وسط رفض شعبي.. هل تصافح تونس نظام الأسد مجددًا؟

محمود طلعت

رؤية – محمود طلعت

في ظل الصراعات التي تشهدها المنطقة، والحرب في سوريا التي لم تنته بعد، عاد الحديث من جديد عن أهمية عودة العلاقات الدبلوماسية بين تونس وسوريا، والتي انقطعت في 2012 بقرار من الرئيس التونسي السابق منصف المرزوقي.

وتتخبّط مسألة عودة العلاقات السورية التونسية بين الإصرار النقابي والبرلماني من الجانب التونسي على عودة المياه إلى مجاريها وبين الرفض الشعبي والموقف الرسمي الذي يشوبه الغموض.

زيارات تونسية مكثفة

وفي ظل الزيارات المتتالية لسوريا بهدف إعادة العلاقات بين البلدين، زار وفد من البرلمان التونسي مكون من تسعة أفراد، دمشق، في الخامس من أغسطس الجاري، لدفع عودة العلاقات إلى الأمام.

أعضاء الوفد التونسي، أكدوا على أهمية عودة العلاقات الدبلوماسية بين تونس وسوريا، وأنه ليس سياسيا فقط وإنما في التبادل التجاري بين البلدين.

زيارة وفد البرلمان التونسي إلى سوريا سبقتها زيارة أخرى لوفد من الاتحاد العام التونسي للشغل في 30 يوليو الماضي ترأسها الأمين العام المساعد بوعلي المباركي، الذي أكد أن زيارته تأتي في إطار التأكيد على موقف الاتحاد الداعم لعودة العلاقات التونسية السورية.

الزيارتان النقابية والنيابية المتتاليتان إلى سوريا سبقتهما في شهر مارس 2017 تحول وفد نيابيّ يتكون من سبعة نواب إلى سوريا، والهدف من الزيارة أيضا العمل على إعادة العلاقات التونسية مع هذا البلد، والتقصي في قضية شبكات تسفير الشباب التونسي إلى بؤر القتال.

ضبابية الموقف الرسمي

من جهة أخرى، يقابل هذه المساعي النيابية والبرلمانية الحثيثة لإعادة العلاقات مع سوريا صمت مطبق من قبل الحكومة التونسية، في ظل  ضبابية المواقف الرسمية في هذا الشأن من جهة أو تنصل الجانب الرسمي من دعمه لهذه الزيارات والتي يستشف من خلالها أن المسالة قد تكون مؤجلة.

من هذا المنطلق أوضح أمس مساعد رئيس المجلس المكلف بالإعلام والاتصال، منجي الحرباوي في تصريح إعلامي أن تحوّل النواب إلى سوريا كان بمبادرة شخصية وأنه لم يتم تكليفهم من قبل البرلمان، موضحا أنها ليست بعثة رسمية باسم مجلس نواب الشعب وأن مكتب البرلمان لم يمنح أي ترخيص في الغرض.

وفي نفس السياق لم يصوت البرلمان في جلسته العامة المنعقدة بتاريخ  19 يوليو 2017 لفائدة مشروع لائحة تطالب بإعادة العلاقات الدبلوماسية مع  سوريا إذ لم يحصل هذا المشروع سوى على 68 صوتا في حين فضل 27 نائبا الاحتفاظ بأصواتهم وصوت 6 نواب ضده.

موقف الحكومة السورية

وعقب استقبال الرئيس السوري، للوفد البرلماني التونسي، أكد الأسد أن العلاقات التونسية السورية عميقة، وأن قطع العلاقات الدبلوماسية من الجانب التونسي لم يؤثر على هذه العلاقات التي بقيت متينة وتجسدها زيارات الدعم والمساندة لوفود تونسية من قطاعات مختلفة.

وأوضح بشار الأسد أن سوريا  تقدمت خطوات عملاقة  في حربها على الإرهاب، وأن الحرب على الإرهاب في سوريا تشارك فيها كافة القوى.

