انتخابات بريطانيا.. مغامرة “ماي” على وقع “البريكست”

ولاء عدلان

كتبت – ولاء عدلان

توجه أكثر من 47 مليون ناخب بريطاني منذ الساعات الأولى لصباح اليوم الخميس، إلى مراكز الاقتراع البالغ عددها 40 ألف مركز، لاختيار ممثليهم في مجلس العموم البريطاني البالغ عدد مقاعده 650 مقعداً، في انتخابات مبكرة دعت إليها رئيسة الوزراء تريزا ماي منذ أبريل الماضي، لتعزيز يدها في محادثات الـ”بريكست” التي تلوح في الأفق.

ومن المقرر أن تستمر عملية الاقتراع التي ستجرى في يوم واحد في كل من انجلترا، ويلز، اسكتلندا، وإيرلندا الشمالية، حتى العاشرة مساء بتوقيت لندن، وسط إجراءات أمنية مشددة، تحسبا لأي هجمات إرهابية جديدة على غرار هجمات مانشستر ولندن الأخيرة التي راح ضحيتها نحو 30 شخصا.

ماي من وجهة نظر البعض كانت غير مضطرة لهذه الخطوة إلا أنها كانت تريد الصيد الثمين، لتشكيل حكومة أقوى تدعمها في خطوات الخروج من الاتحاد البريطاني، مستغلة هنا تفكك حزب العمال بعد سحب الثقة من زعيمه، لكن الرياح لا تسير بما تشتهي السفن، إذ أفرزت الحملة الانتخابية العديد من المفاجآت، لعل أهمها صعود شعبية زعيم حزب العمال المثير للجدل جيريمي كوربن، فآخر استطلاع للرأي العام قلص الفارق بين المحافظين والعمال إلى نحو 7 نقاط فقط.

كما أن ماي كانت في حاجة لشرعية شعبية إلى جانب شعبيتها البرلمانية، كونها جاءت إلى رأس الحكم بانتخابات ديمقراطية داخل الحزب بعيد استقالة ديفيد كاميرون، لكنها لم تأتٍ بانتخابات عامة، هذا فضلا عن حاجتها إلى زيادة عدد نواب المحافظين بالبرلمان لاستباق أي معارضة قوية يحركها الجناح اليساري اللين مع أوروبا أو اليمين المتطرف مع أوروبا لأنها لا تريد في المحادثات أن تقبل بأي تسويات على حساب بريطانيا، هذا بحسب تصريحات للمحلل السياسي الدكتور ناصر قلوون لـ”روسيا اليوم”.

مغامرة “ماي” السياسية

إذا هذه الانتخابات مغامرة سياسية تقودها ماي لتعزيز قوتها البرلمانية، لذا كان من غير المستغرب أن تعدَل ماي والتي كانت من قادة حملة البقاء في الاتحاد الأوروبي من مواقفها السياسية لمواكبة تغيّر رغبات الناخبين، كما يقول المحلل السياسي جهاد الخازن في مقال نشرته اليوم صحيفة “الحياة”، إلا أنه يرى أن ماي تريد الخروج الآمن من الاتحاد الأوروبي، إذ ترفض شروطا تريد أن تمليها بروكسل على بلادها، لذا يرجح أن يميل إليها الناخب البريطاني.

ماي المرأة العنيدة كما تحب أن تٌوصف وثاني امرأة تتولى رئاسة الحكومة البريطانية بعد مارجريت تاتشر، صورت نفسها في أكثر من لقاء على أنها سياسية مؤتمنة ستنفذ إرادة الشعب البريطاني باخراج البلاد من الاتحاد الأوروبي بأفضل الشروط الممكنة، لكن البعض بدأ يتشكك في هذا الأمر بعد أن دعت إلى هذه الانتخابات المبكرة، لاسيما وأنها أكدت مرارا فيما سبق أنها لن تفعل ذلك بل ستنتظر إلى موعد الانتخابات الاعتيادية التي كان مقررا اجراؤها في عام 2020 من أجل تجنيب البلاد حالة انعدام الاستقرار .

