بعد قرار قطع العلاقات.. “تسونامي اقتصادي” يضرب قطر

حسام عيد – محلل اقتصادي

بعد اتباع قطر نهجا هجوميا على دول الخليج العربي والمنطقة في الآونة الأخيرة بغرض تأزيم الأوضاع وزعزعة الاستقرار وإثارة الفتن، وضربها لإعلان الرياض الأخير القاضي بمحاربة الإرهاب وعزل إيران دوليا، بعرض الحائط، وتأكيد أميرها “تميم بن حمد” انحيازه التام لإيران، وكأن قطر عنصرا خائنا في المنطقة وحان الوقت لتأديب نظامها الحاكم وحماية الدول العربية والخليجية من سمومه، وجاء الرد الخليجي والعربي قاسيا حيث قطعت كل من مصر والمملكة العربية السعودية ومملكة البحرين ودولة الإمارات العربية المتحدة، علاقاتها الدبلوماسية والقنصلية مع دولة قطر، فجر اليوم الإثنين الموافق 5 يونيو 2017، حفاظًا على أمنها من مخاطر الإرهاب.

قرار صارم يحمل في طياته تداعيات اقتصادية كبيرة لقطر، على القطاعات الحيوية كافة، وقطاع التجارة والأعمال خاصة، الأمر الذي قد يدفع الاقتصاد القطري إلى الدخول في نفق مظلم.

انهيار البورصة القطرية

جاء وقع القرار كالصدمة على البورصة القطرية، حيث سجلت هبوطا حادا بأكثر من 8% في بداية تداولات جلسة، اليوم الإثنين.

وتراجعت كافة الأسهم القطرية، وانخفض العديد منها بالحدود القصوى بعد قرار قطع العلاقات.

فيما تراجع سهم بنك قطر الوطني (أكبر بنك في قطر ومحفظة السيولة)، أكثر من 10%.

وتضم البورصة كبرى الشركات القطرية المملوك العديد منها من قبل الحكومة القطرية، المتحكمة بمفاصل الاقتصاد القطري.

وستتأثر نتائج شركات كصناعات قطر، مسيعيد للبتروكيماويات، والناقلات، وغيرها، التي تتوزع أعمالها في دول مختلفة وعملياتها الاستراتيجية بقرار قطع العلاقات الأخير، مما يفسر عمليات البيع على أسهمها في حركة استباقية من قبل المستثمرين.

تراجع السندات الدولارية

هبطت السندات الدولارية السيادية لقطر استحقاق 2026 لأدنى مستوياتها منذ مارس، بعد أن قطعت السعودية ومصر والإمارات العربية المتحدة والبحرين العلاقات مع الدوحة واتهمتها بدعم “الإرهاب”.

وتراجعت السندات الدولارية السيادية لقطر استحقاق 2026 بواقع 1.8 سنت إلى 99 سنتا للدولار، كما هوت السندات الأقصر أجلا استحقاق 2019 وسجلت أقل مستوى لها منذ أواخر 2013 على الأقل.

تضرر قطاع التجارة والأعمال

سيحتم إغلاق الدول الأربع لكافة المنافذ البحرية والجوية أمام الحركة القادمة والمغادرة إلى قطر، ومنع العبور لوسائل النقل القطرية كافة القادمة والمغادرة، على الخطوط القطرية والتي تعتبر رافدا اقتصاديا أساسيا لقطر، تسيير رحلات أطول خاصة إلى إفريقيا، ما يقوض نموذج عملها المعتمد على مسافري الترانزيت.

أما التجارة البرية، ستتوقف بالكامل، لاقتصار الحدود البرية على السعودية، ومن ثم سيتأذى المستهلك القطري.

وبالفعل، هرع العديد من المواطنين والمقيمين في قطر إلى المتاجر، لتخزين المواد الغذائية، بعد الاستيقاظ على خبر إغلاق السعودية لحدودها البرية مع قطر، حيث كان يتم استيراد قدرا كبيرا من المنتجات الغذائية عبرها.

وشهدت العديد من متاجر التجزئة وحتى محلات البقالة الشعبية سلوكا غريبا للمستهلكين، حيث ملؤوا عربات تسوقهم عن آخرها، بزجاجات حليب وماء وأكياس من الأرز، والبيض، وبضائع أخرى.

