مع الصحابة في رمضان: أبو بكرٍ الصديق

حسام السبكي

إعداد – حسام السبكي

مع ظهور الإسلام، وبعثة النبي المصطفى محمد صلى عليه وسلم بالرسالة، كان لابد للدين الجديد من ظهرٍ يحميه وأتباعٌ يؤمنون به ويصدقون بما جاء على لسان رسوله، كما هي العادة في مختلف الأديان السماوية، وكان في صدارة هؤلاء الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، فهما خيارُ الأُمة، وأكثر من وردت في فضائلهم أحاديث نبوية شريفة، وعن طريقهم وصل الدين الصحيح إلى المسلمين حتى الآن، وعليه كان اهتمامنا في هذا الشهر الكريم بتسليط الضوء عليهم، من خلال سلسلة متتابعة، مع صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان.

أبو بكرٍ الصديق

لربما تعجز الكلمات أن تعطي لهذا الصحابي الجليل حقه من السرد والوصف والتفصيل، إلا أننا من الممكن أن نلخص هامشًا من حياته في السطور القليلة التالية.

*التعريف بالصحابي الجليل*

هو “عبد الله بن أبي قحافة”، وهو اسمه قبل ظهور الإسلام وبعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة وهو من قبيلة قريش، وقد ولد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلاثة أعوام، أمه هي “أم الخير سلمى بنت صخرٍ التيمية” وهي بنت عم أبيه، كان أبو بكرٍ يعمل بالتجارة، وكان من أثرياء مكة المعروفين، وكان أنسبُ قريشًا لقريش، وأعلم قريش بها وبما فيها من خيرٍ وشرٍ، عُرف عن حسن الخلق، وكان مألوفًا ومحبوبًا لدى الرجال، وقد اعتنق الدين الإسلامي دون تردد، وهو أول من أسلم من الرجال الأحرار وقد أخذ يدعو لدين الله، واستجاب بفضل الله على يديه عددٌ من أهل قريش، ومنهم الصحابي الجليل “عثمان بن عفان”، و”الزبير بن العوام”، و”عبد الرحمن بن عوف”، و”الأرقم بن أبي الأرقم”، وقد احتضنت دار الأخير الفترة الأولى العصيبة من عمر الدعوة الإسلامية.

*تسميته بالصديق*

أما عن تسمية الصحابي الجليل وتلقيبه بـ “الصديق”، فلهذا قصة معروفة، فقد لُقب “أبو بكر” بهذا الاسم، لكثرة تصديقه للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، وقد حاز هذا اللقب من النبي نفسه، حيث كان يصدق كل ما يصدر عن النبي المصطفى صلوات ربي وتسليماته عليه، من قولٍ أو عمل، وفي هذا نستشهد بما ورد عن السيدة عائشة بنت أبي بكرٍ رضي الله عنه، حيث قالت، أن جماعة من قريش، جاؤوا إلى أبي بكرٍ، وأخبروه أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول أنه قد أُسري به إلى السماء، فما كان من إلا أن سألهم هل قال النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، فقالوا: نعم، فأجابهم الصحابي الجليل أنه على حق، وأن كل ما يقول النبي صلى الله عليه وسلم صدق، وكان لأبي بكرٍ الكثير من الألقاب الأخرى، من بينها “العتيق”، و”الصاحب”، و”الأواه”، و”الأتقى”.

*مولده وإسلامه*

ولد الصحابي الجليل أبو بكرٍ الصديق في مكة المكرمة، وذلك بعد عام الفيل، وقد نشأ وترعرع في مكة المكرمة، وهو أحد وجهاء قريش وأشرافها في الجاهلية، وكما ذكرنا، فقد اشتهر أبو بكرٍ بعلمه بالأنساب وأخبار العرب، وقد عُرف عنه أنه كان تاجرًا ذا خُلقٍ كريمٍ، ولم يُعرف عنه أنه لم يشرب الخمر قط في الجاهلية، وكان من أعف الناس، وورد عنه أنه لم يسجد لصنم من قبل.

أما عن إسلام الصحابي الجليل، فبحكم عقله التجاري، وأسفاره العديدة بين البلدان المختلفة، فقد أمكنه ذلك التميز بين الحق والباطل، وكان مفرقًا أيضًا الصالح من الصالح، ولقد كان إسلامه وليد طريقٍ طويلٍ في البحث عن الدين الصحيح والطريق الحق القويم، ومع ظهور الدين الإسلامي، وبعثة النبي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، فقد رأى في الدين الإسلامي طريقًا للحق والصلاح، وقد أسلم بين يدي النبي صلوات ربي وتسليماته عليه، إلا أنه تأخر في إشهار إسلامه في بادئ الأمر خوفًا من قومه، وكان أبو بكرٍ الصديق أول من أسلم من الرجال.

*جهاده بنفسه وماله*

جهاد أبو بكرٍ الصديق تنوع ما بين الجهاد بالمال والجهاد بالنفس، أما عن الأول، فقد أنفق الصحابي الجليل معظم أمواله على شراء من أسلم من العبيد ليحررهم من قيد العبودية، ويخلصهم من الاضطهاد والتعذيب على أيدي ساداتهم من مشركي قريش، فقد أعتق الصحابي “بلال بن رباح” وستة آخرون من بينهم “عامر بن فهيرة”، و”أم عبيس”، وقد نزل في حقه بهذه المناسبة قرآنًا يُتلى إلى يوم القيامة، في سورة الليل: ” وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى وَلَسَوْفَ يَرْضَى”.

