“رمضان”.. مدرسة اقتصادية متكاملة

حسام عيد – محلل اقتصادي

يعد شهر رمضان الكريم من الشهور الهجرية المميزة والمحببة إلى المسلمين لما فيه من صفات ونعم روحانية خصها الله به، كما أنه يؤثر في طبيعة وسلوك الإنسان في كافة الأمور الدينية، الاجتماعية، الثقافية وحتى الاقتصادية، فهو يعرف بمدرسة الثلاثين يوما.

على الصعيد الاقتصادي، فالشهر الكريم مليء بالدروس التي تسهم في التربية الاقتصادية المتكاملة للإنسان، ففريضة الصوم بها الكثير من الجوانب الاقتصادية، نسردها فيما يلي؛

تحسين الجانب الصحي

تؤكد كثير من الدراسات على الفوائد الصحية للصوم عبر تقليل الوجبات اليومية والامتناع عن الطعام والشراب طيلة النهار مما يؤدي إلى راحة الجهاز الهضمي والتخلص من السموم والفضلات المتراكبة على مدار إحدى عشر شهرا.

لكي يدرك الإنسان أهمية الصوم الصحية يكفي أن يذكر أن ألمانيا افتتحت مستشفيات خاصة لا تعالج إلا بالصوم على الطريقة الإسلامية، وقد أثبتت هذه الوسيلة فعاليتها.

كما ذكرت بعض الدراسات أن صلاة التراويح تزيد من معدل التمثيل الغذائي في العضلات مما يؤدي لتوسيع الأوعية الدموية ومن ثم تقوية عضلة القلب وتنشيط الدورة الدموية.

ومن منظور اقتصادي؛ فإن تحسين الجانب الصحي يترتب عليه تخفيض النفقات والأموال التي ينفقها الفرد على علاج الأمراض مما يعد توفيرا لهذه الأموال وإنفاقها في سلع استهلاكية أو استثمارية أخرى مما ينعش الأسواق وينمي الاقتصاد، كما يخفض من إنفاق الدولة على الصحة وتوجيه هذه الأموال لمجالات أخرى.

تنمية الموارد البشرية

يعد العنصر البشري من أهم عناصر الإنتاج الاقتصادي والتي يجب العمل على الحفاظ عليها وتنميتها، ومن بين ما يهتم به علم التنمية البشرية تنمية قدرات الإنسان، وطاقاته البدنية والعقلية والنفسية والروحية، ولا شك أن شهر رمضان يمنح الفرصة لتدريب العنصر البشري على ضبط النفس وحسن التعامل مع الآخرين وتحسين المزاج الانفعالي وطيب الأخلاق.

التزام الصائم بهذه الأخلاقيات ينعكس بالإيجاب على المجتمع ويزداد الترابط بين أفراده من جهة وتحسين بيئة العمل وسيادة الأخلاق داخل مؤسسات الدولة من جهة أخرى مما يؤدي للارتقاء بالعنصر البشري كأحد أهم عناصر الإنتاج.

زيادة الأعمال الخيرية

يتعلم الإنسان في شهر رمضان المبارك المعنى الاقتصادي للبركة والذي يدفعه إلى مضاعفة الحسنات والمسابقة في الخيرات ولا شك أن الحكمة الأساسية من فرض الصيام تتمثل في الوصول إلى التقوى.

ومن ثم فإن الصوم يكون سببا في استجلاب الرزق بمعناه المادي والبركة بمعناها الروحي والمعنوي، ومن الأهمية بمكان أن توجه هذه البركة والزيادة في الرزق إلى الادخار والبر.

يعتبر شهر رمضان مدرسة اقتصادية ذات خصائص كامنة في جوهر فريضة الصيام، باعتباره مرتبطا بقوى اقتصادية، مثل: الاستهلاك والإنفاق والأموال، ودرجة الحاجة، ودرجة الإشباع، وأن تحريك هذه الخصائص وتنشيط فاعليتها هو مهمة البشر في الأمة الصائمة، على مستوى الأفراد؛ ضبطا لاستهلاكهم، وتقويما لسلوكهم الاقتصادي، وعلى مستوى المؤسسات؛ توفيرا للنظم الكفيلة بحسن تجميع وتوجيه أموالِ الكَفارة، وأموال الزكاة والصدقة، وحسن توظيف قوتها الاقتصادية.

