الجبل الأسود ترتمي في أحضان “الأطلسي” وتثير حفيظة روسيا

أميرة صلاح

رؤية – أميرة صلاح

أصبحت جمهورية الجبل الأسود العضو التاسع والعشرين في حلف شمال الأطلسي، وذلك بعد تسليم  وزير خارجية جمهورية الجبل الأسود، سيردجان دارمانوفيتش وثيقة انضمام بلاده إلى الناتو إلى نائب وزير الخارجية الأمريكي توماس شينون، ومنذ هذه اللحظة أصبحت الجبل الأسود عضوا في الناتو بشكل رسمي.

وتأتي هذه الخطوة رغم معارضة موسكو لها، التي تعتبر أن توسع الحلف المستمر ليضم دول أوروبا الشرقية يهدد أمنها، ولا يمكن أن يمر دون اتخاذ إجراءات.

بدوره، وصف رئيس وزراء الجبل الأسود دوشكو ماركوفيتش انضمام بلاده للناتو بـ”حدث تاريخي”، وقال: “أصبحنا اليوم جزءا من أقوى التحالفات والأكثر نجاحا في التاريخ. إن العضوية فيه تعني بالنسبة لنا الاستقرار الثابت”.

وقد لقت هذه الخطوة قبولا من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، حيث أشار نائب وزير الخارجية الأمريكي توماس شانون إلى أن الجبل الأسود قبلت القواعد والتوجيهات التي يعتمد عليها الناتو وأجرت الإصلاحات الهيكلية اللازمة وتحديث قواتها المسلحة.

وشكر شانون السلطات في البلاد لاستعدادها إلى زيادة الإنفاق العسكري بحيث يصل إلى 2 بالمئة من حجم الناتج المحلي الإجمالي حتى العام 2024.

وفي المقابل أظهرت هذه الخطوة بوادر أزمة الدبلوماسية بين بودغوريتسا وموسكو، قالت وزارة الخارجية الروسية إن الجبل الأسود تتحمل «المسؤولية الكاملة» بعد الانضمام إلى عقوبات الاتحاد الأوروبي ضد روسيا في 2014.

وأضافت الوزارة، في بيان، «في ضوء المسار المعادي الذي اختارته سلطات الجبل الأسود يحتفظ الجانب الروسي بحق اتخاذ إجراءات انتقامية على أساس متبادل. في السياسة تماما كما في الفيزياء لكل فعل رد فعل مضاد له الاتجاه».

بداية الأزمة

الأزمة الدبلوماسية الأخيرة بين بودغوريتسا وموسكو تأتي في إطار تفاقم التوترات بين الطرفين منذ سنوات، حيث ظلت العلاقات بين مونيغيرو وروسيا دبلوماسية ودية على مدى ما يقرب من عشر سنوات بعد انفصال الجبل الأسود عن صربيا عام 2006، حيث وثقت موسكو حينها علاقاتها مع الجمهورية اليوغوسلافية السابقة، وانهالت على البلاد الأموال من المستثمرين والسياح الروس، حتى جاءت دعوة حلف الأطلسي إلى مونيغيرو بالانضمام إلى الناتو في عام 2015، وحينها اختارت جمهورية الجبل الأسود إدارة ظهرها إلى روسيا والاتجاه نحو الدول الأوروبية.

حينها جنحت جمهورية الجبل الأسود إلى التحالف مع الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، ودعم سياستهما واتخاذ نفس مواقفهما التي تتعارض بكافة الطرق مع مواقف روسيا على مستوى كافة الأزمات الإقليمية والدولية، وعلى رأسها أزمة انضمام شبه جزيرة القرم إلى موسكو، حيث فرضت جمهورية الجبل الأسود في عام 2014 عقوبات على روسيا، وتبنت سياسات الاتحاد الأوروبي فيما يتعلق بضم روسيا لشبه جزيرة القرم في أوكرانيا، وردت موسكو بإدراج الجبل الأسود على قائمة الدول التي تحظر استيراد المواد الغذائية منها.

جاء انضمام مونيغيرو إلى حلف شمال الأطلسي ليصعد من التوترات بين الطرفين، وخاصة بعد أن أنضمت الجبل الأسود إلى الحلف العسكري، بعد تسليم  وزير خارجية جمهورية الجبل الأسود، سيردجان دارمانوفيتش وثيقة انضمام بلاده إلى الناتو إلى نائب وزير الخارجية الأمريكي توماس شينون، ومنذ هذه اللحظة أصبحت الجبل الأسود عضوا في الناتو بشكل رسمي. 

هذا الأمر ترفضه موسكو تمامًا وتصفه بأنه يهدد أمنها القومي، خاصة أنه يكرس تمدد الحلف في المزيد من دول البلقان، وهو ما يريده الناتو من دعوته جمهورية الجبل الأسود للانضمام إلى الحلف منذ عام 2015، فهذه الجمهورية اليوغسلافية السابقة التي لا يسكنها سوى 650 ألف نسمة، لا تمثل أي ثقل سياسي أو اقتصادي حتى يسعى الناتو إلى اكتسابه، لكنه سيحقق من وراء انضمامها مكسب آخر بعيد المدى، هو إيصال رسالة إلى روسيا بأن الناتو موجود وقريب من الأراضي الروسية، فستصبح مونيغيرو ذراع للحزب العسكري في دول البلقان.

أضف إلى ذلك أن المعارضة داخل الجمهورية ترفض طريقة إقرار الانضمام من عدمه، فالمعارضة ترى بأن الأنسب هو إجراء استفتاء شعبي عام حول هذا الموضوع، وتعتبر أن مثل هذا القرار المصيري يستحق عرضه على الشعب مباشرة ولا يجوز إقراره من قبل البرلمان أو مؤسسات أخرى، الأمر الذي دفعها إلى الإعلان عن مقاطعتها لجلسات البرلمان منذ أكتوبر الماضي، لكن سلطات الجمهورية اليوغسلافية السابقة ضربت بعرض الحائط مطالبات المعارضة، وفي نهاية إبريل الماضي، وافق برلمان الجمهورية اليوغسلافية السابقة على انضمام البلاد لحلف شمال الأطلسي، حيث صوت حينها 46 نائبًا بـ”نعم”، فيما لم يصوت أحد بـ”لا”.

علقت موسكو حينها على هذه الخطوة بالقول: إن سلطات جمهورية الجبل الأسود لم تنصت إلى صوت العقل والضمير وأصرت على قرار الانضمام إلى الناتو، وأعربت حينها وزارة الخارجية الروسية عن الأسف الشديد بشأن القرار، وشددت على تفعيل مثل هذا القرار الهام والأساسي دون الاستماع لرأي شعب الجمهورية، ليس إلا تصرفًا استعراضيًا بحت تم خلاله انتهاك كل قواعد ومبادئ الديمقراطية، وأكدت الوزارة أيضًا أن موسكو لا يمكنها تجاهل العواقب الاستراتيجية لهذه الخطوة، ولذلك يترك الجانب الروسي لنفسه حق اتخاذ القرارات والخطوات اللازمة لحماية مصالح روسيا وأمنها القومي.

ربما يعجبك أيضا