في ذكرى رحيله.. إرث زايد ما زال حيًا نابضًا

محمود طلعت

رؤية – محمود طلعت

دائمًا في ذكراه تتكرر مقولة رحل الجسد وبقيت الفكرة حية لا تموت.. وصفه وزير الثقافة الفرنسي السابق فريديريك ميتران بأنه مثالا عالميًا لرجل السلام وصاحب الرؤية الواقعية لتعزيز التعايش السلمي.. إنه الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، مؤسس دولة الإمارات.

واليوم الأربعاء (19 رمضان 1438هـ) تحل الذكرى الثالثة عشرة لرحيل الشيخ زايد، الذي وافته المنية في الثاني من نوفمبر عام 2004 الموافق (19 رمضان 1425هـ) وهو اليوم الذي عم فيه الحزن جميع الدول الإسلامية عموما والإمارات بشكل خاص.

النشأة والتعليم

ولد الشيخ زايد بن سلطان عام 1918 في مدينة أبوظبي بقصر الحصن، وكانت نشأته بعد رحيل والده في مدينة العين حيث تلقى علومه ومعارفه التي تركت بصمات واضحة على حياته وشخصيته، وغرست القيم التقليدية في نفسه.

عندما تولي منصب ممثل الحاكم في المنطقة الشرقية لإمارة أبوظبي، بدأ بعملية تحول واسعة لمدينة العين، فقام بتأسيس نظام إداري فعّال، وتولى شخصياً تمويل تأسيس أول مدرسة حديثة في الإمارة، كما قام بإصدار قرار يقضي بإعادة النظر في ملكية المياه، وجعلها على ندرتها متوفرة بشكل أكثر عدالة للجميع.

وفي أغسطس 1966، خلف الشيخ زايد شقيقه في حكم إمارة أبوظبي، وكانت سنوات عهده نموذجا لتحويل حياة شعبه، فقد أمر، بتوجيه عائدات النفط إلى مشاريع تنموية ضخمة، ثم تولى الشيخ زايد مع الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم في دبي الدعوة لإقامة اتحاد دولة الإمارات.

وفي 2 ديسمبر 1971، تم رفع علم دولة الإمارات العربية المتحدة الحديثة العهد، وانتخاب الشيخ زايد، من قبل حكام الإمارات الأخرى كأول رئيس لدولة الإمارات العربية المتحدة.

رسائل سامية

شكل البذل والعطاء وإغاثة الملهوف رسالة سامية للشيخ زايد بن سلطان، فقد وضع، اللبنات الأساسية للبذل والخير للوطن والمواطن.

وبفضل الله تعالى أولا ثم بفضل مؤسسها استطاعت دولة الإمارات أن تحتل مكانة متقدمة ومرتبة السبق على درب أكثر دول العالم عطاء، وذلك وفقاً لإحصائيات دولية.

التاريخ يشهد على مواقفه في البذل والعطاء، ومد يد العون للمحتاجين أينما تواجدوا بالعالم بغض النظر عن لونهم أو دينهم أو عرقهم.

في العام 1971 أسس “صندوق أبوظبي للتنمية” حيث كان لتأسيس الصندوق في تلك الفترة دلالة ورسالة واضحة للعالم مفادها أن العطاء أولوية لدى دولة حديثة العهد.

الجانب الإنساني

تميز مؤسس دولة الإمارات، بعطاء لا يعرف حدود أو حواجز جغرافية أو قومية أو دينية.

وخلال فترة حكمه أخذ المشهد الإنساني والتنموي يتطور من خلال تأسيس عدد كبير من الجهات المانحة والمؤسسات الخيرية الإماراتية ومنها “مؤسسة زايد بن سلطان آل نهيان للأعمال الخيرية والإنسانية” وغيرها.

واستمر العطاء على يد الشيخ زايد، حيث أسس من أجل ذلك هيئة الهلال الأحمر الإماراتي في عام 1983 لتكون ذراع الدولة لتقديم المساعدات الإغاثية، فقد عملت الهيئة منذ تأسيسها على تقديم المساعدات في عدد كبير من الدول المتضررة من حالات طوارئ أو الأزمات.

وقد كان للمشاريع التي تم تمويلها وفقا لتوجيهات الشيخ زايد بالغ الأثر في تحسين مستويات المعيشة في الدول المستهدفة من خلال مشاريع تنموية، وجسور جوية وبحرية وبرية من العون والإغاثة لتقديم المساعدة العاجلة للمتأثرين من الأزمات الإنسانية كالكوارث والزلازل والبراكين والمجاعات.

