هل تدفع المكابرة قطر لاستنزاف احتياطاتها النقدية؟

حسام عيد – محلل اقتصادي

أجواء قاتمة تخيم على الاقتصاد القطري جراء العزلة المفروضة عليه من قبل الدول الأربعة الداعية لمكافحة الإرهاب، الأمر الذي أدى إلى ظهور علامات الإجهاد والاقتراب من الدخول في مرحلة ركود طويلة.

وبدأت تؤتي المقاطعة والعقوبات الاقتصادية المفروضة على قطر ثمارها، فالبيانات السلبية عرفت طريقها إلى مؤشرات الاقتصاد، كما أن البنك المركزي لجأ إلى تسييل بعض الأصول المصرفية والسحب من الاحتياطي الأجنبي لتعويض الخسائر التي تكبدها الاقتصاد والحفاظ على قيمة العملة التي تضررت كثيرا وباتت مرفوضة عالميا.

في الوقت الراهن، ليس هناك سبيل لحدوث انفراجة في ظل استمرار التعنت القطري ورفض تنفيذ المطالب الـ 13 لمكافحة الإرهاب.

تبخر السيولة المصرفية

تراجعت الودائع الأجنبية لدى المصارف القطرية إلى أدنى مستوياتها منذ عام 2015، وذلك بسبب سحب الكثير من العملاء من صناديقهم الاستثمارية في قطر.

وانخفضت الودائع الأجنبية لدى الجهات المقرضة في قطر وعددها 18 مصرفا ومؤسسة مالية، في نهاية يونيو الماضي بنسبة 7.6% مقارنة بالشهر السابق لتصل إلى نحو 170.6 مليار ريال (46.5 مليار دولار).

ووضعت هيئة قطر للاستثمار وصندوق الثروة السيادية في الشهر الماضي مليارات الدولارات كودائع في المصارف المحلية لتعزيز السيولة وتخفيف آثار التداعيات السلبية.

ويأتي انزلاق الودائع الأجنبية التي تمثل 22% من إجمالي الودائع لدى المصارف القطرية، على الرغم من رفع المقرضين القطريين لأسعار الفائدة في محاولة لجذب ودائع الأجانب.

تسييل الأصول الأجنبية

ربما يكون حجم الاحتياطيات الأجنبية والتي تقدر بـ 340 مليار دولار غير كافيا لحماية قطر وعملتها “الريال” في الأجل الطويل.

لجوء قطر إلى سحب الأصول الأجنبية السائلة لدى جهاز الاستثمار والتي تمثل 30%، يجعل الأصول السائلة تنخفض إلى 50-75 مليار دولار ومن ثم ضعف قدرة قطر على الدفاع عن ربط عملتها “الريال” بالدولار.

وكان الريال القطري قد كسر حاجز ربطه بالدولار وتحرك على انخفاض وصل إلى 4 بالمئة عند 3.7838 ريال للدولار.

كما أن من بين الاحتياطيات أصول محلية ربما يكون من الصعب بيعها لمشترين أجانب في ظل الأزمة، بينما هناك جزء آخر مرتبط بأصول أجنبية غير سائلة لا يمكن بيعها بسرعة لجمع سيولة مالية.

فيما تسيطر حالة من الضبابية والغموض داخل الأسواق المالية عن حجم الأصول التي يمكن تسييلها، ومن بينها تلك الأصول الطويلة الأجل مثل متاجر هارودز في لندن وحصة جرى شراؤها في الشركة المالكة لمبنى إمباير ستيت في نيويورك مقابل 622 مليون دولار.

لكن الغموض يشير إلى أن الاحتياطيات المالية لقطر ربما ليست بالكثرة التي تبدو عليها حسبما يجادل بعض مديري صناديق التحوط في نيويورك ولندن، والذين يستطيعون تحقيق مكاسب من تقلبات السوق إذا تعرضت عملة قطر لضغوط.

وكان محافظ مصرف قطر المركزي الشيخ عبدالله بن سعود آل ثاني قد أوضح الأسبوع الماضي أن الدوحة يمكنها أن توظف نحو 340 مليار دولار من الاحتياطيات، منها نحو 40 مليار دولار، إضافة إلى الذهب لدى المصرف المركزي، و300 مليار دولار لدى جهاز قطر للاستثمار صندوق الثروة السيادية للبلاد.

