي معاملات مختلفة، مباشرة كانت أو غير مباشرة، على أيٍ من السكك الحديدية أو في أي ميناء من موانئ المناطق المذكورة، تمس البضائع والبواخر البريطانية.

كما أن ميناء حيفا يصبح ميناءً حرًا لتجارة فرنسا، ومستعمراتها، والبلاد الخاضعة لحمايتها، ولا يقع أيضًا أي اختلاف في المعاملات، ولا يرفض كذلك إعطاء تسهيلات للملاحة والبضائع الفرنسية، ويكون كذلك نقل البضائع حرًا بطريق حيفا، وعلى السكك الحديدية الإنجليزية في منطقة (فلسطين)، سواء أكانت البضائع صادرة من المنطقة الزرقاء أو الحمراء، أو من أيٍ من المنطقية (أ) و(ب)، أو واردة إليها.

كما تشترط المادة الخامسة من الاتفاقية، ألا يجري أدنى اختلاف في المعاملة سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، يمس البضائع أو البواخر الفرنسية، في أيٍ من السكك الحديدية أو أي ميناءٍ من الموانئ المذكورة.

6- المادة السادسة:

لا يتم مد خط سكك حديدية من بغداد في المنطقة (أ) إلى ما بعد الموصل جنوبًا، ولا إلى المنطقة (ب) إلى ما بعد سامراء شمالًا، على أن يتم إنشاء خط ربط سكة حديد يصل بغداد بحلب ويمر بوادي الفرات، على أن يكون ذلك بمساعدة مشتركة من الحكومتين.

7- المادة السابعة:

يحق لبريطانيا العظمى، إنشاء وإدارة والتملك وحدها لخط سكة حديد يصل حيفا بالمنطقة (ب)، ويكون لها ما عدا ذلك حقٌ دائمٌ بنقل الجنود في أي وقتٍ كان، على طول ذلك الخط، على أن يكون معلومًا لدى الحكومتين، أن ذلك الخط، يجب أن يسهل اتصال حيفا ببغداد، وأنه إذا حالت الظروف، دون إنشاء خط الاتصال في منطقة (فلسطين)، وشابت مصاعب فنية، أو نفقات باهظة لإدارته تجعل من المتعذر إنشاءه، فإن الحكومة الفرنسية تسمح بمروره في طريق بربورة – أم قيس – ملقا – إيدار – غسطا – مغاير وحتى يصل إلى المنطقة (ب).

8 – المادة الثامنة:

تظل تعريفة الجمارك التركية، نافذة طيلة عشرين عامًا في كافة الجهات بالمنطقية الزرقاء والحمراء في المنطقتين (أ) و(ب)، فلا تضاف أية علاوة على الرسوم، كما لا تبدل قاعدة التثمين في الرسوم بقاعدة أخذ العين، إلا أن يكون ذلك باتفاقٍ بين الحكومتين، كما لا يتم إنشاء جمارك داخلية بين أي منطقة والأخرى في المناطق المذكورة، ما يُفرض من رسومٍ جمركية على البضائع المُرسلة يتم دفعه في الميناء، ويتم إعطائه لإدارة المنطقة المرسلة إليها البضائع.

9- المادة التاسعة:

من المتفق عليه، أن الحكومة الفرنسية لا تقوم بإجراء أي مفاوضات في أي وقتٍ للتنازل عن حقوقها، كما لا تعطي ما لها من حقوقٍ في المنطقة الزرقاء لأي دولةٍ أخرى، سوى للدول أو لحلف الدول العربية، دون موافقة على ذلك بشكلٍ مسبق من حكومة جلالة الملك، التي تتعهد بالأمر ذاته للحكومة الفرنسية في المنطقة الحمراء.

10- المادة العاشرة:

تتفق كلًا من الحكومة البريطانية والفرنسية، بصفتهما الحاميتان للدول العربية، على ألا تمتلكا ولا تسمحا لدولة ثالثة، بتملك أقطارٍ في شبه جزيرة العرب، أو تُنشئ قاعدة بحرية على ساحل البحر المتوسط الشرقي، على أن لا يمنع هذا تصحيحًا في حدود عدن، قد يصبح من الضروري والواجب بسبب عداء الترك الأخير.

11- المادة الحادية عشر:

تتواصل المفاوضات مع العرب وفقًا للطريقة السابقة من قبل الحكومتين بهدف تحديد حدود الدولة أو حلف الدول العربية.

12- المادة الثانية عشر:

من المتفق عليه، ما عدا ذكره، أن تنظر الحكومتين الفرنسية والبريطانية في الوسائل اللازم اتباعها، لمراقبة جلب السلاح إلى الدول العربية.

ربما يعجبك أيضا