نوال الصوفي.. “صانعة الأمل” في مواجهة قوارب الموت

محمود سعيد

رؤية – محمود سعيد

نحن أمام ظاهرة فريدة، شابة عربية تساهم في إنقاذ وإعانة عشرات الآلاف من المحتاجين واللاجئين على حد السواء، دون انتظار الأجر أو الثواب إلا من الله، نحن أمام “نوال الصوفي” صانعة الأمل وطوق النجاة في مواجهة قوارب الموت.

تحركت وحدها في بادئ الأمر، لم تخش أنها وحدها في هذا الطريق الوعر، ولكنها توكلت على ربها، وزرعت الخير والسعادة والأمل، وقد ساعدت في إنقاذ ما يقارب 200 الف شخص من الموت.


جائزة الأمل

وحصدت المغربية نوال الصوفي جائزة صانع الأمل في الوطن العربي من بين 65 ألف مشارك من 22 دولة إذ كرمها الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي.

وهدفت مبادرة “صناع الأمل”، إلى إلقاء الضوء على ومضات الأمل المنتشرة في عالمنا العربي، والتي لمع من خلالها رجال ونساء من مختلف الأعمار، عملوا بروح متفانية وقلوب نقية من أجل خدمة مجتمعاتهم ورفعة أوطانهم. وإيماناً وتقديراً للجهود الإنسانية والخيِّرية المبذولة.

من هي الصوفي ؟

ونوال الصوفي، تبلغ من العمر 30 عامًا، وولدت لأبوين مغربيين في إيطاليا، وبدأت رحلة عملها التطوعي منذ أن كانت في الرابعة عشرة من عمرها، وأول تجربة لها كانت مساعدة المشرَّدين والمهاجرين المغاربة، ومع الوقت تحوّل اهتمامها نحو القضية الفلسطينية، التي خرجت في مظاهرات مؤيدة لها والتعريف بقضيتها.

بدأت نوال صوفي العمل الإنساني، منذ كان عمرهما 14 عاماً، وأول ما جربته كان مساعدة المشردين، من الإيطاليين والمهاجرين المغاربة، بغض النظر عن دينهم أو لغتهم وانتماءهم، ومع الوقت توجه اهتمامها نحو القضية الفلسطينية فخرج في مظاهرات ونظّمت بعضها، وتحولت إلى إنسانة فوضوية لم يستطع والدها كبح جماح نهمها في المجال الإنساني خوفاً من أي خطر قد تتعرض له.

ولاحقًا، قرّرت الناشطة “نوال” دراسة العلوم السياسية والعلاقات الدولية، وفي السنة الجامعية الثانية استطاعت العمل في المحاكم والسجون، كوسيط اجتماعي للتخفيف من معاناة المهاجرين، حيث تقاضت من الترجمة أجراً ساعدها في الإنفاق على دراستها الجامعية.

وفي وقت كان في جيبها ثلاثة يوروهات فقط،  بدأت بجمع الأدوية وإرسالها إلى سوريا، واستطاعت عبر الإرادة تجهيز قافلة أسمتها (قافلة الحرية لحمص)، وساهمت كثيرًا بدعم اللاجئين السوريين حتى صار اسمها يمثل “ملاكًا” للرحمة بالنسبة للسوريين، وأثبتت “نوال” شجاعتها، فرغم دعاوى عدة دعت للانتقام منها، واتهامها بأنها تساعد على الهجرة السّرية وغير الشرعية إلى أوروبا، إلا أنها قالت إنها لا تخشى شيئًا طالما أن أهدافها نبيلة ورسالتها إنسانية.

قوارب الموت

المغربية نوال الصوفي، أو كما أطلق عليها اللاجئين السوريين “ماما نوال”  التي لا تترك هاتفها النقال أبداً حتى أثناء اليوم تربطه في يدها في انتظار استغاثات الاف المهاجرين غير الشرعيين الذين قد يواجهون مصيرهم المحتوم، وتحكي نوال تفاصيل أول اتصال من شخص مذعور صباح أحد أيام صيف 2013، حيث كان مئات السوريين تائهين في البحر المتوسط على مركب مهدد بالغرق بعد أن بدأت تتسرب اليه المياه.

فوجئت نوال الصوفي بالاتصال، لكنها عمدت فورا إلى إبلاغ خفر السواحل الايطاليين الذين شرحوا لها كيف يمكنها مساعدة المهاجرين على معرفة إحداثيات موقعهم باستخدام نظام جي.بي.اس في هاتف متصل بالأقمار الصناعية، لتوجيه فرق الاغاثة للعثور عليهم.

