تديين المؤسسات…تعرف على الصراع بين المتدينين والعلمانيين فى إسرائيل

محمد عبد الدايم

محمد عبدالدايم
باحث فى الشؤون العبرية

في ختام خطاب النصر الذي ألقاه «آفي جفاي» إبان فوزه برئاسة حزب العمل الإسرائيلي مؤخرا قرأ جزءا من “بركة الذي أحيانا” وهو دعاء يقال في اليهودية عند حلول بعض الأعياد أو الحصول على شيء جديد ويقال فيه  ( مبارك أنت أيها الرب إلهنا ملك العالم الذي أحيانا وأوجدنا وأوصلنا لهذا العالم)؛ وهو الأمر الذي أثار موجة من ردود الفعل المستنكرة في صفوف العلمانيين واليسار الإسرائيلي، لكنه أجاب على ردود الفعل بكل بساطة بقوله “أنا يهودي، ومن الطبيعي أن أتلو الذي أحيانا”، ومن المفروض علي كيهودي أن ألتصق بالهوية اليهودية والشريعة، ولا يجب أن يقول لي أحد أنني كزعيم لحزب معروف انتماؤه لليسار ممنوع أن أتلو هذا الصلاة أو غيرها، وفي الوقت نفسه لن يفرض علي أحدٌ محتوى ديني يهودي لا أهتم به”.

جاءت هذه اللفتة من الرئيس الجديد لحزب العمل اليساري الإسرائيلي وبعدها ردود الفعل المضطربة لتواكب عاصفة كبيرة تهب في أرجاء إسرائيل،  فالحديث الدائر في أوساط المجتمع الإسرائيلي الآن هو عن عملية منهجية لـ “تديين الدولة”، أي تغيير البنية الأيديولوجية التي قامت عليها إسرائيل من العلمانية إلى التدين، ومن مطالعة التقارير المكتوبة والمرئية في إسرائيل يتضح حجم الخلاف الظاهر الآن على مختلف الأصعدة؛ السياسية والثقافية والاجتماعية العامة.

سيطرة المتدينين على الجيش والسياسة فى إسرائيل

 يشير الكاتب «رءوفين جال» المتخصص في الشئون العسكرية الإسرائيلية في كتاب من تحريره بعنوان “الدين والسياسة والجيش في إسرائيل” أن “التديين” لفظ جديد إلى حد ما، بدأ في الظهور في الأوساط الإسرائيلية مع السعي الحثيث للمتدينين لتغيير بنية الجيش الإسرائيلي، وسحب البساط من تحت العلمانيين، بهدف السيطرة على مراكز القوى الكبيرة في أقسام الجيش، ومن ثم تحويل جيش الاحتلال الإسرائيلي إلى جيش من المتدينين اليهود في معظمه.

هذه العملية تلقي بظلال مخيفة في نفوس العلمانيين من الإسرائيليين، استشعارا لخطورة الهيمنة المتدينة على أواصر الذراع العسكري الأقوى لإسرائيل، ومن ثم تعقيد الوضع الميداني والعسكري على الأرض، وهو الوضع المعقد أصلا ويتفاقم يوما يعد يوم مع إصرار السلطات الإسرائيلية المتعاقبة على  سياسات الاحتلال وسلب الأرض الفلسطينية والتوسع في الاستيطان وعدم عودة اللاجئين، وما يصاحب هذه السياسات من جرائم يومية يرتكبها جيش الإحتلال.

الخطوة التي أقدم عليها «آفي جفاي»؛ يراها المحلل والصحافي الإسرائيلي، والمتخصص في شئون المتدينين في إسرائيل  «يائير شلج» بأنها منطقية ومقبولة، في ظل مساعي حزب العمل لكسب أرض جديدة يحاول بها أن يزاحم أحزاب اليمين التي تسيطر على المشهد السياسي الإسرائيلي بشكل كبير، مع تراجع اليسار وتوغل المتدينين بصورة لافتة للنظر.

يعتقد شلج أن خطوة الرئيس الجديد لأكبر أحزاب اليسار الإسرائيلي موضوعية ووثيقة الصلة بما يجري على الأرض من مساع حثيثة لـ”تديين” المجتمع الإسرائيلي، لكن ما يؤرق «شلج» وغيره من العلمانيين حاليا ليس مجرد دعاء ألقاه رئيس حزب علماني، وإنما ما يحدث في المؤسسة التعليمية الحكومية في إسرائيل.

