هل دول الاتحاد الأوروبي قادرة على الدفاع المشترك خارج مظلة الناتو؟

جاسم محمد

رؤية ـ جاسم محمد

تسعى دول الاتحاد الأوروبي، بشكل جاد إلى مواجهة مسألة الهجرة غير الشرعية إلى جانب قضية مكافحة الإرهاب والمقاتلين الأجانب، من خلال مناقشتها في اجتماعات وزراء وزعماء الاتحاد الأوروبي.

التوجه الجديد لدول الاتحاد الاوروبي، هو اهمية التنسيق والتعاون مع دول البحر الابيض المتوسط، لمواجهة قضية الهجرة والامن.
انطلقت قمة اوروبية جديدة في العاصمة البلجيكية، بروكسل يوم 19 يونيو 2017 ولمدة يومين، ناقشت خلالها: سياسات اوربية حول: اللجوء والهجرة، اهمها الوضع في البحر الأبيض المتوسط الذي يمثل طريق الهجرة الأساسي والأخطر إلى القارة الأوروبية. ناقشت القمة ايضا البدأ في مفاوضات “بريكست ” رسميا مع بريطانيا، واحتل موضوع الدفاع الاوروبي المشترك في هذه القمة اكثر من غيرها، بهدف بعث رسالة الى اطراف دولية ابرزها ادارة ترامب، البيت الابيض، وموسكو، بان الاتحاد الاوروبي مازال متماسكا، وقادر على حماية نفسه، بعيدا عن الوصاية الخارجية، التي تمثلت بشروط الرئيس الامريكي ترامب، التي تركزت على زيادة الانفاق العسكري داخل الناتو.

الدفاع الاوروبي المشترك

اتفق الزعماء الاوروبيون على التعاون المشترك الوثيق في مجال الدفاع وفي محاربة الإرهاب وأصدر الزعماء بيانا ذكر أن القادة اتفقوا على وضع فترة ثلاثة أشهر لوضع خطة تتضمن المعايير التي سيتم بموجبها التعاون العسكري المشترك وسيتم تشكيل مؤسسة خاصة تشرف على الوحدات القتالية التابعة للاتحاد الأوروبي. وتناولت بعض التقارير من مصادر غير مؤكدة، بأن حجم الصندوق الدفاعي سيكون بقيمة 1.5 مليون يورو سنويا، ويبدو ان الهدف من انشاء هذا الصندوق، هو دعم الصناعات الدفاعية لدول الاتحاد.

تعمل دول الاتحاد الاوروبي، جاهدة لكي تظهر متماسكة،، لكن هذا الاتحاد مازال منقسما على نفسه خاصة حول مسألة توزيع حصص اللاجئين وقضايا اخرى، ومازال مهدد بالتفكك. الخطوة الجديدة التي اتخذتها دول الاتحاد الاوروبي بزعامة فرنسا والمانيا بايجاد قوات دفاع مشتركة، جيش اوروبي موحدوهي ردة فعل لسد الثغرات في الامن والدفاع في اعقاب خروج بريطانيا من الاتحاد.

ان ماتسعى له دول الاتحاد الاوروبي من تعزيز قدراتها العسكرية الدفاعية، ربما لايرتقي الى مستوى التسلح الاستراتيجي او المواجهات الاستراتيجية في الصراعات او الحروب العالمية، فمازالت اوروبا تحتاج المظلة الامريكية واحلف الناتو، خاصة اذا كان الامر يتعلق بالمظلة النووية، ومنظومات الدفاع والبرامج الاستراتيجية في المواجهات العسكرية.

الجهود الاوروبية هذه لم تكم جديدة، فسبق ان دعا  بعض زعماء الاتحاد الاوروبي خلال شهر اوغست 2016 الى انشاء جيش اوروبي مشترك، وذلك خلال لقاء عقداه في وارسو مع المستشارة الالمانية ميركل ونظيريهما البولندي والسلوفاكي. وحينها، قال رئيس الحكومة المجرية فيكتور اوربان”علينا ان نعطي الاولوية للامن والبدء ببناء جيش اوروبي مشترك”. هنالك طموحات اوروبية جديدة تميل الى نزعة استقلال اوروبا عسكريا بعيدا عن الهيمنة الامريكية، وربما يعود ذلك الى اولويات الاهداف واسبقية التهديدات، التي تختلف فيها اوروبا مع واشنطن. فالجبهة الشرقية للناتو، هي اولى اهتمام دول اوروبا، وربما تمثل حاجة وتهديد لها اكثر من واشنطن بسبب الجغرافية.

