ما وراء حدود اللغة.. عندما تتراقص “الأرواح” في سماء النغم

كتبت – علياء عصام الدين

لماذا يُتابِعُني أينما سِرتُ صوتُ الكَمانْ? ويصحو نِداءُ الكَمان!

ورويداً.. رويداً يعودُ إلى القلبِ صوتُ الكَمانْ!

لماذا إذا ما تهيَّأت للنوم.. يأتي الكَمان?

فأصغي له.. آتياً من مَكانٍ بعيد/ تَتراجعُ دقاتُ قَلْبي

وأرحلُ.. في مُدنٍ لم أزُرها! شوارعُها: فِضّةٌ/ وبناياتُها: من خُيوطِ الأَشعَّةِ

إذا ضاقت عليك لغتك فستقتلك نفسك سئمًا لا محالة، فأين البديل حين تهرب الحروف ويسود الصمت؟

الموسيقى تلك الهمهمات المصاحبة للضوء والظل، البعث الجديد الذي يجلي الروح ويقضي على معاناتنا بلا رجعة هكذا طارد صوت الكمان ” دنقل” ليرى خيوط النور والأمل.

أوتار ونغمات تنقلك إلى عوالم خرافية تداعب نفسك وتناجي ذلك القابع بداخلك الساكن في أعماقك، المنعزل، المُحتجز، المُهمل، العاجز، الهارب، المنسي، لتدفعه إلى التحرك، الاختلاط، الاكتشاف، الانكشاف، الحب، التحرر والعمل.

الموسيقى أنقى الفنون وأكثرها روحانية فهي عابرة للمطلق، تنطوي على الكثير من الحقيقة، من خلالها يمكننا التحليق والعبور إلى النهايات والعودة من جديد، عبرها يمكننا التحرر وكسر كل القيود التي تكبلنا ونحن في أماكننا.

أنها المهرب من ” بؤس ” الحياة كما يصفها “نيتنشة” في “مولد التراجيديا”.

ومن رحم الموسيقى وبمخاض عسير يولد الكون ويتدفق، ولتردد النغمات وقع السحر على النفس، وقع يفوق في مفعوله تلك الأشياء التي تبهجنا وتشعرنا بالفرح وترفع من معنوياتنا.

ولا يقتصر دور الموسيقى على إرواء الأرواح الظمأى، بل بما تخلقه من “هارموني” بداخلنا ، ذلك التناغم والتصالح الذي نشعر به عقب سماعنا إحدى المقطوعات الإبداعية.

الموسيقى علاج حقيقي استخدمه الأطباء لحل المشاكل العصبية وإصابات الدماغ والشلل الرعاش، فمحتوى الموسيقى الشعوري والعاطفي المتدفق لديه قدرة إعجازية على مخاطبة وتحفيز وإحياء بنيات وظائف الدماغ الخاصة بالذاكرة والمهارات الحركية وجعلها تضئ بعد انطفائها.

ما وراء حدود اللغة تقبع “الموسيقى” التي ستظل بلسمًا للأروح المكلومة، وملاذًا للتائهة ومصدر بهجة لتلك الحزينة ومعنًى ومعينًا لا ينضب لكل روح تبحث عن الخلاص ولو لبرهة من الزمن.

 

ما أبشع الحياة بدون موسيقى بدون نغم، كيف يمكن أن تتخيل الكون بلا صوت، قاتل أخرس لا حياة فيه.

مع الموسيقى نرتل قصائد العشق والوجع، ونربت على ضجيج أنفسنا المتصاعد برفق، ومعها ننتقل إلى فضاءات شاسعة للحرية.

لا يلزمنا الكثير من التدقيق لنلاحظ أن الكون بأكلمه “معجون” باللحن نابض بالتقاسيم.

أنصتوا فقط لمعزوفة الحياة الأبدية، تغريد الطيور، سوناتا أمواج البحر، أوركسترا الوجود الإنساني على الأرض.

ذلك الدبيب الذي يعلو بنا حتى المنتهى ويعاود ليغفو حتى يقترب من الموت، لكنه لا يموت، فسرعان ما يبعث من جديد يلتقط أنفاسه ثم يبدأ حتى ينتحب صراخًا في “سيمفونية” المالانهاية.

تقول الأسطورة بينما كان فيثاغورس يمر بدكان الحدَّاد، طرب لصوت السندان وهو يدق بأوزان مختلفة وأدرك النسب والأوزان تلك التي تخلق اللحن المتجانس المنسلخ من الأصوات الناشزه حوله، ليخرج بعد ذلك بفكرة ” موسيقى الأجرام السماوية” غير المسموعة تلك الناجمة عن حركة الكواكب حول الأرض.

«لو لم أكن فيزيائيًا؛ لأصبحت موسيقيًا! أنا أفكر عادةً في الموسيقى، أعيش أحلام يقظتي في الموسيقى، أرى حياتي بمصطلحات الموسيقى، إنني أحصل على المُتعة الأكبر في حياتي من الموسيقى» بهذه الكلمات عبر ألبرت أينشتاين عن مكانة الموسيقى في حياته .

الفارابي أحد أكبر المنظرين للعلاج بالموسيقى ناقش الآثار المبهرة لها في نظرية ” الفيض ” كما كان “أبو قراط” يعزف الموسيقى لمرضاه المصابين بعلل نفسية .

حقًا لا وجود للصمت في كوننا، فهو مفعم بالنغم ذلك الذي ينتشر عبر الأثير، هناك في الخلفية، في الكواليس الحزينة تارة والمبهجة تارة أخرى، نجدها حاضرة وبقوة، تدندن وتكتب، تقص وتحكي لنا تلك الحبكات التي على وقعها نحيا وبها نعيش ومن خلالها نكتشف ذواتنا .

نحن فقط لانستمع بدقة لـ” صوت الموسيقى” الذي يملأ الكون، ذلك الذي تنتصب له الحواس وتهتاج معه الأحاسيس وتهدأ به الأسارير، ذلك التدريب العاطفي الذي يشحذ الهمم ويثير التساؤلات، ذلك الانبثاق الناتج من علاقات رياضية غريبة تتراقص على وقعها ثنايا الكوكب، هي تلك المتعة اللامحدودة الممزوجة بالتجانس والعبقرية التي تحكم المجرة.

https://www.youtube.com/watch?v=lrF814OnFQ4
https://www.youtube.com/watch?v=O6NRLYUThrY
https://www.youtube.com/watch?v=M5WKqd38Zqg&list=RDbk-4XQfXnKw&index=5
https://www.youtube.com/watch?v=inb8MMZ-QmA
https://www.youtube.com/watch?v=J-qoaioG2UA&list=RDJ-qoaioG2UA

ربما يعجبك أيضا