بعد ساعات صمت طويلة، تنفست أخيرا الصعداء. كانوا جميعا سالمين. ومنذ ذلك الحين، تكرر هذا السيناريو مئات المرات.

وقد نذرت نفسها لمساعدتهم، فقد كان يعاني المهاجرون عندما يتصلون بخفر السواحل أو الصليب الأحمر من عدم القدرة على شرح ما يريدون بسبب اختلاف اللغة، وفي كثير من المرات لا يتجاوب الخفر بسبب عدم الفهم، ويحتاج المهاجر غير الشرعي إلى محامي يدافع عنه ويحل مشكلته، قد يخسر المهاجر القضية نتيجة لذلك، ولكن بحضور نوال لم يعد يخشى المهاجرون عبر إيطاليا هذه العقبات، فهي حاضرة دائماً، في خدمة المقهورين والمساكين، يدفعها حبّها للإنسانية وتقديم العون للآخرين.

مكالمات الموت

بدأت نوال تتلقى الصدمات منذ المكالمات الأولى، عندما يخاطبها صوت متقطع: (ألو نحن 400 شخص طلعنا من ليبيا والمهرب تركنا وغادر.. والقارب يهرّب ماء والموتور توقف عن العمل، اتصلي مع خفر السواحل.. أرجوكِ.. أنقذونا).

هذه المكالمات كانت ولا تزال تؤثر في الصميم وتحتل جزءاً كبيراً من يوميات نوال، خاصة أن كل قارب يعاود الاتصال مرات عديدة لخطورة الوضع، ولذلك وخشية أن تنام ولا تسمع رنين هاتفها، تضع نوال أحياناً الثلج على عينيها حتى تبقى متيقّظة لأي طارئ.

ليس سهلاً أن ينذر الإنسان نفسه لاستقبال عشرات الاتصالات يومياً، وقد يشعر المرء بالملل أو السأم من ذلك، لكن بالتأكيد ليست (الناشطة نوال) من تتذمر من اتصالات المهاجريين السوريين، فهي طوعياً ودون أجرٍ نذرت نفسها لإنقاذهم بأي طريقة، فكل (قارب موت) يصل المياه الإيطاليا يحمل على الأقل 200 شخص وأحياناً يصل العدد إلى 800 شخص، وفي شهر آب الفائت، تلقّت نوال في يوم واحد 15 مكالمة من قوارب، تولى خفر السوال إنقاذها جميعها، بعد اتصالات نوال وإنذارها بذلك.

مساعدة اللاجئين

لا يقتصر نشاط نوال على إنقاذ (قوارب الموت)، بل يتعدى ذلك إلى متابعة أحوال السجناء المتهمين بالهجرة غير الشرعية، في العديد من الدول ومنها مصر، حيث تتواصل نوال مع منظمات حقوقية عديدة.

رغم كل ما تقوم به، تعتبر نوال أن المنقذ دائماً هو (الله) ولا ترى نفسها إلا سبباً صغيراً، بل تقول أن العمل الإنساني إن لم يخرج من القلب فإن إتقانه صعباً، تصف البحر بأنه (رحم كبير)، ووصول الناس إلى الأرض (ولادة جديدة) ولذلك تعتبرهم أبناءها، وتحبهم لدرجة لا يتصورها عقل، ولهذا فإن أجمل إحساس تشعر به (الناشطة نوال) هو عندما تستقبل المهاجرين في الميناء، بعد رحلة الموت المحفوفة بالمخاطر، فاللاجئيين هم أولادها صغاراً وكباراً، كما تحبّ أن توصفهم. ولا تنسى نوال أن تلتحف بعلم الثورة عند استقبالها للاجئين حتى تشعرهم أنهم ليسوا وحدهم، وهم بدورهم لا يخفون سعادتهم بلقاء (ملاك الرحمة) الذي كان سبباً من أسباب بقائهم أحياء.

“هل جزاء الإحسان إلا الإحسان”، نوال الصوفي التي كرست حياتها للعمل الخيري والإنساني والإغاثي، ومساعدة البشر دون النظر لجنسياتهم أو عقائدهم، تستحق أن تنال جائزة “صناعة الأمل”، فهي قد صنعت الأمل للملايين أن في هذه الحياة “بشر” يألمون لحال إخوانهم ويضحون من أجلهم، وأن الخير ماض إلى يوم القيامة.
https://www.youtube.com/watch?v=sHI-uOezeaQ
https://twitter.com/alkhaleej/status/865272889100169216

ربما يعجبك أيضا