“أردوغان “وتميم” وسقطت ورقة التوت !

كتبت – علياء عصام الدين

أردوغان يتخلى أخيرًا عن تمثيل دور “المسالم” المحب الذي يرغب في رأب صدع العلاقات ومحاولة التوفيق بين الأشقاء ويصب الزيت على النار.

تداعيات لاتخلو من غرابة وتناقضات تلك التي أفرزها قرار قطع العلاقات مع قطر، ويأتي سعي أنقرة لنشر جيشها في قاعدة تابعة لها في الدوحة إحدى هذه التداعيات التي يكتنفها الغموض وتحيط بها علامات الاستفهام.

لقد فشلت تركيا في إخفاء انحيازها لقطر، فترنحت في بداية الأزمة بين الرفض الصريح لقطع العلاقات مع الدوحة ولعب دور الوسيط “المسالم” للتهدئة .

هذا الغموض الذي رافق موقف تركيا في بداية الأزمة لم يستمر طويلًا حيث سقطت ورقة التوت التي دأب على مدارتها الصديق الصدوق الذي لن يتخلى عن صديقه لامحالة.

لم يكن من الطبيعي أن يستمر موقف تركيا “المائع” في بداية الأزمة بعيدًا عن قطر، فالأسباب التي تدفع أردوغان للانحياز السريع إلى جانب الدوحة كثيرة ومتعددة.

لقد وضع قرار قطع العلاقات مع قطر تركيا في موقف لا تحسد عليه، فصلابة علاقتها مع الدوحة لم يمنعها من إقامة علاقات وطيدة مع الرياض والتي باتت في أعقاب هذا القرار مهددة وبقوة.

قرار إنشاء قاعدة عسكرية سيضع تركيا وجهًا لوجه مع بقية حلفاءها، فتركيا قلقة في المقام الأول من مصير “مقارب” فهي تواجه عزلة دولية وفشل اقتصادي واتهامات بدعم الإرهاب وحركات الإسلام السياسي فضلًا عن علاقاتها الوطيدة بإيران.

ولا تملك أنقرة كثير من البدائل فالأزمة تتعدى إمكانية تأمين الغذاء والماء للجانب القطري والذي لم تتوانى عنه أنقرة.

دعم عسكري

إن الدعم العسكري التركي لقطر بعد عزل الأخيرة خطوة أكثر منطقية واتساقًا بالنظر لطبيعة العلاقات بين البلدين اللذان يدعمان جماعة الإخوان المسلمين وحماس فضلًا عن علاقاتهما الودية مع طهران.

وافق أردوغان اليوم على تشريع لإرسال قوات تركية لقطر في حركة استفزازية تمثل دعمًا مباشرًا للدوحة و في تحرك يثير الريبة لاسيما في توقيت تحاول فيه السعودية والخليج عزل قطر سياسيًا واقتصاديًا.

وأقر البرلمان التركي مشروع القانون الأربعاء الفائت وأعلن مكتب إردوغان تصديقه عليه في وقت متأخر من يوم الخميس ونشر في الجريدة الرسمية اليوم الجمعة لتكتمل بذلك العملية التشريعية.

وذكر نائب في حزب الشعب الجمهوري المعارض أنه تم إرسال 80 عسكريًا إلى القاعدة لإعدادها لتصبح أول منشأة عسكرية تركية في الخليج.

وعلى الرغم من أن القوات التركية موجودة أصلًا في قطر وتقوم بتدريب القوات القطرية لكن الإعلان عن إرسال قوات تركية في هذا التوقيت بالتحديد هو رسالة دعم سياسي واضحة لقطر، وتأكيد أن أنقرة تقف كحليف لقطر في أزمتها الحالية.

ويتناقض هذا القرار مع دعوات تركيا “المزعومة” بإيجاد حل سلمي لرأب الصدع بين الأشقاء العرب بدفع قطر لمزيد من التعنت في موقفها.
فموقف تركيا الذي يعبرعن قلق من ارتفاع التوتر في المنطقة لاسيما الخليج يتناقض تمامًا مع اللغة العسكرية التي بدأت باستخدامها.

غرام متبادل

دأب رجب طيب أردوغان منذ وصوله إلى رئاسة تركيا عام 2014 على خلق علاقات قوية ومتينة مع قطر، فقد تميزت علاقة أنقرة مع الدوحة عن باقي علاقاتها الثنائية مع دول مجلس التعاون الخليجي، فلم تقتصر على العلاقات التجارية والاستراتيجية والتحركات الدبلوماسية المشتركة ، بل شكلتا سويًا ما يشبه “التحالف”.

في السنوات الأخيرة شهدت العلاقات بين البلدين تطورات جذرية على سواء في المواقف السياسية والإقليمية الموحدة أو العلاقات الاقتصادية والتبادل التجاري.

شهد البلدان توقيع عدة اتفاقيات تهدف لتطوير العلاقات الثنائية وحماية الاستثمارات وتحتضن قطر أكثر من 60 شركة تركية نفذت مشاريع بقيمة تجاوزت الـ35 مليار دولار.

ويبرز التواجد القطري في أنقرة في قطاع العقارات والفنادق، اذ يعمل العديد من رجال الأعمال القطريين في التطوير العقاري بتركيا من خلال امتلاك الأراضي وبنائها وشراء الفنادق في الأماكن السياحية.

وفازت شركات تركية بعقود بأكثر من 13 مليار دولار في مشاريع بناء في قطر على صلة بكأس العالم لكرة القدم في 2022 والتي باتت مهددة بالفشل.

على الجانب السياسي عملت كل من قطر وتركيا بشكل وثيق في سوريا ومصر وتونس وليبيا خلال السنوات الأولى للربيع العربي لتمكين الإخوان.

انضمت قطر للإمبراطورية العثمانية عام 1835، والشائع أنّها على عكس دول الخليج أجبرت على الانفصال عن الدولة العثمانية عام 1915 في أعقاب الحرب العالمية الأولى.

ويشير التاريخ أن هناك علاقات متجذرة في القدم بين تركيا وقطر يجمعها “حلم” واحد وهو إعادة إحياء المجد العثماني، لاسيما إذا عرفنا أن الأسرة القطرية الحاكمة قديمًا كانت تتولى “محمية” العثمانيين في تلك الأراضي.

عدم تمرد قطر على الدولة العثمانية حقيقة تاريخية بنيت عليها الثقة بين الدوحة وأنقرة واستمرت حتى اليوم.

هكذا نزلت أنقرة بكل ثقلها للدفاع عن وصيفتها بخطوات تجعلها تفقد المصداقية حول جدارتها للقيام بدور الوسيط الدبلوماسي.

ربما هذا الارتباك والتخبط جاء تحسبًا للقلق التركي المتصاعد من قرار مكافحة التطرف والإرهاب وتجفيف منابع تمويله الذي بدأ يأخذ شكلًا جادًا وممنهجًا.

وتحاول أنقرة بذلك تأجيله من خلال الدفاع عن الحليف القطري تحسبًا من أن تجر قدمها هي الإخرى إلى عواصف لا تحمد عقباها.

   

ربما يعجبك أيضا