إدارة المستقبل (2) ، بالعلم مصر تستطيع.. خطة مقترحة لتطوير منظومة التعليم

خالد شتات

 
 
تناولنا في الطرح السابق من سلسلة إدارة المستقبل، فرضية أن مصر قادرة على أن تصبح قوة صناعية كبرى، والذي انتهى بتساؤل: هل نستطيع؟ وكانت الإجابة نعم بالعلم مصر للأمام. وهنا سنحاول استعراض تلك الإجابة بشكل أكثر وضوحًا كمشروع لا شعار.

بوصف العلم أداة للتنمية أطلق عليه علماء الاقتصاد (اقتصاد المعرفة)، ومن نفس المنظور، تعامل علماء الإدارة معه على أنه أساس للتميز (رأس المال البشري)، وإذا كان الطرح السابق واللاحق يستهدف إنشاء مشروع اقتصادي لإدارة المستقبل، فمن رحم التعليم والمعرفة ولا شيء آخر يولد وينشأ وينضج هذا المشروع. وعلى أعتاب محاولة لصياغة هذا المشروع، يمكننا أن نضع العلم ليكون مخرجًا للواقع ومدخلًا للمستقبل، دون إنكار أو مجاملة للجهود المرحلية لوزارة التربية التعليم، التي تحاول بجدية- في مجملها- إيجاد أنماط تعليمية تتفاعل مع المجتمع بإيجابية. وسنحاول هنا وضع تصور لتكامل تلك الجهود مع بنية وموارد الدولة الحالية، دون انسياق خلف آليات طموحة تفتقد التكامل مع الواقع المتاح لا المستهدف.

ونستعرض من خلال الطرح الحالي حزمة من برامج التطوير وذلك على النحو التالي:

البرنامج الأول: المعلم أولًا

نحاول في هذا البرنامج استعراض سبل تقييم المدرس؛ كونه ركيزة أساسية لمجتمع متعلم، إلى جانب وضع منهجية لتطوير وتمكين المعلمين، وهذا لن يتم إلا من خلال التكامل بين الإعداد المبدئي للمعلم قبل الخدمة وبرامج التطوير المهني المستمر أثناء الخدمة، مع وجود حافز مادي ومعنوي كدافع لعملية الإعداد ورفع الأداء.

وفي هذا البرنامج المستهدف يتم تأهيل المدرس منذ اختباره واختياره للالتحاق بكليات التربية، وذلك بوضع معايير واضحة وصارمة للقبول، إضافة إلى عقد مقابلات شخصية وكشف للهيئة، بحيث يكون القبول مقترنًا بالاحتياج المستقبلي للقطاع الجغرافي للكلية وليس قبولًا عشوائيًا، حيث يتم قبول الطالب المتقدم للكلية بناءً على عرض مادة علمية أمام لجنة تقييم لقياس قدرته وأهليته للالتحاق بالكلية، التي ينبغي لها أن تكون مصنعًا لأجيال المستقبل.

ولكن تبقى أولوية البرنامج المطروح هو تأهيل وتمكين الكادر الحالي من المعلمين، وذلك لا ينفصل كثيرًا عن مراحل تأهيل المدرسيين الجدد منذ التحاقهم بالكلية، بل يعتمد نفس المنهج في التطوير، وذلك من خلال تنظيم برامج تدريبية متخصصة  بالشراكة بين وزارة التربية والتعليم وإدارة الدراسات العليا بكليات التربية، بحيث يكون التدريب إلزاميًّا للمعلمين في كليات التربية داخل الجامعات الحكومية الواقعة في نطاق المدرسة الجغرافي؛ ليتم تمكينهم من أساليب تدريس المناهج الجديدة، ويقترح تنفيذ البرنامج التدريبي خلال فترة الإجازة الصيفية، التي تسبق تطبيق منظومة التعليم المطروحة بكل قطاعاتها؛ ليكون بذلك المعلم هو قاطرة تطوير المنظومة  ككل، وتكون كليات التربية هي بيت الخبرة لإعداد المعلمين لتلك المهمة.

