كيف دفعت الأمم المتحدة 18 مليون دولار لتمويل الأسد؟

ولاء عدلان

 
كتبت – ولاء عدلان
 
تحاول الأمم المتحدة دائما أن تقنع العالم وتحديدًا سكان الشرق الأوسط بأنها منظمة عادلة تتمتع باستقلالية عن مموليها وتعمل بدون خلفية سياسية، لكن المتابع لهذه المنظمة ومشتقاتها يعي تماما أنها تعاني مرض ازدواجية المعايير المزمن.
 
لذا لم يكن مستغربا أن نجدها تدفع ملايين الدولارات لنظام بشار الأسد بحجة أنها لا تستطيع أن تعمل في سوريا إلا من بوابة الأسد باعتباره السلطة المسيطرة على أغلب منافذ البلد ومؤسساتها حتى الآن، لكن أن تذهب أطنان الدولارات لتصب في حسابات أشخاص من عائلة الأسد والمقربين له فهذا يعد تمويلا مباشرا لمكينة القتل التي يديرها النظام  مطلع كل يوم حتى قضى على نحو 400 ألف شخص.
 
ويكشف تقرير الأمم المتحدة السنوي عن المشتريات لعام 2016 بحسب شبكة “بلومبيرج”، أن المنظمة العالمية دفعت العام الماضي ما لا يقل عن 18 مليون دولار للشركات التي لها علاقات وثيقة مع بشار الأسد، وبعضهم يديرها محسوبي الرئيس المدرجين على القوائم السوداء الأمريكية والأوروبية، فعلى سبيل المثال دفع موظفي الأمم المتحدة ما قيمته 9.5 مليون دولار لسداد فواتير إقامتهم بفندق فور سيزونز دمشق، المملوك لوزارة السياحة السورية.
 
وفي حين تدين هيئات الأمم المتحدة المختلفة سياسات نظام الأسد وتحمله الجزء الأكبر من مسؤولية الأزمة السورية نجد موسكو تستخدم الفيتو بمجلس الأمن لتقف في وجه أي عقوبات صارمة قد تطال الأسد، ويطلع علينا هذا التقرير ليؤكد أن أموال الأمم المتحدة ذهبت إلى جيوب بعض المقربين للغاية من الأسد أمثال زوجته وابن خاله رامي مخلوف.
 
وتقول بلومبيرج في تقرير نشرته، اليوم الثلاثاء، الأمم المتحدة أنفقت بحسب تقرير المشتريات للعام الماضي نحو 140 مليون دولار على السلع والخدمات في سوريا، ودفعت نحو 751.129 دولارا لجميعة خيرية ترأسها أسماء الأسد تحت اسم “صندوق سوريا للتنمية”.
 
فيما أبرمت عقود بملايين الدولارت مع شركات تعود لمقربين من النظام، مثل “سيريتل” المملوكة لرامي مخلوف والتي حصلت على مبلغ 164.300 دولار من ثلاث هيئات مختلفة تابعة للأمم المتحدة بما في ذلك مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فيما دفعت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في فلسطين، مبلغ 105.043 دولارا إلى شركة قاسيون، وهي شركة أمنية يملكها السيد مخلوف.
 
مخلوف هو أحد أغنى رجال الأعمال في سوريا، ومدرج في القائمة السوداء لوزارة الخزانة الأمريكية منذ عام 2008، إلا أنه يعد بحسب الكثيرين مفتاح الحصول على أي شيء في سوريا يتعلق بعالم المال والأعمال، وبالإضافة إليه استفاد أيضا رجل الأعمال المقرب من آل الأسد والمعروف بتورطه في عمليات غسيل أموال لصالح النظام ورجالاته للتهرب من العقوبات الاقتصادية، محمد حمشو المدرج على قائمة العقوبات الأمريكية في عام 2011 ثم الاتحاد الأوروبي عام 2015، إذ تلقت شركته جوبيتر للاستثمار عقودا بنحو 1.5 مليون دولار خلال 2016 لتأجير مكاتب وأماكن إقامة لصالح قوات عملية حفظ السلام في الجولان السوري.
 
