إعادة تأشيرة السياحة بالسعودية.. نقلة نوعية وتحريك للاقتصاد

حسام عيد – محلل اقتصادي

عادة ما يشكل السياح الأجانب العمود الفقري لمساهمة القطاع السياحي في الناتج المحلي الإجمالي، والذي يعتبر رافدًا رئيسيًا اليوم في اقتصادات دول العالم.

لذلك لجأت المملكة العربية السعودية إلى إعادة إحياء التأشيرات السياحية التي فتحتها للمرة الأولى في الفترة من عام 2008 إلى عام 2010، في خطوة تنسجم مع متطلبات “برنامج التحول الوطني 2020″، و”الرؤية السعودية 2030″، وهي الرؤية التطويرية التي تولي صناعة السياحة اهتماماً كبيراً في برامجها ومشروعاتها التنموية، منذ إعلان تفاصيلها في أبريل 2016.

أسباب عودة التأشيرات السياحية

يواجه قطاع السياحة في المملكة مصاعب بنيوية، وعلى رأسها غياب السياح الأجانب والاكتفاء بموارد الحج والعمرة كبديل.
عدم إصدار تأشيرات للسياح الأجانب في السابق يعد عاملا سالبًا، إلا أنه يقابل بعامل إيجابي يتمثل بالأماكن المقدسة، خلاف أن نسبة الإنفاق على السياحة المحلية من قبل السائح السعودي لا تجاري إنفاقه على السياحة الخارجية وتحديدا من قبل الطبقة الغنية والمتوسطة.

لكن رغم كل هذه العوامل المتنافرة إلا أنها لم تقلل من زخم المكاسب التي حققها هذا القطاع، حيث جاءت المملكة في مراكز تراتبية جيدة في سلم المعايير الأربعة “الأساسية” التي تتصدر قائمة المؤشرات العالمية لهذا القطاع (المساهمة في الناتج المحلي، التوظيف، الاستثمار، نسبة السياحة المصدرة من إجمالي الصادرات)، وهي مكاسب تحققت بحكم عوامل عديدة من بينها التخطيط طويل الأمد للهيئة العامة للسياحة والتراث والعمل المؤسسي المترسخ، والتطور الذي حدث في المنشآت السياحية خلال السنوات القليلة الماضية، إذ بلغت مساهمة هذا القطاع (المباشرة) في الناتج المحلي 3.3% وذلك وفقا لتقرير المجلس العالمي للسفر والسياحة عن نتائج العام الماضي 2016، وهو معدل يتطابق مع معدل دول الشرق الأوسط، ويزيد على المعدل العالمي 3.1%، بل ويتفوق على دول مثل مصر 3.2% وإسرائيل 1.9%، وقد يستغرب البعض عندما يعلم أن هذه النسبة في أمريكا 2.7% والبرازيل 3.2%.

وفي مجال التوظيف في هذا القطاع فقد بلغت نسبة المملكة 5.1% وهي بذلك تتفوق على معدل الشرق الأوسط 3.1%، وتتجاوز المتوسط العالمي 3.6%، أما في مجال الاستثمار السياحي فإن المملكة قد حصلت على مركز عالمي متقدم (السادس)، وهي بذلك تتفوق على دول ذات وزن كبير في هذا القطاع.

أما في مجال إنفاق السياح الأجانب فنسبة إلى الصادرات ولعدم وجود تأشيرات سياحية مفتوحة فإن القادمين ينحصرون غالبا في الحجاج والمعتمرين، ومعظمهم يأتون من ثلاث دول ذات دخل فردي متدن إضافه لارتفاع قيمة صادرات المملكة من النفط، وبالتالي تحصل المملكة على نسبة قليلة نسبيا 5.5%، وتقع في المرتبة ١٢١ على مستوى العالم.

خطوة إيجابية

من شأن الخطوة التي أعلنت عنها الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني فتح باب الكنز المغلق، وإيجاد رافد جديد من روافد الدخل، وزيادة العمليات التشغيلية لقطاعات الخدمات والمرافق، التي يأتي على رأسها قطاع الفنادق، وخطوط الطيران ووسائل المواصلات من حافلات.

