مع الصحابة في رمضان: عمر بن الخطاب

حسام السبكي

إعداد – حسام السبكي
مع ظهور الإسلام، وبعثة النبي المصطفى محمد صلى عليه وسلم بالرسالة، كان لابد للدين الجديد من ظهر يحميه وأتباع يؤمنون به ويصدقون بما جاء على لسان رسوله، كما هي العادة في مختلف الأديان السماوية، وكان في صدارة هؤلاء الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، فهما خيار الأُمة، وأكثر من وردت في فضائلهم أحاديث نبوية شريفة، وعن طريقهم وصل الدين الصحيح إلى المسلمين حتى الآن، وعليه كان اهتمامنا في هذا الشهر الكريم بتسليط الضوء عليهم، من خلال سلسلة متتابعة، مع صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان.

عمر بن الخطاب

إذا كان هناك من يستحق أن يُلقب بإمام العدل، في حقبة ما بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا كان هناك من مُنح شرف التفريق بين الحق والباطل فلُقب بالفاروق، وإذا كان هناك من تهابه الشياطين حتى إذا رأته في طريق سلكت طريقًا آخر، فإنه ولا شك، فخر الأمة الإسلامية وعزها عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه.

الاسم والنسب

إنه “أبو حفصٍ عمر بن الخطاب العدوي القرشي”، أبوه هو “الخطاب بن نفيل بن عبد العزى”، أما أمه فهي “حنتمه بنت هشام بن المغيرة”، لقبه النبي صلوات ربي وتسليماته عليه بـ “الفاروق”، وهو من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن أوائل الداخلين في الدين الإسلامي، وهو ثاني الخلفاء الراشدين بعد أبي بكرٍ رضي الله عنه، وهو كذلك من العشرة المبشرين بالجنة، ويعد من أهم القادة في التاريخ الإسلامي، ومن أكثرهم قوةً وتأثيرًا.

ولد عمر بن الخطاب بعد عام الفيل بـ 13 عامًا، أي في عام 40 قبل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم في شبه الجزيرة العربية، وهو الموافق للعام 590 ميلادية تقريبًا، وقد تولى عمر بن الخطاب الخلافة الإسلامية عقب وفاة أبي بكرٍ الصديق في عام 634 ميلادية الموافق لـ 13 هجرية، وكان قاضيًا عادلًا ومنصفًا، ولذا لقبه المصطفى صلى الله عليه وسلم بالفاروق، حيث فرق بين الحق والباطل.

إسلام عمر بن الخطاب

كلنا نعرف القصة الشهيرة لإسلام عمر بن الخطاب، والذي شكل إسلامه حدثًا فريدًا ونقطة تحول هامة في مسيرة الدعوة الإسلامية الوليدة، فقد أشهر عمر بن الخطاب إسلامه في السنة السادسة من بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، حيث كان “الخباب بن الأرت” و”سعيد بن زيد” زوج “فاطمة بنت الخطاب” يعلمانها القرآن الكريم، حتى إذا دخل عليهم “عمر بن الخطاب” حاملًا سيفه الذي خرج به لينتقم من المسلمين ورسولهم، إلا أنه القرآن لم يكد يمر على مسامعه، حتى شرح الله صدره للحق، وصاح فيهم أن “دلوني على محمد”.

فلما سمع خباب بما قاله عمر، حتى خرج من مخبأه مستبشرًا فقال: ” يا عمر والله إني لأرجو أن يكون الله قد خصك بدعوة نبيه -صلى الله عليه وسلم- ، فإني سمعته بالأمس يقول 🙁 اللهم أيد الإسلام بأحب الرجلين إليك ، أبي الحكم بن هشام ، وعمر بن الخطاب)، فعاجله عمر: “وأين أجد الرسول الآن يا خباب؟”، فأجابه خباب: ” عند الصفا في دار الأرقم بن أبي الأرقم “.

وعلى الفور، توجه عمر بن الخطاب إلى دار الأرقم بن أبي الأرقم، فتحضر له النبي صلى الله عليه وسلم، آخذًا بمجامع ثوبه وحمائل سيفه استعدادًا للقتال، فوجه صلى الله عليه وسلم كلامه لعمر قائلًا: “أما أنت منتهيا يا عمر حتى يُنزل الله بك من الخزي والنكال ما أنزل بالوليد بن المغيرة ؟ اللهم هذا عمر بن الخطاب ، اللهم أعزّ الدين بعمر بن الخطاب”، فرد عليه عمر بن الخطاب: ” أشهد أنّك رسول الله”.

