ماذا وراء استهداف اللاجئين السوريين في عرسال ؟

محمود سعيد

رؤية – محمود سعيد

الحملة التي يقوم بها الجيش اللبناني بتنسيق مع مليشيا “حزب الله” التابعة لإيران بحق اللاجئين السوريين في عرسال، ليست اعتباطية أو رد فعل على اي انتهاك أمني كما أراد أن يصورها البعض، وقد تعرضت لانتقادات واسعة من سياسيين لبنانيين بارزين، كما طالبت منظمات حقوقية وهيئات علمائية بإجراء تحقيق لما جرى من تعذيب وقتل لـ”اللاجئين”.

مليشيا “حزب الله” الإرهابية دخلت الأراضي السورية وتسببت في تدمير المدن السورية وتهجير اهلها، ولاسيما القلمون ومحيط دمشق، والغريب أن الجيش اللبناني لم يستطع ان يمنع تلك المليشيات الإرهابية من احتلال مدن في دولة مجاورة.  

البداية

شنت أفواج النخبة في الجيش اللبناني الأسبوع الماضي، حملة عسكرية ضد اللاجئين السوريين في مخيمي “النور” و”القارية” عند أطراف بلدة عرسال، أسفرت عن مقتل 18 لاجئاً، بينهم طفلة واعتقال أكثر من 400 لاجئ، وتشريد المئات بعد حرق خيمهم.

وأكد حقوقيون ارتفاع حصيلة ضحايا عمليات التعذيب التي نفذها جيش لبنان بحق معتقلين سوريين، إلى 10 شهداء، وذلك بعد أن احتجزهم أثناء هجومه على مخيمات اللاجئين في منطقة عرسال الحدودية.

وأحالت المخابرات اللبنانية 356 معتقلاً سورياً، إلى القضاء بتهم مختلفة بعد اعتقالهم في وقت سابق من مخيمات اللاجئين في عرسال.
أرقام

ويبلغ عدد السوريين في لبنان نحو مليون و300 ألف، ويعيشون في ظروف إنسانية صعبة، في حين تشن قوات الأمن والجيش اللبناني حملات اعتقال يومية في صفوف اللاجئين بتهم “دخول البلاد بطريقة غير شرعية” أو تهم تتعلق بـ”الإرهاب”.

وقد أعلنت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في وقت سابق، أن حوالي 70% من اللاجئين السوريين في لبنان يعيشون تحت خط الفقر.

انتقادات

بدوره كتب ‏الأمين العام المساعد لتيار أهل السنة في لبنان ربيع حداد: ” يبدو أن مغامرة الجيش اللبناني في عرسال كانت بالون اختبار في سياق أجندة حزب إيران لخلق منطقة آمنة في القلمون، والآتي أعظم”.

وكانت منظمة “هيومن رايتس ووتش” الحقوقية الدولية،  طالبت الجيش اللبناني بالتحقيق في وفاة السوريين، أثناء احتجازهم عقب مداهمات نفذها الأسبوع الماضي. وقالت نائبة مديرة قسم الشرق الأوسط في المنظمة، لمى فقيه، في بيان صحفي: إن “الجيش اللبناني أقر بوفاة أربعة أشخاص خلال الاحتجاز، دون الكشف عن ظروف وفاتهم”.

وأضافت فقيه أنه “في ضوء اعتراف الجيش نفسه بأن حالة المحتجزين الصحية تدهورت أثناء احتجازهم، يجب إجراء تحقيق رسمي وشفاف ومستقل، وفي حالة ارتكاب مخالفات، يجب محاسبة المسؤولين عن الوفيات”.

أما مؤسس حزب الله اللبناني، صبحي الطفيلي، فطالب بمحاكمة كل من تورط في قتل وتعذيب اللاجئين السوريين في عرسال.
اتهامات

وأكد حقوقيون ارتفاع حصيلة ضحايا عمليات التعذيب التي نفذها جيش لبنان بحق معتقلين سوريين، وذلك بعد أن احتجزهم أثناء هجومه على مخيمات اللاجئين في منطقة عرسال الحدودية.

من جهته قال المحامي اللبناني نبيل الحلبي مدير مؤسسة “لايف” الحقوقية، إن “جميع المعتقلين الذين قضوا تحت التعذيب في أقبية الجيش اللبناني هم من بلدات القصيّر، فليطة، قارة التي يحتلها حزب الله ويمنع أهلها من العودة إليها”.

وشبه “الحلبي” ما حدث بـ”صيدنايا لبنان” في إشارة إلى الانتهاكات التي يرتكبها نظام الأسد بحق المعتقلين في سجن صيدنايا قرب دمشق.

الحكومة اللبنانية ضعيفة

ورأى الوزير السابق أشرف ريفي أن “ميليشيات “حزب الله” تحاول تغذية التحريض على اللاجئين السوريين ورفع الاحتقان اللبناني عليهم بهدف زيادة هيمنتها”، واعتبر ريفي، أن “الحكومة اللبنانية ضعيفة منذ تشكيلها ورهينة بيد ميليشيات “حزب الله” ونظامنا البرلماني الديمقراطي تحوّل إلى نظام تملي عليه ميليشيات “حزب الله” القرار”.

وجزم بأن “سلاح “حزب الله” في لبنان لم يعد سلاح مقاومة ولكن سلاح ميليشيا لا يختلف عن الحشد الشعبي  في العراق”، كما لفت الى أنه يمكننا التنسيق مع الأمم المتحدة لعودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم بدون التنسيق مع النظام السوري، وقال: “سيتحمل مسؤولية كل من يخطئ بحق عرسال واللاجئين السوريين”.

