مؤتمر بغداد.. إعادة لملمة البيت السني

محمود سعيد

رؤية – محمود سعيد

دعا عدد من القادة العراقيين السنة إلى تنظيم مؤتمر موسع للقوى السنية العراقية في بغداد لتشكيل مرجعية سياسية تتحدث باسم أهل السنة والجماعة بالعراق”.

شخصيات سياسية عراقية وعربية ودولية، ستحضر المؤتمر المقرر عقده في منتصف الشهر الجاري ببغداد وأربيل، المؤتمر يهدف كذلك إلى توحيد موقف المكون السني، لتشكيل رؤية موحدة تجاه القضايا والتحديات التي تواجه أهل السنة في عموم البلاد.

القيادي السني سامي الجنابي أكد أنه، ما لم يتفق السنة في المؤتمر على قيادة أمينة تمثلهم فستبقى ايران تحكم العراق وسيبقون في التيه أو الشتات كما حصل لبني إسرائيل.

تحضيرات سابقة

اجتماعات مطولة عقدتها أطراف سياسية سنية بارزة ورجال أعمال، في مدينة اسطنبول لمدة يومين، في مارس/ آذار الماضي، أفضت عن انبثاق تحالف سياسي جديد يعد بمنزلة مرجعية سياسية للسنة، برعاية أطراف دولية وعربية.

وقالت المصادر التي حضرت الاجتماعات، إن “رؤية مشتركة لتركيا ودول خليجية، إضافة إلى أمريكا والاتحاد الأوروبي، تسعى لترتيب البيت السني في العراق وإعمار المدن، وإعادة النازحين”.

وأضافت أن “الإرادة الدولية هذه، انطلقت من رؤية موحدة بأن تهميش السنة وعدم إعطائهم حقوقهم ومشاركتهم الفعلية في المشهد السياسي، أدت إلى نشوء الجماعات المتطرفة، وإذا لم يشعروا بمشاركة حقيقية، فإن النتائج ستكون ذاتها”.

المصادر التي رفضت الكشف عن هويتها، أكدت أن “الاجتماعات كانت إيجابية ولأول مرة يتكون مشروع سني موحد يجمع أبرز الأطراف المختلفة، استعدادا لمرحلة ما بعد تنظيم الدولة والانتخابات المقبلة”.

مؤتمر بغداد وأربيل

عقد المؤتمر في بغداد وأربيل في آن واحد، سببه عدم مقدرة بعض الشخصيات السياسية على الحضور إلى بغداد لوجود دعاوى قضائية بحقهم، ومن أبرزهم وزير المالية السابق رافع العيساوي.

وقالت المصادر، من داخل تحالف القوى (أكبر ممثل للسنة في الحكومة والبرلمان)، إن دبلوماسيين عربا وأجانب وممثلي منظمات دولية سيحضرون مؤتمرا موسعا تعقده كيانات سياسية سنية، برعاية رئيس البرلمان العراقي سليم الجبوري.

وكشفت المصادر أن “السفير الأمريكي في العراق دوغلاس سيليمان، سيكونان على رأس الحاضرين في المؤتمر، الذي سيعقد ببغداد وأربيل في آن واحد عبر دائرة مغلقة، وسفراء دول عربية وأجنبية سيحضرون المؤتمر ببغداد، كما أن ممثل الأمين العام للأمم المتحدة يان كوبيتش، سيكون من ضمن الحاضرين”.

نجاح المؤتمر بحسب مسؤول عراقي سيعني ستترتب عليه جملة من القرارات العربية لصالح العراق، من بينها تنظيم مؤتمر مانحين للعراق لإعمار المدن السنّية وفتح سفارات وطي صفحة الماضي.

قائمة المشاركين

وكشف النائب عن محافظة نينوى عبدالرحمن اللويزي، عن أسماء المشاركين في مؤتمر بغداد والخاصة بممثلي المكون السني في البلاد، حيث كشف أنه من بينهم من بينهم رجلي الأعمال البارزين خميس الخنجر، سعد البزاز، وأمير عشائر الدليم علي حاتم سليمان.

وقال اللويزي، ان طريقة اختيار المشاركين في مؤتمر ممثلي السنة والذي من المقرر عقده منتصف شهر تموز المقبل كان وفق الخطوات التالية:

1- القائمة تتكون من ثلاثة مجاميع، المجموعة الأولى وعددها (25) خمسة وعشرون شخصية، قامت باختيارها (5) خمسة دول هي (تركيا والسعودية والإمارات وقطر والأردن) بواقع (5) خمسة أسماء لكل دولة.

2- قام كل شخص من المجموعة الأولى، باختيار شخصية واحدة، وكل اسم في المجموعة الثانية قام باختياره الشخص الذي يقابل إسمه في المجموعة الأولى.

