“كامب الظهران”.. مدينة أمريكية على أرض سعودية

ولاء عدلان

 
كتبت – ولاء عدلان
 
صدر هذا الشهر في الولايات المتحدة كتاب بعنوان “أرامكو: فوق حقول النفط”، الكتاب ليس محاولة لتوثيق تاريخ جوهرة التاج النفطي بالمملكة العربية السعودية، لكنه سيحمل مفاجأة من العيار الثقيل لأولئك الذين يتصورون أن السعودية مجرد صحراء جرداء تعوم على بحيرة من النفط.
 
الكتاب محاولة من مؤلفته المصورة عائشة مالك لتوثيق نحو 23 عاما من عمرها قضتهم داخل مجمع الظهران السكني الخاص بموظفي أرامكو وأسرهم فقط، والذي تصفه مؤلفتنا بأنه مدينة أمريكية صغيرة ممتدة على نحو 22.5 ميل مربع من الأراضي السعودية، غير مسموح لأي من كان بعبور أسوارها، إذ تضم منازل تحاكي الريف الأمريكي، ويتمتع سكانه وأسرهم بأسلوب حياة مختلف تماما عن باقي المدن السعودية، فمن العادي أن تشاهد داخل أسوار ” كامب الظهران” حقول البيسبول والنساء يتجولن بدون عباءة أو تشاهدهن وراء مقود السيارة أو بصحبة أبنائهم في الملاعب الخضراء المفتوحة.

مجمع أرامكو السكني أو “الظهران” بُني عام 1933، من قبل شركة سوكال الأمريكية بعد فوزها بحقوق التنقيب عن النفط في الصحراء السعودية، بهدف توفير مكان إقامة لطاقم عملها الأمريكي يحاكي حياتهم في وطنهم الأم، إذ لم يتمكنوا من التأقلم مع وضعهم الجديد في بلد كانت تفتقد للكثير من معالم التطور التي تزخر به مدنها الآن.
 
تقول عائشة بحسب “بلومبيرج” و”سي أن أن”، هذه المدينة الأمريكية التي أعيد بناؤها في السعودية زادت معرفتي بالعالم، عبر عدسات الكاميرا منذ أن ولدت بداخلها عام 1989 وحتى 2012، عندما تقاعد والدي عن العمل، مضيفة عملت على رصد مظاهر الحياة هناك، إذ لا تضاهي الحياة خارج أسوار “الظهران”، الأمر أقرب للحياة بأمريكا، ومن حيث الحرارة يمكنا الحديث عن لوس أنجلوس، إذ تتشابة الشوارع والجنسيات والأديان.

وتتابع في مقابلة منشورة ضمن فصول الكتاب، الأمريكيون لم يأتوا هنا للاستعمار ولكن قدموا للعمل وفقًا لشروط المملكة وأقاموا لأنّ الشركة أقامت لهم هذه المجمع المريح،  وهم أيضًا طوروا هذا الدفء والحب تجاه وسائل الراحة في المملكة، ليس فقط الطراز الأمريكي هو ما يجعل هذا المكان لا ينسى ولكن الطابع السعودي أيضًا، هذا المكان ملتقى للألفة وشيء آخر لا تستطيع أن تصفه تحديدًا.
 
نتلمس حب عائشة للمملكة ليس فقط من محاولتها توثيق الحيادة داخل مجتمع أرامكو المصغر من خلال عدسات الكاميرا، بل أيضا من حديثها الدافئ عن المملكة عندما تقول في إحدى المقابلات “إنها لا تحب الهوس العالمي بالفرق ما بين الحياة داخل وخارج أسوار “أرامكو،” معتبرة أن السعودية أكبر من هذا بكثير، وأن  المرأة في السعودية هي أكثر من مجرد قطعة من القماش أو قيادة سيارة، على حد تعبيرها.

لم تنس مالك في كتابها المشوق، أن توثق تاريخ أرامكو كشركة عملاقة كانت وراء بناء السعودية الحديثة، ولازالت تمثل ركيزة استراتيجية في الاقتصاد السعودي، والمرشحة مطلع العام المقبل لتصدر عناوين الصحف وقائمة أولويات رجال الأعمال، إذ تعتزم خوض أكبر مجازفة في تاريخها منذ تأميمها من قبل الحكومة السعودية عام 1988، عبر طرح أسهمها للاكتتاب العام مطلع العام المقبل، في صفقة قد تكون الأكبر في تاريخ أسواق المال، ويتوقع أن تفوق مبيعات أسهم أرامكو صفقة متجر” علي بابا” الشهيرة.

ربما يعجبك أيضا