العلاقات الأمريكية التركية .. تقارب هش وتوتر ملحوظ

حسام السبكي

إعداد – حسام السبكي

حلقة جديدة من مسلسل التوتر في العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة الأمريكية، تشهدها الأيام والساعات القليلة الماضية، وذلك بعد إصدار السلطات الأمريكية مذكرة اعتقال بحق 12 شخصًا من أفراد الحراسة الخاصة بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بعد اتهامهم بالاعتداء على متظاهرين أكراد معارضين لأردوغان أمام مقر السفارة التركية في العاصمة الأمريكية واشنطن، الأمر الذي أثار حفيظة أنقرة واعتبرته تدخلًا سافرًا وإملاءات مرفوضة على الأتراك، مؤكدة عزمها مواجهة القرار الأمريكي بكل السبل المُتاحة.

وقد زادت الأزمة الأخيرة من حدة الخلافات بين الأمريكان والأتراك، خاصة بعد موقف واشنطن غير الواضح من الانقلاب العسكري الفاشل في تركيا بعد ساعاتٍ قليلة من وقوعه، إلى جانب الدعم العسكري اللامحدود من أمريكا للمسلحين الأكراد في سوريا، وهو ما ترفضه تركيا والتي تصنفهم على قائمة المنظمات الإرهابية، وأخيرًا الموقف الأمريكي غير الرافض لاستقلال أكراد العراق على عكس الرغبة التركية في هذا الشأن، ونتناول تلك المحاور الخلافية في العلاقات الأمريكية التركية على نحوٍ أكثر تفصيلًا.

مذكرة اعتقال أمريكية بحق حراس أردوغان.. وتركيا تندد

فقد أصدرت السلطات الأمريكية، أول أمس الخميس، مذكرة اعتقال بحق 12 شخصًا من حراس الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وذلك بعد اتهامهم بالاعتداء على متظاهرين في شوارع العاصمة الأمريكية واشنطن، وذكر قائد شرطة العاصمة “بيتر نيوشام”، أنه قد التعرف على الأشخاص الـ12 عبر تسجيلٍ مصورٍ تم للاعتداء الذي وقع يوم 16 مايو الماضي على متظاهرين أكراد وأرمن احتشدوا أمام السفارة التركية في العاصمة واشنطن، احتجاجًا على زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للولايات المتحدة الأمريكية ولقائه بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

الموقف الأمريكي من الأحداث كان أكثر حزمًا وحسمًا، وهو ما عبر عنه وزير الخارجية الأمريكية “ريكس تيلرسون”، حيث أشار إلى أن مذكرات التوقيف بحق حراس أردوغان إنما تعد رسالة واضحة بأن الولايات المتحدة الأمريكية لا يمكن أن تسمح باستخدام العنف والترهيب لقمع حرية التعبير والتعبير السياسي الشرعي، مشددًا على أن وزارته ستتعاون مع الشرطة والسلطات المعنية في تلك القضية، وستحدد ما إذا كان من الضروري اتخاذ إجراءات إضافية في هذا الشأن.

على الجانب الآخر، أظهرت تركيا احتجاجًا شديد اللهجة، وهو ما جاء على لسان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والذي ندد بمذكرات الاعتقال الأمريكية، متوعدًا بما أسماه “القتال سياسيًا وقضائيًا” ضد القرار، مؤكدًا أن عناصر الشرطة المحلية لم تفعل شيئًا، بينما كانت مجموعات إرهابية تتظاهر على مسافة لا تزيد عن 50 مترًا منه، على حد وصفه، مستنكرًا في الوقت ذاته قرار السلطات الأمريكية باعتقال مواطنين تركيين، وإصدار مذكرات اعتقال بحق 12 من حراسه، مشيرًا إلى أن هذا لا يندرج تحت أي تشريعٍ أو قانون، محملًا الشرطة الأمريكية مسؤولية الأحداث التي وقعت أمام السفارة التركية بواشنطن.

انقلاب تركيا الفاشل


ربما كانت مذكرات الاعتقال الأمريكية بحق حراس أردوغان هي الأزمة الأخيرة بين الدولتين المشاركتين ضمن حلف شمال الأطلسي “الناتو”، إلا أن هوة الخلافات الآخذة في الاتساع قد بدأت منذ فترة قريبة، تحديدًا مع وقوع أحداث المحاولة الانقلابية العسكرية الفاشلة في تركيا في 15 يوليو من العام الماضي، فالموقف الأمريكي منها بدا مريبًا في بادئ الأمر، إذ رفضت الخارجية الأمريكية التعليق على الأحداث، في انتظار وضوح الرؤية من وراءها.

وما أثار الريبة حول الموقف الأمريكي من المحاولة الانقلابية الفاشلة في تركيا، هو تعليق وزير الخارجية الأمريكي في ذلك الوقت “جون كيري”، والذي نفى أي تورط لبلاده بالمشاركة في الانقلاب أو العلم به قبل وقوعه، معقبًا أيضًا، بأن العلاقات بين واشنطن وأنقرة ستتأثر بالسلب في حالة وجهة تركيا اتهامًا للولايات المتحدة بتدبير المحاولة الانقلابية الفاشلة.