وخضعت التأشيرة السياحية في الفترة الماضية إلى الحذر والتخوف من قدوم عناصر ليس لها هدف سياحي بل لديها أهداف أخرى، كما أن البيئة السياحية في السعودية لم تكن مهيئة لمثل هذه البرامج واستقبال الوفود الدولية.

لكن في الفترة الأخيرة انتبهت السلطات السعودية لأهمية هذا الأمر، كونها أكثر دول العالم المليئة بالتراث التاريخي والإسلامي والديني والحضاري والإنساني، ومن أكثر البيئات الجاذبة للوفود السياحية التي تسعى لأن يكون لديها مخزون ثقافي موسمي سنوي.

تحريك الاقتصاد

إصدار تأشيرة السياحة له أثر إيجابي في تحريك الاقتصاد، ونقلة نوعية في مفهوم السياحة العالمية، لا سيما أن السعودية ذات خبرة كبيرة في مجال السياحة الدينية، وتتميز بوجود الحرمين الشريفين وكثير من المواقع التي لها قصص تاريخية ودينية.

وستشمل هذه الخطوة مدنا ومناطق على مستوى السعودية، والتي تتطلب توفير البنى التحتية والنقل العام وتنوعا في خطوط الطيران، وإيجاد مكاتب سياحية، إضافة إلى تعاون بين الجهات الحكومية، وهو ما سيكون معدا له مسبقا من قبل هيئة السياحة والتراث العمراني والجهات الأخرى، استعدادا لاستقبال الوفود السياحية.

ومن المأمول أن يُسهم تطبيق مبادرة التأشيرة السياحية في تعزيز البعد الاقتصادي للسياحة في المملكة، باعتبارها رافدا رئيسيا من روافد الاقتصاد الوطني، وذلك من خلال تقليص الطابع الموسمي الذي تتسم بها النشاطات السياحية في المملكة.

التجربة السابقة لتطبيق نظام التأشيرة السياحية، بين عامي 2008 و2010، أعطت مؤشراً إيجابياً على أهمية المردود الاقتصادي الناتج عن هذا النوع من التأشيرات، وذلك من خلال استئناف تطبيقها في صورة مبادرة وطنية على نطاق أوسع.

وجذبت التأشيرة السياحية في الفترة التجريبية أكثر من 32 ألف سائح، تم تسهيل إجراءات تأشيراتهم عبر عدد من مكاتب تنظيم الرحلات السياحية المرخص لها من قبل الهيئة، وهو ما أتاح لهؤلاء السياح إمكانية التعرف على عدد من أبرز الوجهات السياحية في المملكة، من بينها: مدائن صالح، وجزر فرسان.

الانفتاح على الثقافة السعودية

المستشرقون في الماضي كانوا يحرصون على القدوم إلى الجزيرة العربية للبحث عن الكنوز والآثار الغائبة المدفونة عبر الزمان، ويرون ما قيل عنه في الديانات السابقة وقرأوا عنه في الكتب السماوية والتاريخية، وهذه الخطوة ستأتي بهم لمشاهدة ما قرأوا عنه على أرض الواقع، والتعريف بما يوجد لدينا من كنوز ثقافية وأثرية وتراثية.

قرار إيجاد تأشيرة سياحية سيوجد رؤية جديدة لنشر المعلومة الحقيقية عن الجزيرة العربية، لا سيما في هذه المرحلة التي تتميز بالانفتاح على العالم، متوقعا تميز السعودية في مجال السياحة عن باقي الدول الأخرى، كون السياحة فيها تاريخية ودينية، ولديها رسالة سلام وإنسانية ستوصلها من خلالها. وتمنى أن تكون آلية منح التأشيرة السياحية مرنة، ولا يوجد ما يعيقها مستقبلا.

ربما يعجبك أيضا