استنزاف احتياطي النقد الأجنبي

تراجعت قيمة الأصول الأجنبية لمصرف قطر المركزي خلال شهر يونيو الماضي، بنحو 37.893 مليار ريال “10.4 مليار دولار” لتصل إلى 90.54 مليار ريال “24.4 مليار دولار” مقارنة بـ 128.436 مليار ريال “34.8 مليار دولار” بنهاية شهر مايو من العام الجاري 2017.

ووفقا لبيانات وزارة التخطيط والإحصاء التنموي، فإن هذا التراجع البالغ نسبته نحو 30%، يعد الأكبر منذ شهر نوفمبر من عام 2008 أي منذ نحو 102 شهر.

وتقسم الموجودات الأجنبية لمصرف قطر المركزي خمسة أقسام وهي “الذهب” و”أرصدة لدى المصارف الأجنبية” و”سندات وأذونات خزينة” و”وودائع وحقوق السحب الخاصة” و”حصة قطر لدى صندوق النقد العربي”.

وجاء أكثرها تراجعا خلال يونيو الماضي “سندات وأذونات الخزينة” حيث تراجعت بنسبة 40% بما يعادل 33.271 مليار ريال لتتراجع قيمتها إلى 49.197 مليار ريال بنهاية شهر يونيو، مقارنة بـ 82.468 مليار ريال بنهاية شهر مايو.

وتراجع كذلك بند “أرصدة لدى المصارف الأجنبية” بنحو 4.576 مليار ريال بنسبة 11% لتصل قيمته إلى 35.689 مليار ريال بنهاية شهر يونيو مقارنة بـ 40.265 مليار ريال بنهاية شهر مايو الماضي.

وتراجع “الذهب” بنسبة 1% بقيمة 55 مليون ريال لتبلغ قيمته بنهاية يونيو 2017 نحو 3.874 مليار ريال مقارنة بـ 3.928 مليار ريال بنهاية مايو الماضي.

وقد تضطر الدوحة بالفعل لاستنزاف أوسع لاحتياطاتها النقدية حتى لا يشعر القطريون بوطأة الأزمة، ولا تملك قطر هامش تحرك واسع أو بدائل أخرى لتغطية احتياجاتها من النقد الأجنبي رغم امتلاكها لواحد من أكبر الصناديق الاستثمارية في العالم والذي بحوزته أصولا سائلة بقيمة 180 مليار دولار.

ومن المتوقع أن يكون للتراجع الحاد في صافي احتياطي البنك المركزي القطري من النقد الأجنبي انعكاسات سلبية ويمنح مؤشرات سلبية قاتمة لأسواق المال والمستثمرين الأجانب، في حال الاضطرار لاستدعاء تسييل الأصول التابعة للدولة في مواجهة تبعات الأزمة.

تضرر الميزان التجاري

خفضت العقوبات التي فرضتها كل من السعودية والإمارات ومصر والبحرين، على قطر واردات الأخيرة بما يزيد على الثلث في يونيو الماضي، في حين تراجعت الصادرات أيضا باستثناء شحنات الغاز الطبيعي المسال.

وانكمشت الواردات بنسبة 40% مقارنة بها قبل عام وبنسبة 37.9% عن الشهر السابق إلى 5.87 مليار ريال ما يعادل 1.61 مليار دولار، وفي مايو هبطت الواردات 0.3% على أساس سنوي، وهو ما أثر على الاستقرار الاقتصادي وتوافر الاحتياجات للمواطنين في قطر، بحسب بيانات صادرة عن وزارة التخطيط التنموي والإحصاء القطرية.

وأدى إغلاق الحدود السعودية، التي كانت معبرا لمعظم واردات قطر من الغذاء ومنتجات الألبان ومواد البناء، فضلا عن توقف خدمات الشحن من الإمارات، إلى تأخر الشحنات لبضعة أيام إلى أن قامت الدوحة بترتيب مسارات بديلة عبر مراكز شحن مثل سلطنة عمان.

ونزلت صادرات الزيوت البترولية بما فيها النفط الخام 22.4% بعد زيادة 8.3% في مايو، وتراجعت الصادرات غير البترولية 15.1%.

ومن بين الصادرات التي تأثرت بالعقوبات الهليوم الذي كان يصدر برا عبر الحدود السعودية، وتعد قطر من أكبر الدول المنتجة لغاز الهليوم.

ربما يعجبك أيضا