وبإسلام عمر بن الخطاب أخذ الدين الإسلامي قوة ومنعة في مكة المكرمة، وقد شجع النبي صلى الله عليه وسلم على الهجرة فقال: ” والذي بعثك بالحق لتخرجن ولنخرجن معك”، وقد توجه المسلمون بصحبة عمر بن الخطاب، ودخلوا إلى المسجد الحرام، وقاموا بالصلاة حول الكعبة المشرفة، دون أن يجرؤ المشركون على التعرض لهم أو منعهم، ولهذا سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم بـ “الفاروق”، الذي فرق الله به بين الحق والباطل.

ملامح شخصية عمر بن الخطاب

أما عن أبرز ملامح شخصية الصحابي الجليل عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقد عُرف بتقواه الشديد وورعه، وخاصةً في الفترة التي تولى فيها الخلافة الإسلامية بعد أبي بكرٍ الصديق رضي الله عنه، كما اشتهر بقوته في الحق، والذي كان لا يخشى فيه لومة لائم، وقد تميز أيضًا بكثرة اهتمامه بالعلم الشرعي، وخاصةً علم الحديث النبوي الشريف، فقد كان عمر من الحافظين لأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد نهل من العلم من ينبوعه الأصيل في المدينة المنورة، إلى الحد الذي دعا رسول الله للحديث عنه فقال: ” لقد كان فيما قبلكم من الأمم محدثون، فإن يك في أمتي أحد فإنه عمر”.

ذكر عمر بن الخطاب في الأحاديث النبوية الشريفة

أما عن ذكر عمر بن الخطاب في الأحاديث النبوية الشريف، فقد ورد ذكره في العديد من الأحاديث التي تبين فضائله رضي الله، منها قوله صلوات ربي وتسليماته عليه: ” إن الله سبحانه جعل الحق على لسان عمر وقلبه “، و” الحق بعدي مع عمر حيث كان “، و ” لو كان بعدي نبيّ لكان عمر بن الخطاب “، و” إن الشيطان لم يلق عمر منذ أسلم إلا خرَّ لوجهه “، و ” ما في السماء ملك إلا وهو يوقّر عمر ، ولا في الأرض شيطان إلا وهو يفرق من عمر”.

خلافة عمر

مع قرب أجل أبي بكرٍ الصديق، واستشعاره بخطر ترك موقع الخلافة، دون استخلاف لأحد الصحابة الكرام، فقد رغب في ترك موقعه لشخصية قادرة على تحمل المسؤولية من بعده، وقد اتجه رأيه صوب “عمر بن الخطاب”، وقد استشار في ذلك عددًا من الصحابة، من المهاجرين والأنصار، والذين أثنوا عليه خيرًا، فقد قاله فيه “عثمان بن عفان”: ” اللهم علمي به أن سريرته أفضل من علانيته ، وأنه ليس فينا مثله “، وبعد تلك المشورة، وهذه التزكية من صحابة رسول الله لعمر بن الخطاب، وحرصًا على وحدة المسلمين وحفاظًا على مصالحهم، أوصى “أبو بكرٍ الصديق”، بأن يخلفه في موقعه “عمر بن الخطاب”، وساق لهذا سببًا قائلًا: ” اللهم اني لم أرد بذلك الا صلاحهم ، وخفت عليهم الفتنة فعملت فيهم بما أنت أعلم ، واجتهدت لهم رأيا فوليت عليهم خيرهم وأقواهم عليهم”، ثم توجه أبي بكر بالسؤال إلى عموم المسلمين فقال: “أترضون بمن أستخلف عليكم ؟ فوالله ما آليت من جهد الرأي ، ولا وليت ذا قربى ، واني قد استخلفت عمر بن الخطاب فاسمعوا له وأطيعوا”، وقد رد المسلمون بالقول: ” سمعنا وأطعنا “، وقد بايعوه في سنة 13 هجرية.

استشهاد عمر بن الخطاب

كان عمر بن الخطاب رضي الله يتمنى أن يلقى ربه شهيدًا، ويدعوا الله عزوجل أن ينال شرف الشهادة، فقد كان يردد: ” اللهم أرزقني شهادة في سبيلك واجعل موتي في بلد رسولك “، وذات يومٍ وبينما كان يؤم المسلمين في صلاة الفجر بمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث طعنه “أبو لؤلؤة المجوسي” الفارسي، وهو غلام للمغيرة بن شعبة، فسدد له عدة طعنات أسفرت عن وفاته ليلة الأربعاء قبل انتهاء شهر ذي الحجة بثلاثة أيام، في سنة 23 هجرية، ولما علم أن قاتله هو ذلك المجوسي، حمد الله تعالى، أن قاتله لم يسجد لله سجدة يحاجه بها أمام الله يوم القيامة، وقد دُفن إلى جوار رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكرٍ الصديق، في المسجد النبوي الشريف، بالمدينة المنورة.
 

ربما يعجبك أيضا