في القدس.. الصلاة على الأسلفت والحرم للمستوطنين

محمود

رؤية – محمد عبد الكريم

القدس المحتلة – لعل الصورة التي رسمها الشاعر الفلسطيني تميم البرغوثي في قصيدته بالقدس عندما قال: “”في القدسِ شرطيٌ من الأحباشِ يُغْلِقُ شَارِعاً في السوقِ، رشَّاشٌ على مستوطنٍ لم يبلغِ العشرينَ، قُبَّعة تُحَيِّي حائطَ المبكَى..في القدسِ دَبَّ الجندُ مُنْتَعِلِينَ فوقَ الغَيمْ ف،ي القدسِ صَلَّينا على الأَسْفَلْتْ،في القدسِ مَن في القدسِ إلا أنْتْ”، تختزل واقع المدينة الاليم.
 
فبعد إغلاق لثلاثة ايام لاول مرة منذ عام 1969 بعد عملية فدائية في باحاته اسفرت عن قتل عنصرين من قوات الاحتلال، فالاوضاع لا تزال متوترة وقابلة للانفجار منذ ثلاثة ايام عقب فتحه ولكن بشرط ان يمر المصلون الفلسطينيون عبر بوابات الكترونية، وهو ما يرفضه الفلسطينيون ويواصلوان الاحتجاج عليه واداء الصلوات الخمس على الاسلفت عند بوابات الاقصى بعد صدور فتوى تحرم الدخول للمسجد عبر هذه البوابات، في الوقت الذي يقتحمه المستوطنين يوميا، بحماية وحراسة قوات الاحتلال.
 
وفتح الجنود بإيعاز من قادتهم في المستوى السياسي والأمني -مكتب رئيس حكومة نتنياهو-، وبالتدريج كما ادّعوا، أبواب المسجد الأقصى، بعد إغلاقه لما يقارب 53 ساعة، من السابعة من صباح الجمعة 14 تموز الجاري وهي لحظات استشهاد الشبان جبارين ومقتل شرطيين إسرائيليين، وحتى ساعات ظهر الأحد 16 تموز الجاري، وهي المرة الأولى منذ العام 1969 التي يغلق فيها المسجد الأقصى ويمنع فيه الأذان.
 
باب الأسباط كان العنوان الأكبر لمئات المصلين المقدسيين، الذين افترشوا الأرض في الحر الشديد، متحدّين مئات الجنود وضباط الأمن الاسرائيليين، الذين وقفوا يتابعون إصرار الأهالي في الدفاع عن مقدساتهم، ولم تخلو صلاة واحدة أو تجمع واحد من اعتداء وبطش الاحتلال وجنوده الذين أصابوا عددا من المقدسيين بجروح بعد الاعتداء عليهم بالغاز المسيل للدموع وقنابل الصوت والعصي والضرب بالأيدي، كما احتجزوا واعتقلوا عددا من الشبان بطريقة وحشية، في حين اندلعت مواجهات في حارتي باب حطة والسعدية الملاصقتين للمسجد الأقصى، وفي العديد من أحياء وبلدات القدس المحتلة.
 
ويهدف الاحتلال عبر بواباته الالكترونية إلى إذلال المصلين والمواطنين خلال دخولهم وخروجهم إلى الأقصى، وتوجيه رسالة للعرب والمسلمين أنه صاحب السيادة المطلقة على الأقصى ويحق له التصرف في نواحيه، لكن المقدسيين ردوا عليه بالرفض، حتى يعود الوضع إلى ما كان عليه قبل البوابات الالكترونية وحواجز التفتيش.
 
ورغم أن الاحتلال يدرك جيدا حساسية المساس بالمسجد الأقصى، والذي منه انتشرت شرارة “الانتفاضة الثانية” في 28 أيلول 2000، بعد أن قام وزير جيش الاحتلال آنذاك أريئيل شارون باستباحة المسجد برفقة 3 آلاف جندي، ما أشعل مواجهات عنيفة أصيب خلالها العشرات من الشبان بالرصاص والغاز، إضافة إلى إصابة العشرات من جنود وشرطة الاحتلال، وفي اليوم التالي استمرت المواجهات واشتدت حدتها، ما أدى إلى استشهاد ستة شبان في ساحات المسجد الأقصى، إلا أن الاحتلال يستمر ويُمعن في التنكيل بالمقدسيين والتضييق على حركة الدخول إلى الأقصى، والسماح للمستوطنين المتطرفين بتدنيس ساحاته، وهو ما يشعل بين فترة وأخرى مواجهات في ساحاته ومحيطه والبلدة القديمة.
 
رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو صرح أمس لصحيفة “معاريف” العبرية، بأن إزالة البوابات الالكترونية لن يتم من خلاله، وأن الأقصى سيفتح أمام “الزوار” الإسرائيليين خلال الأيام القادمة، في إشارة إلى تماديه في إحكام السيطرة على الأقصى. ولم تمضِ ساعات على تصريحه حتى فتحت الأبواب أمام المتطرفين اليهود الذين اقتحموا المسجد في ساعات الصباح الأولى من هذا اليوم، فيما قام الاحتلال بمنع المزيد من حراس الأقصى من دخوله حتى إشعار آخر.
 
وبحسب صحيفة “إسرائيل هيوم”، فإن الشرطة الإسرائيلية طلبت تركيب بوابات الكترونية منذ العام 2014، وهو ما يؤكد الترصد والنية المسبقة لدى الاحتلال لمحاولة تغيير الوضع القائم، وجر المنطقة إلى مواجهات جديدة لم يتعلم من خلالها الاحتلال أن المساس بالمقدسات والقدس لن يكون هيّناً، وأن آلاف الشهداء الذين ارتقوا دفاعا عنه، سيعاودون وبالآلاف. 
 
وأكد مسؤول الإعلام في أوقاف القدس فراس الدبس، أن موظفي الأوقاف بجميع أقسامها، بمن فيهم حراس المسجد الأقصى، يرفضون الدخول الى المسجد الأقصى عبر البوابات الإلكترونية.
 
على الجانب الرسمي حذرت السلطة الفلسطينية وحركة حماس أمس من خطورة تداعيات الإجراءات الاحتلالية. وهاتف رئيس الوزراء رامي الحمد الله، نظيره الأردني هاني الملقي حيث بحثا اخر التطورات، والتصعيد الإسرائيلي الخطير بحق الأقصى والمساعي المبذولة من قبل القيادتين الفلسطينية والأردنية، في الدفاع عن المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، ووقف الانتهاكات الاسرائيلية. وأكد الرفض المطلق للذرائع الأمنية الإسرائيلية في تبرير خطواتها التصعيدية في المسجد الأقصى.
 
وقال إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إن الشعب الفلسطيني والمقاومة لن يسمحا بتمرير مخططات الاحتلال في الأقصى.
 
وأضاف في تصريح “إن الأقصى معركة مفتوحة، فهو قبلة المسلمين الأولى ومعركة هوية، وعنوان قضية دونه ترخص الدماء وتهون الأرواح”. وتابع مخاطبا أهل القدس نحن في معركة واحدة، وحماس لن تسلمكم ولن تخذلكم، وأبناؤها يعرفون طريقهم لنصرة الأقصى”.
 
ودعت حركة فتح لمواجهة التصعيد الإسرائيلي، بيوم غضب عارم غدا الأربعاء، وزحف جماهيري وشد الرحال نحو المسجد الأقصى. ودعت لأداء صلاة الجمعة في الساحات العامة في المدن الفلسطينية نصرة للمسجد الأقصى والمقدسات وضد ممارسات الاحتلال الاسرائيلي الإرهابية حتى يرجع الاحتلال عن ممارساته.
 
وفي الداخل الفلسطيني، يزداد التوتر بتعرض مسجدين في قرية المغار، شمال فلسطين، أحدهما لهجوم بقنبلة صوتية والآخر لإطلاق نار. هذا ما أكدته الشرطة الإسرائيلية التي نشرت تعزيزات في القرية حسب زعمها. وتشهد القرية، التي تجمع بين الطائفتين السنية والدرزية توترا، لكون أحد الشرطيين اللذين قتلا في عملية الأقصى ينتمي إلى هذه القرية.
 
وأعربت الشرطة عن قلقها من حصول تصعيد، وقالت متحدثة باسمها في بيان إن المسجدين تعرضا للهجوم قبل ساعات الفجر، مشيرة الى أنه لم تقع إصابات.

ربما يعجبك أيضا