البرنامج الثاني: المناهج.. أداة التحول

 وهي حلقة الوصل والتفاعل بين المعلم والطالب، ويتم تكليف كليات التربية على مستوى الجمهورية بإعداد توصيف للمناهج الدراسية course description، وذلك بتقسيم مناهج المراحل التعليمية على جميع كليات التربية. وفي ذلك الوقت يتم تحديد أقوى مناهج العلوم التطبيقية في العالم، وتكلف قنصليات وسفارات مصر بالخارج بترجمة وإرسال المناهج لتطبع وتوزع على كل كليات التربية بأقسامها للاستفادة منها في إعداد وصف المناهج، ثم يتم إرسال بعثات متخصصة من أعضاء هيئة تدريس كليات التربية يكونون في ضيافة سفارات مصر بالخارج؛ لتقليل تكاليف البعثات، وللتوضيح تلك البعثات هي التي ستقوم بتدريب المدرسين على المناهج وطرق التدريس بعد العودة، مع إرسال وصف المناهج الجديدة للمدارس وإلزام مدرسين كل مادة بإعداد تقرير مشترك لهم باسم المدرسة لنقد وتنقيح المناهج؛ لأنهم الأكثر احتكاكًا بالطلاب، والأقدر على معرفة مستوياتهم التعليمية.

وبهذا تكون عملية إعداد المناهج قد مرت بكل مستويات الهرم التعليمي بما يدعم رؤيتها ورسالتها. وتكون تلك هي البداية لتتحول المدرسة إلى منظومة تعليمية منتجة وناقدة للأفكار. كما يقترح اعتماد الخرائط الذهنية كوسيلة تعليمية، وتحويل المناهج إلى وسائط مرئية كاستعراض المناهج  كأفلام وثائقية وتعليمية .

البرنامج الثالث: المدارس المركزية

يمكننا إيجاز تطوير المدارس في ضرورة تغيير المنظومة إداريًا، وهنا تقع الأزمة والحل.

وهذا لن يتم إلا بإعادة النظر في طريقة اختيار الإدارة العليا للمدارس، بل وإعادة النظر في الهرم الإداري لكل منظومة التعليم، وهذا التحول الإداري من الغباء العمل علية دفعة واحدة، فالكتلة الصلبة للهيكل الحالي لمنظومة التعليم تتطلب تطبيق مبدأ (العزل والاعتماد) في التطوير؛ بمعنى أن يتم تطبيق برامج التطوير على عدد من المدارس، التي تتسم بمساحة ضخمة وكثافة طلابية عالية. وتكتفي المرحلة الأولى من المدارس المركزية بمدرسة واحدة لكل مرحلة تعليمية في كل محافظة، وتدعم المدرسة بنخبة معلمين في المحافظة، الذين يتم تأهيلهم ضمن البرنامج السابق الخاص بتمكين المعلمين، وتعمل تلك المدارس بنظام إداري منفصل عن الهيكل الحالي، فيتم تشكيل مجلس أمناء لها، ويعتمد نظام معلم الفصل في مرحلة رياض الأطفال والمرحلة الابتدائية، حيث يقوم معلم واحد بتدريس جميع أو معظم المواد الدراسية للصف، إضافة إلى إدراج أعضاء هيئة تدريس المدرسة الإعدادية والثانوية ضمن أقسام متخصصة، فعلى سبيل المثال قسم للعلوم الطبيعية وقسم العلوم الإنسانية ويكون لكل قسم مجلس ورئيس مسؤول عن الجانب العلمي وليس الإداري للقسم، وتدرس العلوم الطبيعية في المعامل، وتجهز الفصول بكل الإمكانات المعمول بها عالميا، وتكون مادة التربية الدينية إلزامية يعتد بدرجاتها، وتدرس من خلال ندب أحد شيوخ الأزهر المؤهلين لتدريس مادة الدين بمسجد المدرسة، وقس لتدريس مادة الدين المسيحي بكنيسة تكون بجوار المسجد.