تحاول اوروبا من فكرة تشكيل جيش اوروبي هو لسد الثغرات الامنية، امام تصاعد تهديدات الجماعات المتطرفة وتنظيم داعش، وكذلك من اجل مسك الحدود الداخلية والخارجية لدول اوروبا. ومن المحتمل ان يشكلا الجيش الالماني والفرنسي العمود الفقري الى دول الاتحاد الاوروبي في اعقاب خروج بريطانيا. ان فكرة انشاء جيش اوروبي ربما تاتي بسبب عدم رغبة وقدرة دول اوروبا من تلبية طلبات واشنطن بتحقيق زيادة تمويل قواعد الناتو وعديد وحداته.

اجراءات مكافحة الارهاب

رغم اهمية الموضوعات التي ناقشتها القمة، كان موضوع اجراءات مكافحة الارهاب التي تتبعها دول اوروبا في مقدمة جدول الاعمال. فمازالت دول الاتحاد الاوروبي تعتبر قضية الارهاب والمقاتلين الاجانب يمثل اكبر التحديات التي تضرب امن دول الاتحاد واوروبا. فرغم الجهود التي تبذلها دول الاتحاد منفردة في محاربة الارهاب، فهي مازالت تسعى مجتمعة الى توحيد جهودها داخل المفوضية الاوروبية، تتركز على تصعيد تعزيز التعاون الاستخباراتي وتقاسم المعلومات بشكل اسرع.

خروج بريطانيا من الاتحاد “بريكست”

أطلق الاتحاد الأوروبي وبريطانيا، يوم 19 يونيو 2017، رسميا مفاوضات بريكست التي يرتقب أن تستمر لسنتين على الأقل، وسط شكوك حول موقف الحكومة البريطانية التي أضعفت بنتيجة الانتخابات التشريعية الأخيرة، وتفاؤل من طرف وزير الخارجية البريطانية الذي يتوقع نهاية سعيدة، بريطانيا قدمت وعودا لضمان حقوق المواطنين من دول الاتحاد على اراضيها، لكن ردود فعل الزعماء الاوروبيون حول المبادرة البريطانية اتسمت بالفتور ووصفوها بانها غير كافية.

الهجرة غي الشرعية

تبذل أوروبا جهود حثيثة من اجل ايقاف تدفق الهجرة غير الشرعية من افريقيا، عبر السواحل الليبية ، تاتي هذه الجهود في اعقاب تزايد  اعداد المهاجرين الافارقة خلال السنتين الاخيرتين، لدعم التنمية والنمو الاقتصادي. وتعطي ألمانيا أولوية لأفريقيا خلال رئاستها لمجموعة العشرين هذا العام 2017 وشجعت الدول الأفريقية على الانضمام إلى “عقد مع أفريقيا” تكون فيه للدول التي تتعهد بمكافحة الفساد وتطبيق قواعد الحكم الرشيد وتحترم حقوق الإنسان علاقات مميزة مع دول مجموعة العشرين الغنية.

وتصاعدت اصوات داخل اوربا تدعو إلى التعاون بين الاتحاد الأوروبي وبلدان شرق إفريقيا وغربها في ضبط الهجرة إلى أوروبا.  وتشمل تلك التفاهمات صرف أموال من أجل وقف تلك الهجرة، وفي حال عدم التعاون يمكن فرض عقوبات. وتسعى دول الاتحاد الاوروبي ايضا الى اقامة مخيمات استقبال اللاجئين  على اراضي دول مغاربية، يمكنها ترحيل اللاجئين القسري من دول اوروبا، هذه المخيمات تفرض التزام على الدول المضيفة، استقبال الاستخاص الذي يتم ترحيلهم وان كانوا من دولة ثالثة، اي ليسوا من جنسيتها، على غرار الاتفاق الاوروبي التركي، رغم الانتقادات الموجهة لها.

تسعى دول الاتحاد الاوروبي، ان تظهر بانها، قوة متماسكة، في اعقاب خروج  بريطانيا، وفي اعقاب “وصاية” الناتو عليها بفرض شروط زيادة الانفاق، لكن رغم ذلك فالانقسامات مازالت تعصف في هذا الاتحاد ابرزها موضوع توزيع حصص استقبال اللاجئين داخل دول الاتحاد الاوروبي، وموضوع مسك الحدود الخارجية والداخلية، بالاضافة لذلك وجدت دول اوروبا بانها امام تهديدات اليمين المتطرف.

المشكلة داخل دول الاتحاد الاوروبي تكمن، عدم وجود اجماع على سياسة موحدة واختلاف الاولويات في قضايا اللجوء والهجؤة والامن، لكنها تتفق حول الموضوعات الاقتصادية.

*باحث في قضايا الإرهاب والإستخبارات
 

ربما يعجبك أيضا