ولم ينحصر التكدس على متاجر التجزئة الكبرى، بل شهدت المتاجر الصغيرة ازدحاما كبيرا من جانب المستهلكين.

وتعتبر السعودية والإمارات من أهم الشركاء التجاريين لقطر، وتبرز أهمية الدولتين بشكل خاص في ملف تجارة الغذاء.

فبحسب بيانات عام 2015، تأتي الدولتان في المرتبة الأولى والثانية من حيث الدول المصدرة للمواد الغذائية إلى قطر وبإجمالي 310 ملايين دولار.

أما في تجارة المواشي، فتأتي السعودية في المرتبة الأولى للمصدرين والإمارات في الخامسة بإجمالي 416 مليون دولار.

وفي تجارة الخضراوات تأتي الإمارات في المرتبة الثانية والسعودية في الرابعة من حيث المصدرين وبإجمالي 178 مليون دولار سنويا.

ومن ناحية تجارة الوقود، تأتي البحرين في المرتبة الأولى من حيث المصدرين، والإمارات في المرتبة الثانية وبإجمالي نحو 200 مليون دولار.

أما في المعادن فتأتي الإمارات في صدارة الدول المصدرة لقطر وبإجمالي سنوي يفوق النصف مليار دولار.

ومع توقف التجارة البرية، حلم استضافة مونديال 2022 سيصادف عقبة كبيرة مع اعتماد قطر على الحدود البرية السعودية في استيراد غالبية متطلبات البناء الضخمة التي يحتاجها المشروع.

وعلى صعيد الأعمال والاستثمارات المصرفية، أوقفت بعض البنوك المصرية تعاملاتها مع البنوك القطرية.

تخارج الاستثمارات

في حال تصنيف قطر كدولة غير مرغوب فيها ستكون حدة التنافسية للشركات القطرية مصابة بانهيار تام، لأن أكثر من 80% من إيراداتها واستثماراتها قادمة من السعودية والإمارات والبحرين.

وسيحدث قرار قطع العلاقات “تسونامي” كارثي في الاقتصاد القطري، وسيكون له تبعات كبيرة من ناحية جذب رؤوس الأموال والاستثمارات الخارجية وتمويل مشروع كأس العالم 2022، فالشركات العالمية ستتجنب قطر وستبحث عن أسواق أخرى لتنفيذ أنشطتها.

خفض التصنيف الائتماني

قرار أشبه بالعقوبات الاقتصادية، فمن المتوقع أن سيؤثر سلبا على التدفقات الرأسمالية على قطر وملاءتها المالية وتصنيفها الائتماني.
في الأسبوع الماضي، خفضت وكالة موديز التصنيف الائتماني لقطر إلى AA3 من AA2 مع تعديل النظرة المستقبلية إلى مستقرة من سلبية.

وتعود أسباب تخفيض التصنيف الائتماني إلى الصعوبات المالية التي تمر بها قطر وخاصة فيما يتعلق بالدين الحكومي العام الذي يصل إلى 150% من الناتج المحلي الإجمالي في 2016، من 110% في 2015 وهو الأعلى ليس فقط بين الدول الخليجية وإنما بين جميع الدول التي تحمل تصنيفات شبيهة.

وقد جاء الارتفاع القوي للدين الخارجي القطري بسبب ارتفاع المطلوبات الأجنبية للمصارف التجارية إلى أكثر من 120 مليار دولار أي بنمو 44% عن مستوياته قبل عام.

كما أن الحساب الجاري لقطر سجل عجزا يساوي 5.5% من الناتج المحلي الإجمالي في 2016، بالإضافة إلى وجود شكوك باستدامة نموذج النمو الاقتصادي في البلاد.

وفي السياق ذاته، تسبب قرار قطع العلاقات في ارتفاع تكلفة التأمين على الديون السيادية القطرية لتبلغ أعلى مستوياتها في شهرين.

وارتفعت عقود مبادلة مخاطر الائتمان القطرية لخمس سنوات نقطتي أساس عن إغلاق يوم الجمعة لتصل إلى 61 نقطة أساس مسجلة أعلى مستوى لها منذ أوائل أبريل.

وترى وكالة موديز إن الأزمة قد تؤثر على التصنيف الائتماني لقطر إذا أدت إلى تعطل حركة التجارة وتدفقات رؤوس الأموال.
 
 
 

ربما يعجبك أيضا