“النأي بالنفس”…خيار لبنان لعبور العاصفة الخليجية

ولاء عدلان

كتبت – ولاء عدلان

على قاعدة “اللي فيني مكفيني” يتعامل لبنان مع الأزمة القطرية، فهو الباحث عن العلاقات الجيدة دوما مع دول الجوار والتوازن على خطوط التوتر الأقليمي، لا لا شيء سوى أن ما لديه من تعقيدات طائفية وسياسية في الداخل بتكفي وتوفي، ولا يناسبه أن يقحم نفسه في الصراع الأقليمي، حتى لا ينعكس عليه الأمر سلبا بأي حال من الأحوال، فلدى بلاد الأرز علاقات جيدة ووطيدة بالسعودية والأمارات وكذلك مع قطر.

فمن غير الجائز أن يتدخل لبنان كحكومة في الخلافات المستجدة بين دول الخليج ومصر من جهة وقطر من جهة أخرى، إذ أن لبنان يلتزم الحياد الإيجابي مع كل الدول العربية، لصياغة أفضل علاقات التعاون معها، هكذا لخص رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري موقف بلاده من الأزمة الخليجية، إذا من منطق النأي بالنفس سيتعامل لبنان مع الأزمة، فهو لا يمتلك القدرة الكافية لاتخاذ قرار حازم من الخلاف الخليجي، لاسيما وأنه ليس طرفا مباشرا فيه، ولا مصلحة له في قطع العلاقات مع الدوحة أو إثارة غضب السعودية وغيرها من القوى الإقليمية.

الحياد السلبي

من جانبه أكّد القيادي في تيار المستقبل الدكتور مصطفى علوش في تصريحات صحفية، أنّ النأي بالنفس هو المنطق الصحيح في هذه الحالة، خصوصاً أنّ لبنان له مصالح مع جميع الدول المقاطعة للدوحة وكذلك مع قطر، وأنّ هناك مواطنين لبنانيين يعملون في قطر والسعودية وسائر الخليج، لذلك من الطبيعي ألا تدخل الحكومة اللبنانية في الجدل القطري الخليجي.

واتفق معه الصحفي اللبناني غسان جواد الذي أكد أن الحكومات في لبنان عندما تريد ألا تتخذ قراراً تستعمل قاعدة “النأي بالنفس”، خصوصاً أنّ الصراع هذه المرة بطابع خليجي خالص ولا مصلحة لبيروت بالاشتراك فيه، مضيفا في تصريحات لإحدى الصحف اللبنانية، نحن لسنا طرفا في هذا الصراع، وأيضاً نحن لدينا جالية لبنانية ومصالحنا مع قطر والسعودية وحتى مع الإمارات، فليس لنا مصلحة أن نتخذ موقفاً حادّاً.

فيما يرى البعض أن موقف الحريري يعكس خوفه من تفجير أزمة داخلية جديدة قد تصل إلى حد انهيار الائتلاف الحكومي، إذ أن حزب الله وهو الطرف الأقوى في المعادلة اللبنانية لن يقبل باتخاذ موقف معادٍ لقطر، تماهيا مع السياسة الإيرانية التي تسعى للاستفادة من الأزمة لتكريس الانفتاح على قطر الذي تعزز خلال السنوات الأخيرة.

وكذلك لا يستطيع حزب الله أن يتحرك من موقعه في المعادلة الحكومية للدفع باتجاه اتخاذ موقف رسمي داعم لقطر بأي حال من الأحوال، فهو لا يريد بالطبع أحراج حليفه الرئيس ميشيل عون وهو لازال في أول عهده،  فكفة التحالفات السياسة دائما هي الأرجح في الداخل اللبناني، لاسما بعد أن أدرك اللبنانيون أن تحالفاتهم الخارجية لا تجدي نفعا أكثر ما تدفع باتجاه مزيد من التعقيد، وهذا كان واضحا في أزمة الفراغ الرئاسي الأخيرة التي دامت لنحو 18 شهرا.

حرج إعلامي

فالموازين في لبنان مختلفة منذ أن حكمه اتفاق الطائف، فحتى وسائل إعلام وقعت في الحرج عندما اشتعل فتيل الأزمة القطرية، فمالت الصحف اللبنانية هذه الأخرى إلى سياسة النأي بالنفس فابتعدت في تغطيتها للأزمة عن التحليلات والمواقف الواضحة، واكتفت بدرو المراقب أو المحلل المحايد، متأثرة بشكل كبير بالواقع السياسي اللبناني المرتبط بصلات عميقة مع الوضع الخليجي.

أما قنوات التلفزيون فتراوح اهتمامها بالأزمة ما بين المؤيد والمعارض والكثير من المحايد، فقناة تيار “المستقبل” اكتفت بسرد الأحداث دون تعليق يذكر، وكذلك حاولت قناة “المنار” وهي تابعة لحزب الله أن تتحدث عن أطراف الأزمة بمساواة في الاتهامات، بينما تحمست قناة “أم تي في” للموقف السعودي وهاجمت قطر بقوة ووصفتها بأنها الخنجر المغروز بيد إيرانية في خاصرة مجلس التعاون الخليجي، فيما اكتفت قناة “أو تي في” وهي محسوبة على التيار العوني بالسؤال عن مصير اللبنانيين العاملين في قطر، هذا الحرج الإعلامي سببه الرئيس أن الكثير من وسائل الإعلام اللبنانية ممولة بشكل مباشر وغير مباشر من التيارات السياسية، وبالتالي هي أبواق سياسية في كثير من الأحيان.

لكن يبدو أن لبنان قد يضطر خلال الأيام القليلة المقبلة من اتخاذ موقف صريح من الأزمة القطرية، في حال صحت الأنباء المتداولة عن وصول قيادات حمساوية إلى لبنان بعد أن خرجوا من قطر ليرفعوا عنها الحرج، ما قد يعني بداية عهد جديد بين حماس وحزب الله، كما أن تحالفهما القديم الجديد سيعطي زخما أكبر للمشروع الإيراني، ما يعني مزيدا من التعقيدات لملفات المنطقة المشتعلة.

إذا الحياد اللبناني “السلبي” من الأزمة قد لا يطول، وربما لسان حال الحريري وعون في هذه اللحظة هو ليتها غيمة صيف عابرة تنتهي بسرعة، دون أن تجر رجل لبنان إلى قلب العاصفة.

ربما يعجبك أيضا