على طريقة الفخراني في “الكيف”.. لغز “هستيريا الضحك” في المواقف الجادة

كتبت – علياء عصام الدين

الضحك والبكاء كلمتان متناقضتان ومكونان أساسيان للشخصية الإنسانية، وبمجرد خروج الإنسان للحياة يستقبلها باكيًا وكأنه يستعد بالبكاء لما سيلقاه من فظائع في هذا العالم.

ويشترك الفم والشفتین في الضحك والبكاء، ويرافق البكاء انهمار الدموع من العينين في كثير من الأحيان ولا تغيب الدموع أيضًا في حالات الفرح الشديد بل تحضر وبقوة.

هذا التناقض في المشاعر الإنسانية بين البكاء والضحك الحزن والفرح والاختلاط المريب بينهما في معظم الأحيان ملفت للانتباه ومؤشر على طبيعة الإنسان المتناقضة والجامعة للأضداد في الوقت ذاته.

وكما أن للبكاء من شدة الفرح أسبابه العلمية – فهو محض عملية لا إرادية يقوم بها الدماغ لحماية الجهاز العصبي والتخفيف من التوتر – كذلك للضحك في الأوقات غير المناسبة لاسيما الجادة أسبابه أيضًا.

يداهم الضحك في المواقف الجادة الكثير منا فنحن في المآتم على سبيل المثال دائمًا ما نستذكر ذلك المشهد الرائع ليحيى الفخراني دكتور “صلاح ” في فيلم ” الكيف” عندما خلع ملابسه أثناء العزاء، ودخل في “هيسترية ضحك” جعلت كل الحضور يضحكون.

لكن لماذا ونضحك في أحلك وأشد المواقف؟

قناع الغِبطة

علميًا يقف خلف هذا التصرف قناع الغبطة أو “الإندروفين” وهي مادة يفرزها المخ في أوقات الحزن والألم تساعد على تحسين الحالة النفسية ولها علاقة كبيرة بنوبات الضحك التي تصيبنا في هذه الأوقات حسب ما أفادت كثير من الدراسات العلمية المتخصصة في طب الأعصاب.

يرتبط ايضًا الضحك في غير وقته ببعض الحالات المرضية فحسب تقرير لشبكة “إن بي سي نيوز” فهناك حالة من الصرع لا يستطيع فيها المرء السيطرة على نوبات الضحك الناتجة عن خلل في الاتصال بين أجزاء المخ.

وقد يدخل البعض في نوبات الضحك لعجز عقله في السيطرة على سلوكه وقد تكون هذه الحالة بديلة لنوبات من الانهيار والتشنج التي قد يصاب بها الشخص.

دفاع فطري

في الغالب نحن لا نضحك لأننا سعداء بل لأن أنفسنا ترفض الاستسلام وتأبى مشاعر الضيق والحزن.

إن ضعف النفس الإنسانية في كثير من الأحيان يدفعها إلى استجماع قواها والاستقواء بالضحك، فنحن لا نريد الاعتراف بحتمية الموت أو بالمرض أوالفشل والعجز الذي يحاصرنا من كل صوب.

نرغب بشدة أن نتجاوز مرارة الأيام ونعلو فوقها وكثيرًا ما نحاول الهروب بالضحك، فالضحك هو وسيلتنا للتخلص من الآلام المحيطة بنا، فهو عملية عقلية تتداخل فيها العواطف مع السلوك والتفكير.

الممنوع مرغوب

وفق لرائد التحليل النفسي “سيجموند فرويد”  يكون الضحك مقاومة لرقابة المجتمع وضوابطه على السلوك الإنساني.

فالظرف الإنساني الذي يعيشه الإنسان قد يحتم عليه أن يكون جادًا ويظهر بمظهر الحزين الأمر الذي يولد طاقة سلبية بداخلنا فنقف متأهبين لالتقاط الضحكات وتبادلها وذلك لتنفيس الطاقة السلبية بداخلنا وكسر ضوابط المجتمع التي تجعل منا أسرى لمشاعر الحزن.  

الشعور بالارتباك أو الإحراج في كثير من الأحيان يقودنا للضحك وهو ناتج عن اضطراب بالحجرات العصبية للمخ الذي سرعان ما ينعكس على ملامحنا وتعبيراتنا فنهرب بالضحك من المواقف المحرجة.

الضحك عدوى

كما أن التثاؤب معدٍ كذلك الضحك، فمجرد رؤيتنا لشخص يضحك سرعان ما نسترسل في الضحك دون سبب حتى لو في ظروف غير مواتية، فالكبت والضغط الذي نمر به يجعلنا ننتظر الفرصة للخروج من الحالة النفسية السيئة التي نكابدها.

وبمجرد رؤيتنا لشخص يضحك نسقبل العدوى كالإنفلونزا، فنضحك بشكل لاشعوري بغية التخلص من الطاقة السلبية المخزنة بدواخلنا.

الضحك في الأوقات غير المناسبة ضرورة صحية للتخلص من الإحباط والأحاسيس السلبية، حتى لو بدا ذلك مرفوضًا وغريبًا من المجتمع، فالضحك يخلصنا من الغضب والشعور بالذنب والتوتر ويجعلنا أكثر قدرة على التعامل مع المشكلات كما يمد الجسم بالطاقة فهو أسرع سلاح للتخلص من الألم فهو يفتح أبواب الأمل.

فلا تأخذوا الحياة على محمل الجد فهي لا تستدعي كل هذا القدر من الانفعال والحزن.

يقول إيليا أبو ماضي

يا صاح, لا خطر على شفتيك أن  تتثلما, و الوجه أن يتحطما
فاضحك فإن الشهب تضحك و الدجى  متلاطمٌ, و لذا نحب الأنجما !
قال: البشاشة ليس تسعد كائنا  يأتي إلى الدنيا و يذهب مرغما
قلت ابتسم مادامَ بينك و الردى شبرٌ, فإنك بعدُ لنْ تتبسّما

 
   

ربما يعجبك أيضا