3- المجموعة الثالثة، تقول المعلومة، بأنه تم اختيارهم لغرض تحييدها وعدم معارضتهم، لضمان نجاح المؤتمر.
رئيس البرلمان العراقي

في حين قال رئيس البرلمان العراقي سليم الجبوري إن محاولات تلفيق تنشر حول مؤتمر للشخصيات والقوى العراقية سيعقد منتصف الشهر في محاولة لطمس الحقائق وتضليل الرأي العام والتقليل من شأن الجهود المبذولة في تحقيق مصالح البلد وشعبه ومكوناته.

وأشار في تصريحات صحفية “أن وحدة الصف والتعاضد لم تكن يوما عامل ضعف او وهن وان مواجهة الأزمات بروح التكاتف تعد خطوة واسعة على طريق ايجاد الحلول ولا شك ان من يريد افشال هذا المسعى او تضليل الرأي العام حوله قد وجد نفسه خارج إطار الأهمية فهذا المؤتمر الجامع ربما يحبط كل مساعيه في اثارة الفتن والتعكز على النعرات لإبقاء الحال كما هي عليه ولا شك أنه غير مبال بما يجري لأبناء المناطق المحررة منذ نحو 14 سنة مضت”.

وشدد الجبوري على ان “المؤتمر الذي سيعقد ليس مؤتمرا للمعارضة كما روج له البعض بل هو فرصة لايجاد خيمة جامعة من اجل تحديد رؤية مستقبلية للمقبل من الأيام بين ممثلي المحافظات المحررة ضمن الدولة (السنية) وانطلاقا من بغداد وان ما تم ترويجه من اسماء بزعم انها هي التي ستحضر دون غيرها هو عار عن الصحة فالجميع مدعو للحضور وسيتم الشروع بتوجيه دعوات لكل الشخصيات التي لها حضور مؤثر في المشهد العراقي”.

معارضة سنية ونفي للمشاركة

كما امتدت الخلافات حول المؤتمر إلى داخل المكون السني نفسه، حيث شككت بعض القوى بجدوى عقده، إذ اعتبر رئيس لجنة النزاهة النيابية “طلال الزوبعي”، أن مؤتمر المصالحة الوطنية مبني على “الفشل وأرض هشة، وأنه لا يقود البلد إلى الاستقرار”، مبيناً أن “بعض الشخصيات التي تدير هذا الملف عليها علامات استفهام لأنها غير قادرة على نيل الثقة من الآخرين”.

في هذا السياق، نفى  مصدر مقرب من “علي حاتم السليمان”، أحد شيوخ “قبائل الدليم”، مشاركته في المؤتمر، مؤكداً على أن “المشاركة في مثل هذه المؤتمرات تتطلب موافقه ومباركة إيران، ونحن ليس بالعملاء”، حسب تعبيره، مضيفاً: أن “السليمان أكد أيضاً على أن بعض الأسماء التي ستشارك في هذه المؤتمرات هم تجار دم ومنتفعون ويتاجرون بدماء وكرامة أهل السنه وليس لديهم أي قضية أو مشروع”.
كما أكد النائب عن “جبهة الإصلاح”، “مشعان الجبوري”، على أن الأمين العام للمشروع العربي في العراق، “خميس الخنجر”، لن يحضر المؤتمر بدافع أنه يرفض تبني أو دعم أي اجتماع أو مؤتمر “ذي صيغة طائفية”، على حد قوله.

فيما تجاهل محافظ نينوى “أثيل النجيفي” الاتهامات حول المؤتمر قائلاً: “أنه لا بديل لنا سوى تجميع قوانا السياسية على الرغم من الانتقادات والاتهامات”، مشيراً إلى: أنه “علينا بناء مشروع سياسي يخرج المناطق المنكوبة من حالة التيه والتشتت”.
تهديدات بالقتل للمشاركين

هددت كتلة “اتحاد القوى” الجهة القائمة على “المؤتمر” بالشكوى الى الامم المتحدة ودول أخرى في حال استمر التصعيد من بعض الاطراف ضد الشخصيات التي ستحضر المؤتمر.

وقال مصدر مقرب من شخصيات في “اتحاد القوى” بحسب “الجورنال نيوز” أن “تهديدات مستمرة من اطراف معروفة في البلد وصلت الى حد التصفية والاعتقال للشخصيات التي ستشارك في المؤتمر لايمكن السكوت عليها..، التهديد بالقتل ايضا”.

المليشيات والأحزاب الموالية لإيران، هددت بنسف المؤتمر، إذ توعّدت فصائل من تلك المليشيات باستهداف المؤتمر واعتقال القادمين من الأردن وتركيا من الشخصيات المشاركة عند وصولهم إلى مطار بغداد.