كما أشارت تقارير إخبارية، أن قاعدة “إنجرليك” الجوية التركية، والتي تتخذها قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية منطلقًا لشن غاراتها على أهداف ما يُعرف بتنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، فليلة الانقلاب، أطلقت طائرتين لتزويد الطائرات من طراز “إف- 16” بالوقود خلال الساعات الأولى للانقلاب الفاشل، وهنا يُثار تساؤل مهم: هل أقلعت تلك الطائرات دون علم أمريكا بها؟.. أم أن القيادة العسكرية الأمريكية سمحت لها بالإقلاع لكونها طائرات تقوم بتزويد الوقود، وليست طائرات مقاتلة، وعلى أية حال، فقد شاركت تلك الطائرات في المحاولة الانقلابية الفاشلة.

الموقف الأمريكي يزداد ريبة كذلك، بعد الرفض أو التلكؤ في تنفيذ المطلب التركي بتسليم المعارض التركي البارز “فتح الله جولن”، والذي تتهمه تركيا بالوقوف وراء المحاولة الانقلابية الفاشلة، وتشكيل كيانٍ موازٍ بغرض قلب نظام الحكم في تركيا.

تسليح المقاتلين الأكراد 

نقطة خلافية جديدة طفت على السطح بين واشنطن وأنقرة، تتعلق بالدعم المتواصل من قبل قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية للمسلحين الأكراد، حيث رأت فيهم الإدارة الأمريكية التزامًا بخططها الخاصة بالحرب على الإرهاب المتمثل فيما يُعرف بتنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، على الأرض في سوريا، وتعلق واشنطن الآمال على الأكراد أحد المكونات الرئيسية لقوات سوريا الديمقراطية التي تخوض معاركها حاليًا لتحرير مدينة الرقة السورية من قبضة تنظيم داعش الإرهابي، والتي تعد معقله الرئيسي الأكبر في سوريا ومنه أعلنت خلافتها المزعومة.

وقد أعربت تركيا عن استنكارها الشديد ورفضها القاطع للقرار الأمريكي بدعم المسلحين الأكراد، الذين تعتبرهم أنقرة امتدادًا لحزب العمال الكردستاني المحظور في تركيا، وقد أُثيرت تلك القضية خلال لقاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره التركي رجب طيب أردوغان، في العاصمة الأمريكية واشنطن، في شهر مايو / آيار الماضي، والذي جاء عقب موافقة الإدارة الأمريكية على تسليم المقاتلين الأكراد أسلحة متطورة في إطار استعدادات قوات سوريا الديمقراطية لاقتحام معقل “داعش” في الرقة، وخلال اللقاء، دعا الرئيس التركي الإدارة الأمريكية للعودة عن قرار تسليح الأكراد، حيث تخشى أنقرة أن يستخدم الأكراد تلك الأسلحة ضدها بعد الانتهاء من القضاء على وجود “داعش” في سوريا.

استقلال كردستان العراق


وعلى ذكر الأكراد، ودورهم البارز مؤخرًا في الحرب على الإرهاب إلى جانب قوات التحالف الدولي، ونجاحاتهم المتتالية على هذا الصعيد، والتي شجعتهم على طلب الحصول على وضع سياسي أفضل في المستقبل، حيث أعلنت رئاسة إقليم كردستان العراق، بزعامة “مسعود البارزاني” رئيس الإقليم، مؤخرًا عن نيتها تنظيم استفتاء حول استقلال الإقليم في 25 سبتمبر المقبل، وقد تناول “البارزاني” العلاقة بين الحكومة المركزية العراقية في بغداد وإقليم كردستان، فأوضح أن العراق يضم حاليًا قوميتين رئيسيتين، رافضًا الإنضواء تحت السلطة العراقية وهم مهمشون.

وتحدث “البارزاني” كذلك عن الموقف الغربي عامةً والأمريكي خصوصًا من استقلال “إقليم كردستان”، فأكد أنهم يتابعون الأوضاع على نحوٍ جيد، ربما يكون الاختلاف في توقيت إعلان الاستقلال، إلا أنه لا توجد جهة بعينها تقف ضد الاستقلال أو ترفض حقوق الشعب الكردي في ذلك.

على الجانب الآخر، أبدت تركيا اعتراضها على الخطوة الكردية، جاء ذلك في تصريحٍ على لسان رئيس الوزراء التركي “بن علي يلدرم”، الأسبوع قبل الماضي، واصفًا الخطوة بـ “غير المسؤولة”، ومضيفًا أن منطقة الشرق الأوسط تحوي بما يكفي من المشاكل، معربًا عن أمله بأن يظل العراقيون جميعًا يعيشون كأمة واحدة، كما أعلنت الخارجية التركية، أن تنظيم استفتاء حول استقلال الإقليم سيكون خطأ فادحًا.

ربما يعجبك أيضا