كتبت – علياء عصام الدين

عندما نتذكر الأيام القديمة نتحسر أيمَا تحسر، لقد صارت حلمًا يروادنا، و لأن ساعتنا الآن ساعات “مرة” نبكي على الماضي بقوة.

 إنها أيام ما مررنا بها من قبل، أيام “غليظة” خالية من المعنى والروح، وكل البشائر تشير إلى أن القادم أسوأ وأشد قسوة.

 نحيا الآن حياة إلكترونية جافة، انقطعت أو كادت رسائل الحب والعيد والمواساة الرقيقة الصادقة الحقيقية، لتصبح سريعة مقولبة ومعدة مسبقًا مثل الوجبات السريعة، “تيك آوي”.

أدعية رمضانية فارغة من المضمون جوفاء لا إحساس فيها ولا معنى سوى أنه يجب أن ترسلها وتعيد إرسالها إلى عشرة من الأصدقاء الإلكترونيين “آدام الله عشرتنا الإلكترونية”!
 
بعد أن كان المؤذن قديمًا بصوته العذب ينبهنا للصلاة، وبعد أن كانت دوافعنا ورغبتنا الداخلية في العبادة ليلًا ونهارًا تدفعنا دفعًا بحب وبقوة وبعزم للقيام بواجباتنا وأكثر، أضحت التطبيقات الرمضانية هي المدير اليومي ليومك في رمضان.

تطبيقات في كل حدب وصوب واحدة لوصفات رمضان وأخرى للتذكير بالصلوات الخمس وثالثة للذكر والدعاء ورابعة لتلاوة القرآن، فلا داعي للتعب وتصفح الجرائد والبحث والاجتهاد، فكل شئ جاهز ليوفر لك الوقت والجهد ويجعلك أكثر خواء من الداخل.

لم تنتهي القصة بعد فمع نهاية رمضان أيضًا لست بحاجة للنزول للبحث عن مستحقي الزكاة، فليس لديك متسع من الوقت لهذا الشعور بالنشوى والتآلف والتمازج الروحي بينك وبين الفقراء والمحتاجين، لا تقلق فهناك تطبيق سوف يريحك من التفكير في هذا أيضًا، إذ يتم إخراج زكاة الفطر قبل حلول العيد عبر تطبيق آخر وبكبسة زر.

“أنت صائم” لا بد أنك ستمضي ساعات إضافية في تصفح الإنترنت، وهذا ليس تكهنا شخصيا فقد أظهرت دراسات أن المسلمين سيقضون 57 مليون ساعة إضافية على مواقع التواصل الاجتماعي لاسيما في الفترة الممتدة من منتصف الليل إلى موعد السحور.

مركز “فيسبوك أي كيو” قام بتقييم سلوكيات شعوب الشرق الأوسط وتوقع أن يزيد عدد مستخدمي الموقع بنسبة 5% خلال رمضان وليس هذا فقط بل قام بتحديد نوعية المحادثات التي ستجمعهم وتقسيمها إلى ثلاث مراحل ما قبل الصيام وهي مرحلة الاكتشاف والإلهام والتي نتطرق فيها إلى الحديث عن قرب حلول الشهر، ومرحلة حلول رمضان والتي يرتبط فيها المستخدمون بهواتفهم بشكل أكبر، والمرحلة الثالثة والتي سمتها “العشر الآواخر” والتي تمتد طيلة الأسبوع الأخير من الصيام وتسيطر فيها مواضيع العيد.

هذه الاستراتيجية حولت ممارسات “الروح” إلى “أرقام  وتطبيقات وإحصائيات تعكس موتًا سريريًا للروحانيات على يد التكنولوجيا الحديثة.

أصبحنا نكتفي برسالة “إس إم إس” بها فانوس أو عبارة تهنئة بدًلا من الزيارات أو حتى الاتصال الهاتفي، وكأنها – مواقع التواصل والتطبيقات الذكية- أصابتنا بالخرس والشلل على السواء.

يحضرني قصة متواترة عن مؤذن مغمور في حارة مصرية عتيقة، اعتصره الجوع قبل الإفطار فكان متعبًا متجهمًا، فسأله ابنه الصغير “أمي تسألك ماذا تريد أن تأكل” فاختلط عليه الأمر وأجاب “ملوخية يا رسول الله”.

فليس لدينا ما نقوله سوى إجابة ذلك المؤذن على ابنه في ليلة رمضانية “أًصيلة”، “ملوخية” ولكنها ليست من شدة الجوع بل من شدة الأسف.

ربما يعجبك أيضا