توتر أمريكي روسي.. قد يشعل أزمات المنطقة

دعاء عبدالنبي

كتبت – دعاء عبدالنبي

عقوبات أمريكية وتوتر دبلوماسي روسي يشعل فتيل الأزمة مُجددًا بين موسكو وواشنطن، وسط تحذيرات روسية بتجميد التعاون الروسي الأمريكي، وتعويل أمريكي على استمرار التعاون مع روسيا في ملف سوريا والعديد من القضايا على رأسها الإرهاب.. توتر ليس بالجديد قد يلقي بظلاله على العديد من الأزمات في المنطقة في ظل مساعي روسية لإعادة تموقع نفوذها وتراخي الهيمنة الأمريكية.

 عقوبات أمريكية

في خطوة ليست بالجديدة، أقر الكونجرس الأمريكي بأغلبية ساحقة، مشروع قانون لفرض عقوبات جديدة على روسيا على خلفية تدخلها في الانتخابات الأمريكية والأزمة الأوكرانية، رغم اعتراض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على التشريع الذي أيده 76 عضوًا مقابل رفض صوت واحد.

هذه ليست المرة الأولى التي تقوم فيها واشنطن بفرض عقوبات على موسكو، فقد سبقها عقوبات في 2014 و2015 و2016 بسبب أوكرانيا، وطالت العديد من الشخصيات والشركات الروسية وكانت سببًا في توتر العلاقات بين البلدين في عهد إدارة الرئيس السابق باراك أوباما.

وتعد العقوبات الأمريكية الجديدة، رداً على ما توصلت إليه أجهزة المخابرات الأمريكية بأن روسيا تدخلت في الانتخابات الرئاسية الأمريكية في 2016 وتمثل عقابا آخر على ضم روسيا لشبه جزيرة القرم في 2014.

ومن المفترض أن يتحول مشروع القانون إلى البيت الأبيض لتوقيع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عليه ليصبح قانونًا ، رغم تشكيكه فيما إذا كانت موسكو قد تدخلت في انتخابات الرئاسة الأمريكية، وهو ما أثار مخاوف بين المشرعين من أنه قد يخفف العقوبات من جانب واحد.

ومن أجل ذلك ، ربط المشرعون العقوبات على روسيا بإجراءات منفصلة تستهدف كلاً من إيران وكوريا الشمالية في محاولة لجعل الأمر أكثر صعوبة على ترامب ليستخدم حق النقض ضد الإجراء.

صفعة دبلوماسية

وأمام تلك العقوبات ، جاء الرد الروسي بالإعلان عن طرد 755 موظفًا دبلوماسيًا من البعثة الأمريكية ، حيث أمرت موسكو الولايات المتحدة بخفض مئات من موظفيها الدبلوماسيين، وقالت إنها ستصادر مبنيين دبلوماسيين أمريكيين بعد أن وافق مجلسا النواب والشيوخ الأمريكيان على فرض عقوبات جديدة على روسيا.

وأمهلت موسكو الولايات المتحدة، حتى أول سبتمبر القادم،  لتقليص عدد موظفيها الدبلوماسيين إلى 455 شخصا ليتساوى مع عدد الدبلوماسيين الروس الذين بقوا في الولايات المتحدة بعد أن طردت واشنطن 35 روسيا في ديسمبر الماضي.

وبحسب بيان للخارجية الروسية، فالولايات المتحدة تتخذ خطوات تصعيدية متوالية ضد روسيا تحت ذريعة تدخل موسكو في شؤونها الداخلية، لافتة إلى أن طرد الولايات المتحدة للدبلوماسيين الروس يعد انتهاكًا واضحًا لمعاهدة فيينا بشأن العلاقات الدبلوماسية والأعراف الدولية المتعارف عليها.

من جانبه اعتبر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أن العقوبات المقترحة ستؤثر بدورها على العلاقات الأمريكية الروسية في سبيل حل قضايا سياسية داخلية في إشارة للمعركة بين الرئيس دونالد ترامب وخصومه السياسيين.

