معتقلو لبنان في انتظار ثمار العفو العام

هدى اسماعيل

هدى إسماعيل

مرت سنوات دون أن ينتاب الملل سجناء لبنان للحصول على العفو العام، وبعد فترة من إعلان إضرابهم عن الطعام كوسيلة للضغط على الحكومة للنظر في أمرهم، بالإضافة إلى خروج ذويهم إلى الميادين للمطالبة بحريتهم، تعالت الكثير من الوعود بالعفو العام وها هم يقبعون خلف القضبان في انتظار الحرية.

جذور القضية

تعود أصول قضية المعتقلين الإسلاميين في لبنان إلى أحداث منطقة الضنية التي وقعت في مطلع الألفية الجارية، والتي اعْتُقِل على خلفيتها عشرات الإسلاميين، ثم تزايدت هذه التوقيفات عقب ظهور حركة “فتح الإسلام” ذات التوجه السلفي، واشتباكها مع الجيش اللبناني في مخيم “نهر البارد” في عام 2007.

يعاني المعتقلون الإسلاميون في سجون لبنان من المعاملة السيئة وتعرضهم للتعذيب، وهو ما كشفت عنه مقاطع فيديو سُرِّبت من سجن رومية سيئ السمعة.

الثورة السورية

منذ فترة أطلق السجناء في سجن رومية، أكبر حملة إضراب عن الطعام للضغط على الدولة من أجل النظر في مطلبهم بإقرار قانون العفو العام الشامل.

وشارك في الإضراب، سجناء من البقاع اللبناني، تمت إدانتهم من قبل القضاء اللبناني بارتكاب جرائم وجنح متعددة من ضمنها الاتجار بالأسلحة والمخدرات وخطف مواطنين وسرقة سيارات.

كذلك توقف السجناء الإسلاميين عن الطعام لإيصال مطالبهم وتعجيل النظر في قضاياهم المرتبطة بالإرهاب، والانخراط في أعمال عسكرية تستهدف أمن واستقرار المناطق اللبنانية.

ووجه السجين خالد حبلص رسالة من داخل السجن، أعلن فيها الإضراب عن الطعام، وقال فيها إن “من حق أهل السجون الحرية، ونحن نسمع عن اعتقالات بحق نساء ورجال وشيوخ بحجة الوقاية الأمنية”.

وأضاف في رسالته الصوتية التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي “لقد سطرت آلاف المذكرات بحق أناس محرومة، وصلوا إلى وضعهم الحالي بسبب الفقر وتعاطي المخدرات”.

وعلى هذه الخطى قام عدد من السجناء الإسلاميين في سجن رومية، بتخييط شفاههم للتعبير عن غضبهم، بالإضافة إلى حصول حالات من الإغماء في صفوفهم.

وفي خطوة هي الأولى من نوعها، نظم أهالي البقاع وأهالي الإسلاميين وقفات تضامنية مع السجناء في ساحة رياض الصلح وسط العاصمة بيروت، وطالبوا الدولة اللبنانية بالنظر في أحوال السجون وإقرار قانون العفو العام اللبناني.

كذلك اجتمع أهالي المعتقلين الإسلاميين مع مخاتير وفاعليات البقاع، والتقوا سماحة مفتي زحلة والبقاع الشيخ خليل الميس والقاضي يونس عبد الرزاق. وتعهد الشيخ الميس بالنظر في الملف وتكثيف الجهود السياسية لحله.

وفي المقابل وجه سجناء البقاع رسالة إلى رئيس الجمهورية ميشال عون، والرئيس سعد الحريري والرئيس نبيه بري، مطالبين بأن تنظر الدولة اللبنانية في الظروف التي مر بها لبنان والأوضاع المعيشية المتردية التي دفعتهم لارتكاب جرائم وجنح.

الحريري يتعهد بالعفو

آلالاف هو عدد المعتقلين في لبنان  بتهمة الانتماء لداعش أو النصرة دون أدلة حاسمة فمنهم من يقبع خلف القضبان ولم تتم محاكمته، وقد حدث هذا بعد أن تصاعدت عملية توقيف الإسلاميين، بعد اندلاع الحرب في سوريا في 2011، وظهور “داعش”، التي نجحت في جذب الإسلاميين اللبنانيين إلى صفوفها.

كما تم اعتقال العشرات أيضًا على خلفية أحداث “التبانة” التي وقعت في مايو 2012، بين “العلويين” و”السنة” ، وأحداث “عبرا” التي وقعت في صيدا جنوبي لبنان، في 2013، بين جماعة أحمد الأسير والجيش اللبناني، وأحداث “عرسال” في أغسطس 2014، وهي أحداث اُعتبرت جميعها امتدادًا للحرب بسوريا.

سجن بدون حكم قضائي

معظم من هم خلف القضبان لم يصدر بصددهم حكم قضائي منهم سجناء طرابلس الذي تم القبض عليهم بموجوب وثائق معلوماتية دون وجود قرائن ثابتة الأمر الذي يشكك في كونها كيدية.

