من جديد.. “زهرة المدائن” على طاولة اللئام

ولاء عدلان

 
كتبت – ولاء عدلان
 
في فصل جديد من فصول تهويد القدس والتلاعب بالحقائق الجغرافية لصالح سياسات الاحتلال، يناقش الكنيست الإسرائيلي، اليوم الإثنين، مقترحا يدعو إلى توسيع منطقة نفوذ القدس وإعلانها مدينة كبرى، بضم خمس مستوطنات كبيرة اليها، مقابل إخراج مخيم اللاجئين شعفاط، وكفر عقب وعناتا منها.
 
المقترح المقدم من عضو الكنيست عن “حزب الليكود” كاتس ويوآف كيش، تحت عنوان “مشروع قانون القدس الكبرى” جاء للرد على مبادرة مبادرة نفتالي بينت “البيت اليهودي” لتعديل قانون أساس القدس، ويسعى إلى تحويل القدس لمدينة ضخمة عبر إدخال نحو 150 ألف إسرائيلي يعيشون في خمس مستوطنات تقع في مناطق الضفة الغربية: معاليه ادوميم، غبعات زئيف، غوش عتصيون، افرات وبيتار عيليت، إلى نطاق القدس الإداري، وفي المقابل سيتم إخراج نحو 100 ألف عربي مقدسي يقطنون في مخيم اللاجئين شعفاط وكفر عقب وعناتا، هذا وفقا لما نشرته صحيفة “يديعوت”.
 
الشيطان يكمن في التفاصيل
 
مشروع القانون المثير للجدل يأتي في إطار لعبة المحتل التقليدية للتحايل على العالم، بحيث يدعي كيش في مقترحه بأنه سيتم ضم هذه المستوطنات من ناحية بلدية إلى القدس فقط وليس إلى إسرائيل، حتى يسهل إقراره داخل الكنيست دون إحداث ضجة تؤثر على إسرائيل داخل أروقة المجتمع الدولي، وهذا ما قاله صراحة الوزير كاتس اليوم للصحفيين، “الواقع السياسي لا يتيح لنا إحلال السيادة الإسرائيلية على هذه المناطق الآن، ولذلك سيتم الآن ضمها إلى القدس، وسنبذل كل جهود لتمرير هذا القانون بدون أي مساومة، وسنمارس الضغوط على كل من يعرف نفسه حزباً صهيونياً”، معتبراً أن الخطوة ليست إحلالاً للسيادة كما كان يرغب بها، وإنما خطوة أولى في الطريق إلى ذلك.
 
وأضاف القانون يتيح توفير غالبية يهودية في القدس الموسعة وفي القدس نفسها، ويتيح التفكير الإقليمي بمتروبولين القدس، ويعزز الحاكمية على الأحياء العربية، زاعما أن القدس هي العاصمة الموحدة والأبدية للشعب اليهودي ودولة إسرائيل، ويجب عمل كل ما من شأنه أن يقوي القدس، ويعزز مكانتها كعاصمة لإسرائيل ذات غالبية يهودية كبيرة.
 
إذن هي ثقافة تسمين المستوطنات التي ينتهجها المحتل منذ عهد بعيد، فبالعودة لمشروع القانون نجده سيترتب عليه إخراج 100 ألف عربي من الناحية البلدية من القدس لصالح زيادة نسبة اليهود، خاصة في ظل الهجرة السلبية لليهود من القدس، ولا يلغي الاقتراح الجديد السلطات المحلية والأجهزة البلدية القائمة في هذه المستوطنات، وإنما ينص على بقائها كسلطات مستقلة تعمل على إدارة شؤونها بنفسها، بما في ذلك انتخاب رئيس سلطة محلية، وبشكل مواز ستعتبر “بلدة تابعة” للقدس، وبإمكان المستوطنين فيها المشاركة في انتخاب رئيس بلدية الاحتلال في القدس، ما يعني أنه سيتم ضم هذه المستوطنات للقدس، بدلاً من ضمها لـ “إسرائيل”.
 
“تهويد القدس” بلا هوادة  
 
حزب الليكود بهذا القانون المثير للجدل لا يسعى فقط للتنافس على أصوات اليمين أمام منافسه البيت اليهودي، بل للحصول على مكاسب أكبر في الشارع الإسرائيلي تخدم شعبيته وتعززها، فهو يقدم نفسه في صورة المدافع عن حلم إسرائيل الكبرى بعاصمتها القدس، نعم إن المحتل يؤكد يوم بعد يوم أنها فقط مسألة وقت ليحقق مساعيه بإعلان القدس عاصمة له، عبر محاولاته التي لا تنفذ ولا تنتهي لتهويد القدس وطمس كل ما هو عربي ومقدسي.
 
القدس الكبرى مصطلح يستخدم لوصف منطقة تضم 100 ميل مربع حول مدينة القدس العتيقة، ومنذ العام 1967ينفذ المحتل مشروعا لتوسيع القدس تحت قانونه رغما عن أنف المجتمع الدولي الذي يعتبر الاستمرار في بناء المستوطنات خرقاً للقانون الدولي، وذلك عبر ضم حيازات مقدسية إلى المستوطنات ومن ثم إدخالها في نطاق القدس الكبرى إداريا، كما حدث في مستوطنات مثل معالية ادوميم وجوش عتصون وجفعات ، بهدف خلق كتلة هائلة من الاستيطان والمستوطنين، تشطر الضفة الفلسطينية إلى شطرين كبيرين، شمالي وجنوبي، تفصل بينهما القدس الكبرى، تمهيدا لإعلانها عاصمة لإسرائيل من جانب واحد، ومن ثم لن يكون أمام الفلسطينين والمجتمع الدولي سوى التعامل مع سياسة الأمر الواقع التي تحترفها إسرائيل منذ العام 1948.
 
بالنسبة للمجتمع الدولي فالقدس الكبرى تمثل عاصمة للدولتين الفلسطينية والإسرائيلية في إطار الحل النهائي للصراع العربي الإسرائيلي، وفي عام 2013 اقترح وزير الخارجية الأمريكي السابق جون كري على الرئيس الفلسطيني محمود عباس القبول بهذا الحل إلا أنه رفض ذلك، فالسلطة الفلسطينية وكذلك  العالم العربي ككل لا يقبل بالمساومة على القدس باعتبارها رمزا تاريخيا للقضية الفلسطينية، هذا فضلا عن مكانتها في قلوب مسلمي ومسيحي الشرق.
 
وأمام تعاظم شهوة الأرض لدى المحتل الإسرائيلي، يتعاظم كذلك مفهوم “القدس الكبرى” يوما بعد يوم، إلى أن بات عنوانا لنحو 70% تقريباً من مساحة الأرض في الضفة الغربية، بحسب الباحث الأمريكي جيفري أرونسون، وهذا كله والقرار العربي في حالة سكون تام، أما الداخل الفلسطيني فمنقسم على نفسه ومتناحر على السلطة، لتبقى زهرة المدائن وحيدة أمام المخطط الصهيوني تواجه مصيرا يبدو أنه بات قريبا إلا إذا قررت المنظومة العربية الانتقال إلى خانة الفاعل والدفاع بشراسة عن أخر ما تبقى من القضية الفسلطينية بعيدا عن بيانات الشجب والإدانة.

ربما يعجبك أيضا