كما حذر بوتين من إمكانية لجوئه لوسائل عديدة ردًا على العقوبات الأمريكية ومنها تجميد التعاون الروسي الأمريكي في مجالات معينة، ومن ثم فضرره لن يقتصر على العلاقات الثنائية بين الدولتين وإنما سيطال العلاقات الدولية على وجه العموم.

أما المسؤولين الروس ، فأكدوا جميعهم أن واشنطن ما زالت لا تفهم أن وسائل الضغط لا تعمل مع روسيا ، وأنها لن تقود إلى  تحسين العلاقات بين البلدين، مُحذرين من أن ردود الفعل الروسية لن تتوقف عند تقييد عدد العاملين والحجز على الأملاك الدبلوماسية ، وذلك ردًا على بيان الخارجية الأمريكية التي عولت في بيانها على استمرار التعاون مع روسيا حول أهم المسائل الدولية وتحسين العلاقات الثنائية.

قضايا شائكة

لا شك أن التوتر بين موسكو وواشنطن سيؤثر على العديد من قضايا المنطقة و ومنها الملف السوري لاسيما بعد دورهما في إنشاء منطقة تخفيف التوتر بجنوب سوريا.

ففي حال توترت العلاقات الأمريكية الروسية ، سيؤدي ذلك إلى وقف التعاون بين موسكو وواشنطن في سوريا إلى تبادل الهجمات على مواقع القوى التي يعدُّها كل طرف حليفة للطرف الآخر، بحسب صحيفة “كوميرسانت”.

وهناك أيضًا ملف مكافحة الإرهاب والقضاء على داعش ، فالتوتر على صعيد الميدان قد يجعل من بعض الأراضي التي تدور على أرضها القتال ساحة لتصفية الحسابات ، ومجالًا لاستقطاب الأقطاب للتأكيد على بسط وسيطرة نفوذ كلا منهما، لاسيما في ظل الدعم الروسي لإيران التي تعمل بميليشياتها للسيطرة على مناطق عديدة في سوريا والعراق واليمن وغيرها.

وفي أوكرانيا، قد يشتعل الصراع في ظل عدم تخلي روسيا عن شبه جزيرة القرم التي قامت باحتلالها في 2014 ، لاسيما مع دعم واشنطن للدول المجاورة لروسيا وإرسالها معدات عسكرية لمعارضي موسكو.

ومن النقاط الخلافية التي قد تطفو على السطح من جديد ، موقف كلا من موسكو وواشنطن من زيادة النفقات الدفاعية للناتو ، وملف الحد من انتشار السلاح النووي والقرصنة الإلكترونية وقضايا النفط والطاقة وغيرها من القضايا والملفات الاقتصادية  والعسكرية مثار الجدل ، التي قد تتأثر بتصاعد وتوتر العلاقات بين البلدين.

من جهة أخرى، فإن عدم قدرة الاقتصاد الأمريكي على التعافي من أزماته، سيجعل من العقوبات الجديدة أداة توتر جديدة لن تجني من ورائها الولايات المتحددة سوى إنهاء هيمنتها في المنطقة ، لاسيما وأن العقوبات السابقة على الدول الثلاث “روسيا – إيران – كوريا الشمالية” لم تحقق نتائج ملموسة في تغيير سياسات هذه الدول .

ويرى المحللون أن العلاقات الأمريكية الروسية مرت بالعديد من التوترات وتم تجاوزها بسبب المصالح المشتركة بين البلدين ، وهناك من يرى بأن هناك حربًا باردة ستطل في الأفق لاسيما في ظل التنافس الحاد بين مشروع أمريكي يستهدف الهيمنة على العالم، وبين مشروع روسي يحاول استعادة النفوذ القديم على الساحة الدولية.

ربما يعجبك أيضا