تصريحات الدكتور أحمد بدر الدين حسون، مفتي سوريا، لم تختلف كثيرا عن تصريحات الأسد، حيث أكد على أهمية عوده العلاقات بين سوريا وتونس إلى طبيعتها والتنبه للأخطار الكبيرة التي تحيط بالمنطقة وتستهدفها والعمل المشترك على مواجهتها.

ولفت مفتي سوريا إلى أهمية نقل حقيقة ما يجري من أحداث في سوريا إلى العالم بكل شفافية وفضح وتعرية التضليل الإعلامي الذي قامت به العديد من الوسائل الإعلامية خلال سنوات الحرب على سوريا، بحسب ما نقلته “وكالة الأنباء السورية”.

وأشار المفتي حسون إلى أهمية المصالحة والمسامحة في المجتمع وإعادة بناء الإنسان من جديد، داعيا الذين حملوا السلاح تغريرا أو خطا للعوده إلى حضن الوطن، قائلا إن سوريا ستعود أقوى مما كانت عليه.

علاقات لا تزال قائمة

في قراءته لهذا التضارب في المواقف أوضح الدبلوماسي ووزير الخارجية السابق أحمد ونيس، أن وزير الخارجية قد صرح الأسبوع الماضي على هامش اختتام ندوة السفراء بأن العلاقات لا تزال قائمة بين تونس وسوريا ولم تنقطع مطلقا.

وقال إن الرئيس السابق المنصف المرزوقي قد أورد بصريح العبارة في فترة توليه الحكم أنه قد  قام بطرد السفير السوري وسحب السفير التونسي في سوريا، لكن منذ تولي الطيب البكوش حقيبة الخارجية سارع بإعادة فتح القنصلية التونسية في دمشق وهذه المسألة معترف بها من قبل الحكومة التونسية.

وأضاف في هذا الشأن: “بالنسبة للحكومة التونسية لا توجد أزمة وإنما هناك مقتضيات ترتبط بالمحيط العالمي والإقليمي وكدولة تونسية لا عداء لدينا مع هذا النظام الذي نحترمه ويحترمنا”.

واعتبر أن الزيارات البرلمانية والنقابية إلى سوريا تندرج ضمن تعزيز موقف الحكومة الشرعية السورية ضد طلقات العدو التي كان يسودها اعتقاد بأنها قادرة على تدمير سوريا في ظرف ستة أشهر.

ردود أفعال متباينة

وتباينت ردود الأفعال بشأن التحرك التونسي الأخير من أجل إعادة العلاقات مع النظام السوري حيث اعتبرها البعض خطوة بالاتجاه الصحيح، بينما اعترض عليها آخرون بشدة.

يقول الأمين العام المساعد بالاتحاد العام للشغل، بوعلي المباركي إن “الزيارة جاءت للتعبير عن مساندة اتحاد الشغل للشعب السوري وقيادته وجيشه في حربهم ضد الجماعات الإرهابية، ورفضه لقرار قطاع العلاقات الأرعن”.

ويضيف المباركي -الذي ترأس الوفد- أنه تمت برمجة الزيارة مطلع العام الجاري للضغط على السلطات التونسية لإعادة العلاقات مع سوريا إلى مسارها الطبيعي بعد قطعها في فترة الرئيس السابق المنصف المرزوقي عام 2012.

على العكس تماما يرفض النائب عن حركة “تونس الإرادة” عماد الدائمي، أي زيارة لسوريا في ظل “نظام سياسي دموي لم يقم إلى الآن بأي خطوة لتحقيق مصالحة وطنية أو في اتجاه تحقيق مطالب السوريين”.

ويرى الدائمي أنه لا يوجد أي مبرر لإعادة العلاقات مع دمشق في ظل وجود تمثيل قنصلي قائم، مبرزا أن حزبه “لا يشترك في التقدير السياسي مع اتحاد الشغل لإعادة العلاقات مع نظام دكتاتوري”.

أما النائب عن حركة النهضة بدر الدين عبد الكافي، فيقول “نأمل ألا يتحدث من يقوم بهذه التحركات لسوريا باسم الشعب التونسي”، مذكرا بأن مسألة العلاقات الخارجية تبقى من اختصاص رئاسة الجمهورية.

ربما يعجبك أيضا