فيما قال أحد أبرز الشخصيات التي من المقرر أن تحضر المؤتمر، إن “الأطراف المعارضة، والتي هي بالغالب تابعة لإيران، لا تريد السنّة شركاء بل تابعين أو أعداء، وهو ما أوصلنا لهذه الحالة وسنبقى فيها إذا لم يتم وضع حد لعملية الإقصاء تلك”. وأضاف: “يريدون شخصيات تُسبّح بحَمْد خامنئي كمعيار الوطنية العراقية، وهذا ما لن يكون، فإما نكون شركاء في الوطن أو لن ندخل في العملية السياسية”.

مستقبل سنة العراق

إن المتأمل لما يجري في المحافظات العراقية ذات الأغلبية السنية من تهجير وتغيير ديموغرافي ممنهج واختراق إيراني عسكري، لا بد أن يشعر بالخطر العظيم الذي لا يهدد العراق فقط وإنما المشرق العربي بأكمله، فأمن الشرق من أمن العراق، وهذا الصمت غير المبرر من الأنظمة الرسمية جراء ما يحدث من إبادة غير مفهوم على الاطلاق، وقد وصل الأمر بمنع السني النازح من محافظة الأنبار من الدخول إلى بغداد إلا بوجود كفيل له، في حين يسمح للإيراني بدخول عاصمة الرشيد دون سؤال.

التدخل الإيراني “الفج” في عموم العراق بات معلوما للقاصي والداني وحتى التصريحات الرسمية الإيرانية لا تنكر ذلك بل وصور القادة العسكريين الإيرانيين في المدن العراقية تملئ فضائيات ما كان يسمى سابقا “محور المقاومة والممانعة”.

وقد رأى القيادي السني رافع العيساوي في الحلقة النقاشية التي اقيمت بمعهد بروكنز في الولايات المتحدة بخصوص “مستقبل العراق”، أن “كل من شارك في الحكومة العراقية، من أهل السنة تمت تصفيته أو تلفيق التهم له لطرده خارج البلد منهم طارق الهاشمي ورافع العيساوي وناصر الجنابي و احمد العلواني وعشرات غيرهم، مشيرا إلى أنه لا يمكن أن يتم التغاضى عما فعلته الميليشيات الشيعية بحجة محاربة داعش”.

وتابع رافع العيساوي: “هناك من يتخوف من تسليح اهل السنة, بحجة أن السنة سيحملون السلاح ضد الدولة, والسؤال هو لماذا يحمل أهل السنة السلاح ضد الدولة وهم شركاء فيها ؟”، ويضيف “إن أهل السنة يتساءلون ما هو الحل المقنع للشيعة لأزمة العراق, فهم لا يقبلون بأن يكون للسنة إقليم ولا يقبلون بالمشاركة السنية العادلة في الحكومة ولا يقبل الشيعة بالدستور ونصوصه, ولا حتى يرضون أن يقاتل أهل السنة داعش, اذن ماهو الحل؟! وأين نذهب”.

مآلات الحراك السني

القضاء على داعش لن ينهي الحراك السني في العراق، لان هذه الانتفاضة اشتعلت بسبب الاضطهاد وتهميش السنة في العراق، وهذا التهميش زادت وتيرته ووصل الأمر إلى تهجير المليشيات الطائفية ملايين العرب السنة في محافظات البصرة وديالى وحزام بغداد واحراق مدن بأكملها كما حدث في تكريت والموصل والرمادي والفلوجة  فضلا عن اعتقال وقتل الآلاف، وقد حذّر محمود الصميدعي، رئيس ديوان الوقف السني في العراق، من اقتتال داخلي في البلاد بعد طرد مقاتلي تنظيم “داعش” منها.

وحتى فصائل المقاومة العراقية وأبرزها (الجيش الإسلامي في العراق – جيش المجاهدين – كتائب ثورة العشرين – أنصار السنة – جيش الطريقة النقسبندية) دعوا إلى رفع الضيم عن “العرب السنة” وأن يحكموا أنفسهم بأنفسهم، وأن يساندهم العالم في تخليص العراق من الاحتلال الإيراني، ومما سبق يتبين أن هزيمة داعش لن ينهي المعارك في العراق، بل ستكون شرارة لبداية مرحلة جديدة من الصراع الطائفي بين السنة والشيعة ليس في العراق وبحسب، وإنما كذلك في المنطقة بأسرها، وطالما استمرت المظلومية السنية في المنطقة، ستظل الأوضاع مشتعلة، وستمتد النار لبلدان أخرى.

ورغم كل شيء فقد أثبت العرب السنة أنهم رغم محاولات الاقصاء والتهميش التي تعرضوا لها طوال 14 عاما، أنهم الرقم الصعب في العراق والمكون الرئيسي فيه، فبهم يستقر العراق وبتهميشهم يتفتت وتسقط أرض بابل في اتون صراعات تزلزل المنطقة والعالم أجمع.
https://www.youtube.com/watch?v=41nyiLY-KkM

ربما يعجبك أيضا