وتابع: أدعو تيارالمستقبل والقوات اللبنانية لإعادة النظر بالإستمرار بحكومة تضع رأسها برمال الوصايةالإيرانية.اليد ممدودة على قاعدة الإلتزام بالثوابت.

الجاني الحقيقي

مصادر لبنانية مطلعة أكدت وفقا لـ”أورينت” أن حزب الله هو من يقف خلف ما جرى في عرسال وأن الجيش اللبناني تم توريطه في ذلك “الجيش كان ينفذ عملية لتوقيف مطلوبين، إلا أن هناك من يقف وراء توتير العلاقة بين الجيش اللبناني واللاجئين، من المعروف أن المخابرات في الجيش اللبناني مخترقة من قبل حزب الله.”

فحزب الله يسعى بشكل دائم لإقحام الجيش اللبناني في المعارك على الحدود مع سوريا في جرود عرسال، وكشفت المصادر عن وجود اختراق للميليشيا في صفوف بعض أفرع مخابرات الجيش لا سيما في الجنوب والبقاع .

وأكد المصدر أن علاقة قائد الجيش اللبناني بحزب الله وحركة أمل سيئة بسبب إصرار الأول على فتح ملفات فساد تتعلق ببعض “الضباط المحسوبين على الثنائي الشيعي” مضيفاً “وتم توقيف سائقين لأحد الضباط الشيعة وأخلي سبيلهما فيما بعد”.
الهدف جرود عرسال

حسن نصر الله في خطابه الأخير أمهل من سماهم المسلحين المنتشرين في جرود عرسال “فرصة أخيرة” للخروج من المنطقة ضمن تسوية يرعاها حزب الله، والا فإن مليشياته المصنفة إرهابية في صدد إطلاق معركة للانتهاء من “التهديد” الذي يمثّلونه، محذّراً من أنّ “الوقت بات ضيّقاً” ومؤكداً أنّ “أوان التخلص من هذا العبء آن”.

فيما أعلن رئيس الحكومة سعد الحريري رفضه أي عملية عسكرية قد يشنها حزب الله في الجرود.

وتشير مصادر بحسب “أورينت” إلى أن الجيش قد وضع الأحد 16 يوليو/ تموز موعداً غير معلن لانطلاق المعركة في الجرود، في حين سرب حزب الله موعداً آخر في 15 تموز أي قبل الموعد المحدد من الجيش بليلة واحدة، ما يطرح التساؤل من سرب الموعد الذي حدده الجيش لحزب الله؟ أم هي صدفة؟ وهنا تشير المصادر إلى تسريب صور وفيديوهات التعذيب بعيد عملية عرسال وما تبعها من حالات وفاة لعدد من الموقوقفين السوريين، وما علاقة حزب الله بالأمر.

وتشير المصادر إلى أن إستماتة حزب الله على استلام زمام الأمور في عرسال لها بعدان، الأول داخلي له علاقة باستمرار ذريعة أن حزب الله هو القوة الوحيدة التي تستطيع حماية لبنان وهي تكمل دور الجيش، والثاني إقليمي لإعطاء موطئ قدم لإيران على الحدود اللبنانية السورية بعد إستبعادها من بعض المدن السورية ولاسيما الجنوب السوري بعد التفاهم الروسي-الأميركي-الأردني.

انتداب أممي في عرسال

ولفتت مصادر دبلوماسية إلى ترتيب جديد للأوضاع بعد تحرير جرود عرسال وخاصة لناحية المدنيين السوريين اللاجئين والذي يقترب عددهم من 100ألف، وعودتهم شبه مستحيلة حالياً بسبب احتلال حزب الله لقراهم في القصير والقلمون الغربي.

وتؤكد تلك المصادر، أن الأمم المتحدة سترعى وضع اللاجئين في الجرود وقد يتم إرسال قوات دولية لحمايتهم ورعاية أوضاعهم، في حين أن حزب الله والنظام السوري يحاولان قطع الطريق على الأمم المتحدة عبر محاولة إنجاح عودة مئات من العائلات السورية إلى عسال الورد وبعض قرى القلمون لتكون نموذجا عن منطقة يسمونها آمنة تحت إشرافهم المباشر.

تساؤلات مشروعة

أما هيئة علماء المسلمين في لبنان إحدى أهم مرجعيات السنة في لبنان، فقد تساءلت، ماذا بعد انكشاف الحقيقة وظهور الصور التي تثبت أن اللاجئين السوريين قضوا تحت التعذيب عند الجيش اللبناني؟ وهل سيتحرك القضاء العسكري لمحاسبة الفاعلين؟، وهل ستتحرك رئاسة الحكومة وتطالب بالتحقيق السريع والشفاف؟ وهل سيتحرك مجلس النواب لمساءلة الجيش عن هذه الجريمة التي جرت في أقبيته؟ وهل سيتحرك رئيس الجمهورية ليحمي الدستور ويحافظ على خطاب القسم الذي بدأ به عهده؟ وهل سنرى تحقيقاً حقيقياً خلال الأيام القادمة ومحاسبة جدية للمرتكبين المجرمين ومَن وراءهم أو أننا سنقول على الضمير والإنسانية السلام في بلدنا لبنان؟

ربما يعجبك أيضا