بالإضافة إلى ذلك يعاني المعتقلون الإسلاميون في سجون لبنان من المعاملة السيئة وتعرضهم للتعذيب، وهو ما كشفت عنه مقاطع فيديو سُرِّبت من سجن رومية سيئ السمعة، ظهر خلالها عناصر من الأمن وهم يقومون بتعذيب سجناء إسلاميين وهم عرايا، وهو أمر لم ينفه وزير الداخلية اللبناني نهاد المشنوق، الذي قال إن 6 من أفراد الأمن فقط هم من قاموا بالانتهاكات وسيُحَاسَبُون.

وجه آخر للمعاناة يتمثل في عدم وجود حد أقصى لمدة التوقيف الاحتياطي على ذمة جرائم الإرهاب، ما يجعل المعتقلين الإسلاميين عرضة للحبس لسنوات دون البت في قضاياهم بشكل نهائي، وهو ما حدث بالفعل في قضية «فتح الإسلام»، حيث صدرت أحكام بالبراءة لشابين بعد 7 سنوات من التوقيف.

ويشتكي أهالي الموقوفين الإسلاميين من تعرضهم لإهانات من رجال الأمن، ومن اضطرارهم إلى دفع رشاوى لتسيير أمور ذويهم المحبوسين وارتفاع المصاريف داخل السجن.

إضراب ومبادرات للضغط


اعرف معاناتكم وأتحسس مشاعركم، لقد تعهدت بالعمل على تسريع الخطى لإنجاز مشروع قانون عفو عن كل شخص يستحق العفو ولن أتراجع عن هذا الوعد” بهذا الكلمات تحدث رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري إلى أهالي الموقوفين الإسلاميين بعد أن طالبوا بتسريع مسألة البت بمصير أبنائهم الموقوفين.

وأضاف: “كلنا يعلم ان هناك ظلما يحصل في سوريا بحق الشعب السوري، ونحن نرفضه ووقفنا ضده ونتعاطف مع المظلوم أيا كان، ولكن على الجميع التنبه وعدم الانجرار للانضمام للمتطرفين بحجة مناصرة الإخوان السوريين، أو التلطي وراء شعارات دينية لأهداف غير مسؤولة، فالمسؤولية تفرض علي أن أتحدث معكم بصدق وصراحة، وتنبيه أهلي وأبناء بلدي من مخاطر ما يحصل، وكل مواطن عليه مسؤولية أيضًا لتوعية الشباب والأبناء وتحذيرهم من مخاطر الانضمام إلى المجموعات المتطرفة التي تتستر زورا برداء الدين الإسلامي.

وتابع: الدين الإسلامي، دين اعتدال وتسامح ولا يأمر أحدًا برمي نفسه بالتهلكة، وتساءل ما حصل ويحصل في بريطانيا وغيرها من جرائم إرهابية، هل هذا يمثل الإسلام الحقيقي الذي تربينا عليه نحن وأهلنا وأجدادنا؟

وختم قائلا: “أنا اشعر بمعاناتكم وواجبي ومسؤوليتي أن أساعدكم، لقد أخذت مسألة إنجاز قانون العفو على عاتقي وأن شاء الله نستطيع ذلك”.

وفي نفس السياق أكد مفتي الديار اللبنانية الشيخ “عبد اللطيف دريان :”من غير المسموح في لبنان، وفي عهد بانطلاقته الجديدة أن يكون هناك مظلوم في السجون اللبنانية، طالبنا كثيرا بتسريع المحاكمات بالنسبة للموقوفين الإسلاميين، واليوم هناك مطالبة وبإلحاح بإقرار قانون للعفو العام، نحن في دار الفتوى، كنّا نعمل بصمت وحكمة على ملف الموقوفين الإسلاميين، ولكن آن الأوان لأن نقول، لا يمكن أن يستمر الظلم على بعض الموقوفين الإسلاميين، وأن يسجنوا ويتم توقيفهم سنوات طويلة بدون محاكمة، في لبنان بلد القضاء والعدالة أن يكون مثل هذا الأمر، هذا الأمر غير مقبول.

مضيفًا أنه “بالنسبة للعفو العام، نطالب أن يكون هناك قانون للعفو العام، شامل لكل القضايا، ولا يجوز أن يكون فيه استثناء لموقوف دون موقوف آخر، ولا لمحكوم دون محكوم آخر، العفو العام هو أن تكون السجون في لبنان فارغة من المسجونين.. ومن على هذا المنبر أقول للموقوفين الإسلاميين، نحن لم ولن نتخلى أبدًا عن مظلومية الكثيرين منكم”.

مطالب ومخاوف

يطالب المعتقلون وذووهم بسرعة إصدار قانون عفو عام للجميع، بالإضافة إلى تسهيل عمل المحاكم، خاصة لذوي الحالات الصحية وكبار السن، وتحسين أوضاع السجون حيث إن سجن رومية يوجد به حوالي 5 آلاف سجين رغم عدم اتساعه لهذه الأعداد.

حالة من القلق تنتاب المعتقلين خوفًا من عفو جزئي، بعد أن سعى سعي حزب الله إلى إقرار قانون عفو يشمل المطلوبين في مناطق البقاع -الخزان الشعبي للحزب – فقط، بعد تحركات أهالي بعلبك والهرمل للمطالبة بإلغاء عشرات الآلاف من مذكرات التوقيف، خاصة المتعلق منها بجرائم زراعة المخدرات والاتجار بها، والتي تجاوز عددها الـ35 ألف مذكرة.

ربما يعجبك أيضا