“النكتة التاريخية”..ذكرى سقوط الإمبراطورية التي غابت عنها الشمس

هالة عبدالرحمن

كتب – هالة عبدالرحمن
يصادف اليوم الذكرى العشرين  لانتهاء امبراطورية بريطانيا، حيث في الأول من يوليو عام 1997 سلمت المملكة المتحدة هونج كونج إلى الصين بعد عقود من الاستعمار.

وتعد بريطانيا أكبر الإمبراطوريات في تاريخ العالم، فلم تكن مجرد قوة عظمى بل هي من أوائل القوى في العالم ولفترة طويلة، ففي عام 1913 بسطت الإمبراطورية البريطانية سلطتها على تعداد سكاني يقارب 458 مليون شخص، أي حوالي ربع سكان العالم، وغطت تقريبا 33 مليون كيلومتر مربع (14.2 مليون ميل مربع)، أي حوالي ربع مناطق الأرض.

وبقي التأثير البريطاني قويا في جميع نواحي العالم،  وبسبب اتساع حجمها في أوج قوتها ،قيل أنها ” الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس” ويؤكد اتساع الإمبراطورية على طول العالم أن الشمس كانت تشرق دائما على واحدة على الأقل من مستعمراتها العديدة، إلا أن الملايين من البشر دفعوا حياتهم ثمنًا للفتوحات البريطانية.

بدأت تلك الشمس البريطانية تهبط بثبات في الأفق، واليوم، أصبح غروبها حقًّا في متناول اليد.

ونشرت مجلة “نيوزويك” الأمريكية مقال لميرين جيدا، بمناسبة ذكرى سقوط الإمبراطورية البريطانية، الذي يلقي الضوء على بعض جرائم الإمبراطورية التي سقطت شمسها.
ففي 13 نيسان/إبريل 1919, أثناء تظاهرة سلمية ضد الحكم البريطاني في الهند, وأطلق الجنود النار على المتظاهرين مما أدى إلى مقتل 379 شخصًا على الاقل, وفقًا للسجلات الرسمية.

وأثناء حكم رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل في عام 1943, توفي ثلاثة ملايين بنغالي أثناء المجاعة بينما كانت بريطانيا لتحول المؤن الغذائية لجنودها.

وجلبت الإمبراطورية البريطانية تغييرات عميقة إلى العالم، ولكنّها، وخلال عقدين من الانحدار السريع بعد الحرب العالمية الثانية، أصبحت نوعًا من النكتة التاريخية.

ومنذ بداية الحرب الباردة، حصلت أمريكا على نصيب الأسد، بريطانيا، والتي كانت المستعمر في أمريكا، أصبحت نوعًا ما مستعمرة أو تابعة، والآن هي على وشك أن تصبح أصغر حتى. وكانت عملية تقليص حجم الإمبراطورية البريطانية عمليةً طويلةً وشاقّة. في أكثر أيامها اتساعًا، تألفت هذه الإمبراطورية من 57 مستعمرة، سيادة، أقليم، ومحمية، وكانت تمتد من أستراليا، وكندا، والهند، إلى فيجي، ساموا الغربية، وتونغا.

من لندن، حكم البريطانيون نحو 20 في المئة من سكان العالم، وقرابة الـ 25 في المئة من مساحة المعمورة، وفقًا لحسابات الباحث البريطاني ستيفن وسكومبي.
وأدى انتشار النفوذ البريطاني، بما في ذلك اللغة الإنجليزية، إلى ولادة الولايات المتحدة، القوة العظمى الوحيدة في العالم؛ أكبر ديمقراطية في العالم في الهند؛ وربما عن غير قصد، إلى نشر مفاهيم الحرية والديمقراطية والقانون العام البريطانية في جميع أنحاء العالم.

وعلى الجانب السلبي، أتلفت بريطانيا ذات مرة أمة بأكملها، وهي الصين، من خلال نشر الأفيون من أجل تحصيل عائدات المخدرات، وخلفت عجرفتها وهيمنتها العنصرية على الشعوب أجيالًا من الناس الغاضبين منها في العديد من البلدان، ومنها بلدان قريبة جدًّا من لندن، مثل أيرلندا.

وأما اليوم، فقد انخفض حجم تلك الإمبراطورية إلى 14 من الجزر المتناثرة، مثل جزر فيرجن البريطانية في جزيرة الكاريبي، وبيتكيرن في جنوب المحيط الهادئ. رابطة الأمم تأسست قبل الحرب العالمية الثانية، وتضمّ 54 من المستعمرات البريطانية السابقة، ولكنّها ليست أكثر من نصب تذكاري للإمبراطورية. موجة انحلال الإمبراطورية مستمرة الآن، ووصلت إلى شواطئ الجزر البريطانية نفسها.

وبالطبع، لم تعد بريطانيا منذ سنوات عديدة تتصرف كإمبراطورية، وذلك على الرغم من أنّ بعض المستعمرات السابقة لا تزال تواجه “الذل الاستعماري”.

وبدأت القوة الإمبراطورية في لندن تنهار خلال الحرب العالمية الثانية، وتحديدًا بعد أن وصلت الجيوش اليابانية إلى أبواب الهند وشواطئ أستراليا، وهو ما قصم ظهر الاستعمار الغربي، قبل أن تهزم اليابان في 1945. وجاء بعدها أيضًا تصاعد الحركات القومية في العالم لينهي الحقبة الاستعمارية، بدءًا من الانسحاب من الهند وباكستان في عام 1947. وقد يقول البعض إن الإمبراطورية البريطانية انتهت رسميًّا في شهر فبراير من ذلك العام.

ولكن تراجع القوة البريطانية لم يأتِ دون قتال. في عام 1942، قال ونستون تشرشل قوله الشهير: “نحن هنا لنحافظ على ما نملك. أنا لم أصبح وزيرًا أول للملك من أجل ترؤس تصفية الإمبراطورية البريطانية”. ولكن خلفاءه بدأوا يصفون الإمبراطورية منذ ذلك الحين. وعلى مدى عدة عقود، انسحبت بريطانيا من شرق السويس ومن أراضيها في أفريقيا، وكانت هونغ كونغ، التي عادت إلى الصين في عام 1997، من بين آخر ما ذهب بعيدًا عن الإمبراطورية.

واليوم، حتى هذا الدور البريطاني المتبقي والمنخفض بالفعل في التأثير بالشؤون العالمية، مهدّد من خلال الاستفتاء القادم في اسكتلندا، بغض النظر عن نتائجه. مايكل سيكستون، وهو كاتب في صحيفة استراليان، يقول: “حقيقة أنّ هذا الاستفتاء سوف يعقد بحد ذاتها تؤكد على تراجع الثقافة والثقة الإنجليزية عبر النصف القرن الماضي”.

ومع تراجع النفوذ البريطاني، قد يصبح حتى حفاظ لندن على حقها بالنقض (الفيتو) في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، على سبيل المثال، عرضةً للتساؤل، كما هو الحال بالنسبة لفرنسا أيضًا، والتي فقدت بطريقة مماثلة الكثير من إمبراطوريتها.

ربما يعجبك أيضا