ومن المبكر الحكم بفوز ماي، إذ يصعب التكهن بتطورات الساعات الأخيرة من عملية الاقتراع، لاسيما وأنها تأتي بعد ضربات إرهابية لقلب لندن هزت صورة الحكومة أمام الرأي العام، فضلا عن التقدم الملحوظ الذي سجله منافسها الشرس كوربن خلال حملته الانتخابية، مستندا إلى 30 عاما قضاه في المقاعد الخلفية في مجلس العموم مناصرا لقضايا خلافية ومثيرة للغط ومصوتا حسب ضميره دون الرضوخ لضغوط حزبه.

كما نجح كوربن في استقطاب الشباب بخطابه المعادي لسياسات التقشف والداعي إلى تغيرات اقتصادية وسياسية جذرية مثل تأميم خطوط سكك الحديد ووضع حد لعقود العمل غير المحدودة، ليٌقبل العديد منهم على الانضمام إلى الحزب أو تأييده، هذا فضلا عن أن وجوده على رأس حزب العمال بأغلبية كبيرة بشر البريطانيين بولادة جديدة للسياسات العمالية اليسارية التي بدا سابقا أنها ذهب إلى مزبلة التاريخ.

ضبابية المشهد الانتخابي

يبدو أن عاصمة الضباب ستشهد يوما حافلا، إلى أن يتم إعلان النتيجة رسميا غدا الجمعة، وربما لا تأتي النتيجة بما تشتهي السفن، فالأحزاب السياسية تطارد الصيد الثمين متمثلا في الحصول على الأغلبية  وتشكيل الحكومة، وهذا يتطلب من الحزب الرابح الفوز بأكثر من نصف المقاعد في مجلس العموم – أي 326 مقعدا – لتتحول باقية الأحزاب إلى خانة المعارضة، ويصبح زعيم الأغلبية ورئيس الحكومة في هذه الحالة واثق الخطى في كل مشروعاته السياسية والاقتصادية، إلا أن تضائل الفارق بين حزبي المحافظين والعمال في استطلاعات الرأي يزيد الأمر تعقيدا، ففي حال لم يحصد أي حزب أكثر من نصف المقاعد البرلمانية، على غرار ما حدث في انتخابات 2010 عندما حصل حزب المحافظين على 306 مقاعد وحزب العمال على 258 مقعدا والليبرالي الديمقراطي حلّ ثالثا بـ57 مقعدا، سيصبح البرلمان معلقا إلى أن يتم تشكيل حكومة ائتلافية وهذا بالطبع لن يصب في صالح ماي.

وتعي ماي جيدا منذ البداية أن الانتخابات المبكرة مجرد مغامرة سياسية أقدمت عليها بكل شجاعة من أجل تأمين قيادة قوية ومسيطرة بحسب وصفها للمرحلة المقبلة التي ستشهد إجراءات الانفصال عن الاتحاد الأوروبي والذي يفترض أن ينجز بشكل كامل خلال مدة لا تتجاوز عامين من تاريخ الخطاب الرسمي الذي سلمته حكومتها  للاتحاد الأوروبي في مارس الماضي بشأن تفعيل المادة 50 من اتفاقية تأسيس الاتحاد، وهذا يجعل حكومة ماي على المحك.

لكن تاريخ الانتخابات البريطانية الحافل بالمفاجأت يجعل موقع ماي داخل رقعة الشطرنج الانتخابي، يبدو أكثر أمانا، ففي عام 1970 كانت شعبية هارولد ويلسون زعيم حزب العمال وقتها تفوق زعيم حزب المحافظين إدوارد هيث، ومع ذلك فاز المحافظين بالسباق البرلماني، وأيضا في عام 1979 كانت شعبية زعيم حزب العمال جايمس كالاجان تفوق شعبية مارجريت تاتشر، إلا أن المحافظين هم الذين فازوا أيضا في الانتخابات.

ربما يعجبك أيضا