في أطار تعليقها على هذه الأرقام قالت كاثلين فالون، المتحدثة باسم “الحملة السورية”، وهي مجموعة حقوقية مستقلة لـ”بلومبيرج”،  إن أي أموال تذهب إلى الأسد وحلفائه تبين أن الأمم المتحدة ليست محايدة ولكنها في الواقع تساعد أكبر لاعب في الصراع السوري، فالأسد مسؤول عن أغلبية القتلى ومنح الأمم المتحدة له مكافئة بملايين الدولارات ما هو إلا رسالة خاطئة لا تصب في صالحها.
 
وقالت ليندا روبنسون، كبيرة محللي السياسة الدولية في مؤسسة راند، إن سمعة الأمم المتحدة في الملف السوري قد تضررت بدليل هذه الأرقام، لكن المنظمة اعترفت بالصعوبات التي تواجهها في الداخل السوري، فالأسد لديه القدرة على إغلاق الجهات الفاعلة المستقلة سواء كانت شركات أو جمعيات خيرية، كما أن الأمم المتحدة قد تدفع أموالا لشركات يصعب تحديد مالكها الحقيقي.
 
وردا على ذلك قال المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك في تصريح لـ”بلومبيرج”، نواجه صعوبة في العمل بعيدا عن رعاية الحكومات في دول مثل سوريا، علاوة عن مشاكل تأمين البعثات الأممية، ففي عام 2003، عندما بدأ الغزو الأمريكي للعراق يتطور إلى حرب أهلية مشابها للنزاع السوري، قتل مبعوث الأمم المتحدة سيرجيو فييرا وعدد من موظفيه في هجوم بسيارة ملغومة على فندق بغداد الذي كانوا يستخدمونه كقاعدة.
وأضاف أحيانا تكون الخيارات محدودة، فإنفاق الأمم المتحدة على إقامة مراقبيها في فندق فورسيزونز المملوك للنظام السوري يعد أحد هذه الخيارات، إذ أن هذا المكان مملوك للدولة ويتم تأمينه بشكل جيد.
 
إلى ذلك تشتكي الجهات غير الحكومية السورية والدولية من أن المساعدات الأممية ذهبت بشكل غير متناسب إلى المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، ووفقا لتقرير برنامج الأغذية العالمي تلقنت هذه المناطق ما لا يقل عن  88 في المائة من المعونة الغذائية الموزعة من دمشق في أبريل 2016، ما دفع نحو 73 منظمة غير حكومية إلى توجيه خطاب للأمم المتحدة يدين أزدوجية المعايير في جهود الإغاثة.
 
الغريب في الأمر أن الأمم المتحدة لا تعمل على تخفيض مدفوعاتها لصالح آل الأسد، ففي العام الماضي أيضا أظهر تقريرها لمشتريات العام 2015، أنها دفعت نحو 13 مليون دولار للحكومة السورية لدعم الزراعة، ودفعت عن طريق اليونيسيف 267.933 دولار لصالح جمعية البستان، التي يملكها ابن خال الأسد المعروف بدعمه لمليشيات النظام، كما دفعت نحو 54 مليون دولار لأكثر من 200 شركة سورية يعتقد أنها مملوكة لأشخاص مقربين من النظام.
 
إذا الأمر يبدو وكأن الأمم المتحدة تعهدت لجهة ما بعدم مساعدة مناطق سيطرة المعارضة السورية، لتثبت مرة أخرى أن الأمر عندما يتعلق بقضايا الشرق الأوسط فإن الكيل بمكيالين هو النهج المتبع ومصالح الممولين وفي مقدمتهم الولايات المتحدة التي تتربع على قائمة المتبرعين للأمم المتحدة مقدمة على كل الشعارات الهشة حتى لو كان الثمن آلاف القتلى من المدنيين.
 

ربما يعجبك أيضا