خدمة قضايا المنطقة

نال العالم العربي حظا وافرا من اهتمام الشيخ زايد ودعمه لمختلف القضايا. ففي مصر تعتبر مدينة الشيخ زايد التي تم إنشائها عام 1995 بمنحة من صندوق أبوظبي للتنمية، أحد الشواهد على عطاء دولة الإمارات.

وفي المغرب مول صندوق أبوظبى للتنمية مشروع “ميناء طنجة” بمبلغ 300 مليون دولار، كما أقيم في المغرب مستشفى الشيخ زايد الذي يعمل 24 ساعة دون انقطاع ويعتمد في الأساس على تقنياته العالية في سرعة انجاز العمليات الجراحية والمعالجة حتى يستقبل اكبر عدد من المرضى.

وفي لبنان قدم الشيخ زايد مساعدات إنسانية كبيرة من خلال مبادرته بنزع الألغام التي خلفها الاحتلال الإسرائيلي للجنوب، وعلى نفقته الخاصة، وكذلك اهتم بأن تقوم الإمارات بدور فاعل في عملية إعادة بناء لبنان بعد الحرب، فقدمت الدولة المساعدات المالية والقروض للمشاريع الحيوية والتنموية.

وبتوجيهات من الشيخ زايد بن سلطان خصصت الدولة 3 ملايين دولار أمريكي عام لترسل 1982 كمساعدات عاجلة لليمن الشقيق لمساعدة المنكوبين الذين تضرروا من الفيضانات.

وعلى إثر تلك الفيضانات تبرع الشيخ زايد وبشكل شخصي بالأموال اللازمة لإعادة بناء سد مأرب وبذلك وضع حلاً نهائياً للمشكلة الأساسية.

كما بلغت حجم المساعدات التنموية التي وجهت للجمهورية السورية العربية بما يوازي أكثر من 11 مليار درهم زهاء الفترة من 1971 وحتى العام 2004، والأردن بنحو 5.6 مليار درهم.

ولم تكن القضية الفلسطينية بعيدة عن اهتمام ودعم الشيخ زايد، إذ بلغت قيمة المساعدات المقدمة لفلسطين ما يقارب 7.3 مليار درهم وجهت في معظمها لتقديم الدعم للشعب الفلسطيني.

في يونيو عام 1971 تبرع الشيخ زايد بن سلطان بمبلغ 20 ألف دينار بحريني لدعم صمود غزة ضد الاحتلال، كما وتعد ضاحية الشيخ زايد بمدينة القدس التي نفذتها ومولتها هيئة الهلال الأحمر الإماراتية مشروعاً حيوياً بارزاً في الأراضي الفلسطينية.

وتواصلت مسيرة زايد في البذل والعطاء وتقديم يد العون والمساعدة، لتصل باكستان حيث أقامت الدولة سد “تربيلا” الذي يقع في المقاطعة الحدودية الشمالية الغربية، ويعد أكبر محطة توليد للكهرباء في باكستان.

لم تتوقف المشاريع الخيرية على العالم الإسلامي وحسب، بل شملت حتى دول العالم المتقدم، ففي عام 1992 تبرعت دولة الإمارات بخمسة ملايين دولار لصندوق إغاثة الكوارث الأمريكي لمساعدة منكوبي وضحايا إعصار اندرو الذي ضرب ولاية فلوريدا الأمريكية.

كما تبرعت دولة الإمارات بعشرة ملايين دولار لمساعدة شعب البوسنة والهرسك على تجاوز محنته، كما أقامت مطبعة إسلامية في العاصمة الصينية بكين بمنحة من الشيخ زايد لدعم أنشطـة المسلمين الصينيين ونشر الدعوة الإسلامية بتكلفة 3.1 مليون درهم.

قالوا في ذكرى رحيله

ولي عهد أبو ظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، قال “في يوم زايد للعطاء الإنساني، نستحضر قامة كبيرة بحجم زايد، فيها تجسدت معاني الإنسانية وألهمتنا زرع الخير في بقاع العالم”.

نائب رئيس المجلس التنفيذي لإمارة أبوظبي الشيخ هزاع بن زايد آل نهيان، قال إن “إرث زايد مازال حيا نابضا بالمبادرات الإماراتية غير المحدودة”.

ربما يعجبك أيضا