تغول الدين فى المناهج التعليمية الإسرائيلية

في مقال له بجريدة معاريف؛  حمل عنوان ” عاصفة التديين- يجب تدريس اليهودية لكن ليس بهذا الشكل”؛ يتحدث «شلج» عن القلق الذي ينتاب العلمانيين في إسرائيل مع تنامي الحديث عن عملية تديين ممنهجة لبرامج التعليم الحكومية في إسرائيل، ومع استمرار الخصومة المعتادة بين المتدينين والعلمانيين، يرى «شلج» أن تدريس الشريعة اليهودية وتطعيم المناهج الدراسية بمواد وبرامج تتناول اليهودية كديانة أمر لا بأس به، لكنه يستشعر في الوقت نفسه محاولة لتغيير بنية البرامج الدراسية في المدارس بما يجعل الجانب الديني طاغيا على المناهج الدراسية التي يتم تدريسها لأبناء العلمانيين في إسرائيل.

اشتعلت الأجواء بشكل كبير بعد أن أثارتها منظمة إسرائيلية يسارية متشددة تعرف باسم “مولاد” (مركز التجديد الديمقراطي)، حيث استنكرت محاولة فرض منهج جديد لتدريس كتاب صلوات يهودية على تلاميذ مدارس حكومية يرتادها أبناء العلمانيين، وهو ما اعتبرته منظمة “مولاد” محاولة من اليمين الصهيوني المتشدد للسيطرة على المجتمع الإسرائيلي برمته.

اندمج رواد مواقع التواصل الاجتماعي في إسرائيل سريعا مع هذا الجدل الدائر، خصوصا وقد تزامن الحديث عن شكوى تلميذة من أن إدارة المدرسة التي ترتادها قد أمرتها بالعودة لمنزلها بسبب ارتدائها بنطلون قصير للغاية، لكن اتضح فيما بعد أن نمط الزي في هذه المدرسة قد اتفق عليه سلفا أولياء الأمور مع إدارة المدرسة.

استلزم الأمر أن يظهر مدير عام وزارة التعليم الإسرائيلية «صموئيل أفوآف» في مداخلة تلفزيونية مع البرنامج المسائي المعروف «السادسة مع عوديد بن عمي» لينفي وجود عملية “تديين” ممنهجة، ومما قال أن الوزارة تحققت بعمق في الشكاوى الواردة، وفحصت نحو 80 كتابا دراسيا، ولم يكن أي من هذه الكتب قد تقرر على التلاميذ في عصر الوزير «نفتالي بِنِط»، والأخير كما هو معروف رئيس الحزب الصهيوني الديني المتطرف المعروف «البيت اليهودي».

استطرد «أفوآف» قائلا “إن الطالب يسير على رجلين، الصهيونية واليهودية، وليس صحيحا ما يشاع بتخصيص ساعات إضافية لتدريس مواد تتعلق بالديانة اليهودية على حساب فروع دراسية أخرى”.

مؤخرا صرح وزير المالية السابق وعضو الكنيست «يائير لابيد» رئيس حزب «يش عاتيد» (يوجد مستقبل) أن الحديث عن محاولة للـ”تديين” غير صحيح بالمرة، وقال في معرض رده على أسئلة تتعلق بهذه المسألة “إن الأمر لا يعدو كونه خوفا متبادلا بين كل معسكر سياسي وآخر في إسرائيل، ومن ثم تتراشق الأطراف كافة بالاتهامات”.

فيما خرج وزير التعليم الإسرائيلي «نفتالي بنط» بتصريحات تلفزيونية ليسخر من الأمر، ونفى وجود منهجية لـ”تديين” المناهج الدراسية بالمدارس الحكومية، كما شن هجوما لاذعا على منظمة “مولاد” معتبرا إياها “تسعى لهدم إسرائيل، وضعضعة الهوية اليهودية والصهيونية للدولة، ولا يجب السماح بأمر كهذا”.

لا يقتصر الحديث عن “تديين” الدولة على المنظومة التعليمية، بل تخطاه إلى مؤسسات إسرائيلية مختلفة، في حين خرجت أصوات متشددة تتهم العلمانيين بمحاولة حثيثة لعلمنة كل شيء؛ وأن إسرائيل تعاني من التطرف العلماني، خرجت كذلك أصوات علمانية مناهضة تزعم أن التديين يتوغل في كل مناحي الدولة.

 
 

ربما يعجبك أيضا