اصرخ بملء صوتك.. حتى منتهى الشغف

 كتبت – علياء عصام الدين

كيف يمكن أن نبقي الشغف مشتعلًا، أو نستعيد اللهفة، وأين السبيل لطرد “اللامبالاة” وإشعال حطب المواقد التي أطفأتها البرودة وأرهقتها التفاصيل.

كم هي قاسية هذه الحياة فقد روضتنا تمامًا، فهي تعلمنا بالصدمات، تعلمنا بالملل، تعلمنا بالنسيان، وتقتلنا بالذاكرة.

السم البطئ الذي تبثه فينا دون أن ندري بالروتين والجمود والاختلافات والفقد، يصدمنا بالحقيقة، من كانوا هنا أصبحوا هناك ومن كانوا هناك أضحوا هنا، الأحلام القصوى فقدت رونقها، لم تعد تعني لنا شيئًا، وتلك الأمور الهامشية التي لم نلتفت يومًا إليها أضحت ذروة أمانينا.

نحن لا نحزن على أحلامنا التي لم تتحقق بقدر حزننا عندما نكتشف أنها لم تكن أحلامًا منذ البداية.

من اخترناهم لا نجدهم إلى جوارنا ولا بإمكاننا العيش بدونهم، هذه الاحتياج والتوسل لتقليص هذه المسافات الشاسعة التي أوجدتها الحياة تحدي مصيري بعد أن جثى السكون على أنفاسنا حتى شارفنا على الاختناق.

بإمكان عيون القلب أن تحزن، ذلك الحداد الذي نقيمه داخل أرواحنا لا يخص الموتى، بل يخص ” أنفسنا ” فنحن نحزن على بقايا الذات التي تتلاشى ذرة ذرة، تلك التي تتفتت مع كل التفاته بتقليب صفحات الحياة وبمرور السنين.

إن الأمر كله متعلق بـ”الشغف” وما أصعب أن يموت الشغف.

منذ متى وكيف بدأ عندي هذا الولع بفكرة الشغف؟ هذا لا يهم، ما يهم هو أن وجودي سيصبح يومًا ما خلاصة تجاربي التي لا يمكن أن تخلو من “الشغف” مهما كان الثمن.

يقولون إن الشغف مسمم للحياة لأنه يخطف صاحبه من الواقع ويلهيه تمامًا عن ذاته ومحيطه.

ذلك “الهوس” الذي يستبد بالمرء العاشق هو تسمم غير قابل للشفاء، لكنه يمثل الحياة ذاتها، فهناك فرق شاسع بين أن تحيا وأن تعيش.

أن ” تحيا ” يجب ألا تقبل بأنصاف الحلول، يجب أن تلعن “الوسطية” ألا ترتكن للعقل أن تستند للجنون، فأروع الأشياء تلك التي يقترحها “الجنون” ويطبقها “العقل” .

نحن نتعلم كيف نتخلى، نحزن قليلًا لكن سرعان ما نصفو، نفقد الأشياء والأشخاص والأصدقاء ونكتسب غيرهم، وفي غفلة منا نترك خلفنا ما نعتقد أنه سبب آلامنا ونفتح أذرعنا للجديد.

في هذه الانتقالة ومع كل جديد “جرعة حياة” تضيف إلى أرواحنا قطعة سكر، لتقلل مرارة الأيام وتعيد لنا التوازن.

أن تتمكن من الحفاظ على تلك “اللهفة” أن تطيل لحظات ما قبل الاعتراف، أن تبقي على الأسرار داخلك دون أن تبوح هنا تكمن الحقيقة.

أن تؤمن بأن هناك فصولًا للحياة، فصل الدهشة، الانتظار، فصل الفراق، النسيان، وأن تحافظ على شغفك في كل هذه الفصول هنا يكمن النجاح.

عليك أن تبدأ من جديد ألا تستسلم، أن تستيقظ كل صباح بروح جديدة متجردًا من كل أحزانك ناسيًا كل ما مضى، ألا تنتبه بأنك “تعيس” ألا تكرر كلماتك، ألا تصر على رأيك، أن تتجدد دماءك، أن تحمي غموضك، أن تولد كل يوم بذاكرة بيضاء ناصعة.

أن تعترف أن الحياة ليست بهذه السهولة، أن تطرق أبواب العشق وأنت على أتم اليقين أن لا وجود لحب أبدي، أن تعتاد الصدمات وتتوقع كل شئ، أن تستعد دائمًا لخوض المعارك.

أن “تقاوم” لأن الحياة لن تستقيم دون “صمود”، أن تتعلم كل ما هو جديد أن تجتهد، أن تواجه الجهل بالوعي والشرور بقلب طيب.

أن تواجه الكره بالحب والفشل بالإصرار، فما تعتقده خسارة ربما يصبح مسؤولًا عن أهم انجازاتك.

أن تعلن الحرب على ذاتك، أن تتفوق عليها، هنا تكمن اللذة، أن تصرخ بملء صوتك حتى منتهى الشغف.

ربما يعجبك أيضا