وفي تلك المنظومة تفرض حزمة من المسؤوليات المهنية على المعلمين وصفًا وظيفيًا دقيقًا لمهمة كلا منهم، وهذا الطرح يخضع كافة المدارس في كل قطاع إقليمي لزي موحد للطلبة والمعلمين، ويلزم أولياء الأمور بالمشاركة بجدول أنشطة المدرسة. كل تلك الرمزيات التنظيمية تستهدف وضع الطلاب في إطار مرنٍ تعليميا باعتباره منظومة أخلاقية وتربوية؛ لتكون نموذجًا للاختبار، ومركزًا للتعميم على مدارس مصر كافة.

البرنامج الرابع: المدارس الهندسية

يتمثل هذا الطرح في تحويل المدارس الصناعية إلى مدارس للهندسية المتخصصة حسب النشاط الصناعي الإقليمي للمدرسة؛ لتكون تلك المدارس بمثابة مدخل إحياء القاعدة الصناعية لقطاع الأعمال المصري، الذي كان مستهدفًا تطويره في الطرح السابق للسلسلة فمثلا، المدارس الهندسية بحلوان تحمل مسمى “المدارس الهندسية لصناعات الحديد والصلب”، وفي المحلة، تكون “المدرسة الهندسية لصناعات الغزل والنسيج” إلخ، وتكون هذه المدارس جزءًا من المصانع، بحيث تكون الدراسة فصلًا دراسيًا نظريًا وآخر عمليًا بالمصانع، وهو ما يوفر طاقة عاملة ضخمة لتشغيل المصانع، وهو نموذج سبق تطبيقة جزئيًا بالشراكة مع القطاع الخاص في مدارس مبارك كول، ولكن المختلف في هذا الطرح أنه يشكل قاعدة صلبة وحديثة من العمالة تمهد الطريق لرأس مال بشري متجدد يتم ضخه في شرايين مصانع قطاع الـعمال بعد إعادة هيكلتها، ويلتحق بها الطلاب لمدة خمس سنوات يتم منحهم بعدها شهادة مهنية بدرجة مساعد مهندس. وتقع تلك المدارس تحت إشراف كليات الهندسة في نطاقها الجغرافي من حيث إعداد المناهج وتأهيل المعلمين بالشراكة مع كليات التربية، بل وندب أساتذة كاستشاريين للمدرسة ومحاضرين فيها.

البرنامج الخامس :المدارس الزراعية.

ويشمل هذا الطرح استحداث مسميات وتخصصات للمدارس؛ حتى يصبح لدينا المدرسة الزراعية للهندسة الوراثية، والمدرسة البيطرية، ومدرسة الإشراف الزراعي، ومدرسة الميكنة الزراعية، ومدرسة تكنولوجيا الري، وبالطبع لا يتم تحويل المدارس الحالية بشكل عشوائي، بل يتطلب الأمر إعادة هيكلة المدارس لتكون العملية التعليمية داخل وخارج أسوار المدرسة من خلال تطبيق عملي  علي القطاع الزراعي المحيط بها  بنفس اتجاه خطة الدولة لتنمية القطاع . ويتم إسناد الإشراف العلمي للمدارس إلى كليات الزراعة في كل إقليم، بل تكون هي المسؤولة عن المستوى التعليمي وإعداد المناهج، إلى جانب تأهيل المعلمين بالشراكة مع كليات التربية والعلوم. وختامًا يقترح إلغاء المدارس التجارية تدريجيًا، وتحويل المناسب منها من حيث الموقع والمساحة إلى مدارس هندسية أو زراعية.  

ربما يعجبك أيضا