ترشيد الاستهلاك

يساهم الصوم في تدريب الفرد على توازن السلوك الاقتصادي عبر تقليل كمية الاستهلاك الغذائي فالأصل في الصوم أنه امتناع عن الاستهلاك خلال فترة النهار التي تمتد إلى ما يزيد عن 15 ساعة وهي عادة الفترة التي يحتاج فيها الإنسان إلى الاستهلاك.

ويعني تخفيض عدد الوجبات من ثلاثة إلى اثنين، وهو ما يمثل انخفاض ثلث الاستهلاك الطبيعي للفرد ومن ثم توجيهه نحو الادخار من جهة، والحفاظ على مستوى أسعار السلع من جهة أخرى.

لكن اليوم في عالمنا العربي والإسلامي، هناك علاقة طردية بين شهر الصوم وبين الاستهلاك المبالغ فيه، فالجميع يركض نحو دائرة الاستهلاك، والاستعداد للاستهلاك في رمضان يبدأ مبكرا، مصحوبا بآلة رهيبة من الدعاية والإعلانات، التي تحاصر الأسر العربية والإسلامية في كل وقت، ومِن خلال أكثر من وسيلة، وبالتالي يكون الإنسان مهيأ للوقوع في دائرة الاستهلاك الرهيبة.

وأكدت تقارير اقتصادية إن استهلاك الأسر يزيد في رمضان للضعف، وهي عادات استهلاكية سيئة، مع أن شهر ‏رمضان عملياً يجب أن يكون أقل ‏استهلاكاً؛ بحكم أن ثلاثة أرباع اليوم “صيام”، ولكن ممكن أن تجبر العادات والتقاليد العديد من الأسر ‏على استهلاك أنواع ‏معينة من الغذاء؛ فيزداد الطلب عليها حتى تصل إلى 20%، إذا لم تكن أكثر من ذلك، حيث ترتفع نسبة ‏الاستهلاك خلال ‏شهر رمضان لمعدلات تصل إلى 150% زيادة على معدلات الاستهلاك خلال الشهور العادية‏‎‏.

إعادة توزيع الثروات

يعتبر شهر رمضان فرصة للصائم للإحساس بألم الفقير ومعاناته وحرمانه؛ فكثير من المسلمين يفترشون الأرض، ويلتحفون السماء، ولا يجدون ما يسد رمقهم؛ فما أحوج الصائم إلى تذكر هؤلاء والتكافل معهم، والأخذ بأيديهم للرفع من مستواهم الاقتصادي، وهذا بدوره يؤدي إلى تداول المال، وقيام نوع من التوازن الاقتصادي والاجتماعي بين أفراد المجتمع.

وشرع الإسلام أحكاما مالية متعلقة بالصوم بقصد إعادة توزيع الثروات والدخول بين أفراد المجتمع، ومن بين هذه الأحكام فدية العجز عن الصوم، وصدقة الفطر، وبعض الكفارات، إضافة إلى الجود والكرم والصدقات التطوعية التي توجه لصالح الفقراء والمحتاجين، وكل ذلك من شأنه أن يحدث توزان بين الدخول.

لا شك أن ذلك يعود على المجتمع بتنشيط اقتصاده ودوران عجلة الإنتاج؛ إذ يقبل الفقراء على شراء احتياجاتهم الأساسية فيزيد الاستهلاك ومن ثم الإنتاج وتنتعش الأسواق مما ينعكس في النهاية على الاقتصاد الكلي للدولة.

زيادة الإنتاج وتحسين كفاءته

يعلم الصائم أن الله مطلع عليه ويعلم الجهر وما يخفى، وأن الصيام سر بين العبد وربه، وأن ثمرة الصيام هي التقوى، وهذا الأمر خير وسيلة للتربية على الرقابة الذاتية التي تدفعه إلى بذل المزيد في عمله واستغلال وقته بطريقة مثالية.

فالصيام وسيلة لمضاعفة الجهد وتربية للمؤمن على التحمل والصبر، لذا فإن الصوم ارتبط لدى السلف الصالح بالعمل والإنتاج وكثير من الإنجازات والانتصارات لم تتحقق إلا في رمضان.

وكما يزيد الإنتاج تتحسن أيضا نوعيته، إذ أن البعد الروحي للصوم يدفع المسلم لمزيد من الإتقان والأمانة والرغبة في تحري الحلال والابتعاد عن كل مظاهر الحرام كالربا والغش والتدليس وأكل أموال الناس بالباطل مما ينعكس بالإيجاب على العملية الإنتاجية.

ربما يعجبك أيضا