أما عن الجهاد بالنفس، فقد شارك الصحابي الجليل في الكثير من الغزوات مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن بينها “غزوة تبوك”، و”غزوة بدر”، و”غزوة أحد”، و”غزوة بني النضير”، وغيرها الكثير، وقد شهد أبو بكرٍ الصديق مع النبي صلى الله عليه وسلم “صلح الحديبية” و”سرية نجد”.

*منزلته من رسول الله وصحبته له*

أما عن منزلة الصحابي الجليل أبي بكرٍ الصديق من النبي صلى الله عليه وسلم، فيمكن القول، أن أبي بكرٍ كان من أقرب الناس إلى رسول الله، فهو أول من أسلم من الرجال، وأول من صدق النبي صلى الله عليه وسلم بعد زوجته خديجة رضي الله عنها، وكان أبي بكر من أعظم الناس منزلة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد قال فيه “إِنَّ أَمَنَّ النَّاسِ عَلَيَّ فِي مَالِهِ وَصُحْبَتِهِ أَبُو بَكْرٍ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا، وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الْإِسْلَامِ، لَا تُبْقَيَنَّ فِي الْمَسْجِدِ خَوْخَةٌ إِلَّا خَوْخَةَ أَبِي بَكْرٍ”.

كما وصف النبي صلى الله عليه وسلم أبو بكرٍ الصديق، بأنه كان أرحم الأمة للأمة، كما أنه أول من يدخل مع النبي صلى الله عليه وسلم الجنة، فقد قال: ” أما إنك يا أبا بكر أول من يدخل الجنة من أمتي”، كما قال أنه صاحبه على الحوض: ” أنت صاحبي على الحوض ، وصاحبي في الغار”.

ولأبو بكرٍ الصديق منقبة مهمة، فهو والد أم المؤمنين “عائشة رضي الله وأرضاه”، ولهذا كان أبو بكرٍ الصديق عظيم الإفتخار بقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومصاهرته له، فقال: ” وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَرَابَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ أَصِلَ مِنْ قَرَابَتِي”.

أما عن الصحبة في حياة أبو بكرٍ الصديق، فقد سجل له القرآن الكريم شرف صحبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم، أثناء هجرته إلى المدينة المنورة، فقال تعالى في الآية 40 من سورة التوبة: ” إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ۖ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَىٰ ۗ وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ”.

*خلافة أبو بكرٍ الصديق*

جاءت خلافة أبو بكرٍ الصديق بعد النبي صلى الله عليه وسلم، بتفويضٍ ضمنيٍ من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد أمر المصطفى صلوات ربي وتسليماته عليه، في أيام مرضه الأخيرة، أبي بكرٍ الصديق أن يصلي بالمسلمين، وعقب وفاته صلى الله عليه وسلم، بويع أبو بكرٍ بالخلافة في سقيفة بني ساعدة، ويروى عنه أنه كان زاهدًا فيها ولم يسع إليها، وقد رفض أبو بكرٍ عرض الخلافة من صحابة رسول الله أكثر من مرة، إلا أنه بعد إلحاحٍ منهم وافق على تولي المسؤولية.

ويُذكر أن عمر بن الخطاب قد دخل ذات مرة على أبي بكرٍ الصديق فوجده يبكي، فسأله عن ذلك، فأخبره: ” يا عمر لا حاجة لي في امارتكم !!” فرد عليه عمر: ” أين المفر ؟ والله لا نقيلك ولا نستقيلك “.

*وفاة أبو بكرٍ الصديق*

قبل وفاة أبي بكر الصديق، مرض مرضًا شديدًا طيلة خمسة عشر يومًا، فارق بعدها الحياة في يوم الإثنين، ليلة الثلاثاء، في الثاني والعشرين من شهر جمادى الآخرة لسنة 13 هـ، وقد دُفن إلى جوار رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولما كان اليوم الذي قُبض فيه أبو بكرٍ الصديق عم البكاء أرجاء المدينة المنورة، واستشعره الناس كيوم قبض الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد جاء علي بن أبي طالب رضي الله عنه، باكيًا مُسرعًا وهو يُردد: “اليوم انقطعت خلافة النبوة”، حتى وقف على البيت الذي قُبض فيه أبو بكرٍ الصديق، فقال: ” رحمك الله يا أبا بكر، كنت أول القوم إسلامًا، وأكملهم إيمانًا، وأخوفهم لله، وأشدهم يقينًا، وأعظمهم عناءً، وأحوطهم على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، وأحدبهم على الإسلام، وآمنهم على أصحابه، وأحسنهم صُحْبة، وأفضلهم مناقب، وأكثرهم سوابق، وأرفعهم درجة، وأشبههم برسول الله -صلى الله عليه وسلم- به هدياً وخُلُقاً وسمتاً وفعلاً”.

ربما يعجبك أيضا