بين عزل ونفي وإعدام.. عروش من ذهب سقطت في الهاوية

أماني ربيع

أماني ربيع

إن للتاريخ لحظات عنفه التي ينسى فيها وهو يثب وثبته الخطيرة المخلوقات التي يحملها فوق ظهره فلا يبالي أيها يبقى وأيها يختل توازنه ويهوي..، والحقيقة الثابتة السائدة هي أن الحضارات كلها تسير في رحلة صعود  نحو الزوال مهما بلغت قوتها وعظمتها.

عروش من ذهب جلس عليها ملوك وسلاطين حكموا بلادهم بصولاجانات القوة، بعضهم اتهم بالفساد والآخرين هزمتهم قوى خارجية، باسم الحرية أحيانا طردوا، وأحيانا أخرى باسم الدين، وبرحيلهم كانت تنتهي حقبة وتنفرط حبات عهد من تاريخ بلادهم.

وكان القرن العشرين قرن الأحداث الكبرى، والاختراعات الكبرى والحروب الكبرى، وهوى فيه أكثر من بلاط لملك، ذهب معه السلطان والجاه.

آخر قياصرة روسيا

في شهر مارس من عام 1917، كانت الثورة الروسية قد نضجت وهب الشارع الروسي منتفضا على قيصره الذي رأى فيه طاغية يحرمه من الرقي والمعيشة الآدمية، أعداد كبيرة من الرجال والنساء دعت إلى الإضراب، وسار الفقراء في الشوارع صارخين “الخبز.. اعطونا خبزا”.

وأرغم البلاشفة القيصر نيقولا الثاني على التنازل عن العرش ليصبح أخر قياصرة روسيا وآخر عضو من عائلة رومانوف يحكم البلاد، اعتقل مع اسرته وتم نفيهم إلى سيبيريا،  وبعد اندلاع الثورة البلشفية وخروج لجان ثورية مسلحة سيطرت على القصر الشتوي الملكي وبعض مراكز بطرسبرج المهمة وانهارت الحكومة دون مقاومة.

 وبعد استلام البلاشفة للسلطة تم نقله مع أسرته إلى بلدة يكاترينبوك، وفي يوم 15 يوليو عام 1918، وبأمر من مجلس منطقة الأورال تم إعدامه بوحشية مع جميع أفراد أسرته حتى الأطفال منهم رميا بالرصاص، لينتهي بذلك حكم أسرة رومانوف التي حكمت روسيا نحو300 سنة.

 في عام 2000، اعتبرت الكنيسة الأرثوذكسية نيقولا وأفراد أسرته من القديسين الشهداء، وفي عام 2008 اتخذت المحكمة العليا لروسيا الاتحادية يوم 1 أكتوبر قراراً يعتبر نيكولاي الثاني آخر القياصرة الروس وعائلته ضحايا للقمع السياسي الذي ساد البلاد بعد ثورة اكتوبر عام 1917 ،ودعت لاعادة الاعتبار القانوني لهم.

السلطان الأحمر

يعتبر السلطان عبد الحميد الثاني من الشخصيات التاريخية محط الجدل والاختلاف، والأحكام عليه دوما متباينة بين من يراه مصلحا عادلا وثق ضد أطماع الاستعمار في تركة “رجل أوروبا المريض”، بالإضافة إلى موقفه الحاسم ورفضه لإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، وهناك من يراه ديكتاتورا مستبدا حكم 33 عاما كاملا حكما فرديا ولم يسلم منه إلا من خضع له.

تولى الحكم عام 1876، في ظل ظروف دولية معقدة واضطرابات في الدولة واقتراب ريح حرب جديدة مع روسيا.

اكتسبت فكرة إسقاطه ثقلا في فرنسا وبريطانيا بسبب سياساته فيما يتعلق بالجامعة الإسلامية وسكة حديد الحجاز وبغداد، ونجاحه في تشييد سكة حديد بغداد برأسمال ألماني ليدخل ألمانيا ألمانيا إلى قائمة الدول المتنافسة في منطقة خليج البصرة الغنية بالبترول، وضمن عدم اقتراب بريطانيا، وحماية السكة الحديد باعتبار ألمانيا صاحبة امتيازها، وهو ما أقلق إنجلترا وروسيا، وجعل هناك تصميما أوروبيا على ضرورة التخلص منه.

بعد واقعة 31 مارت، تنازل السلطان عن العرش لأخيه محمد رشاد في 27 إبريل 1909، وانتقل مع 38 شخصًا من حاشيته إلى مدينة سلانيك، وتُوفِّي في 10 فبراير 1918عن ستة وسبعين عامًا.

فاروق الأول والأخير

هو آخر ملوك مصر وآخر حاكم لمصر من الأسرة العلوية، استمرت مدة حكمه 16 سنة، حتى تمت الإطاحة به في ثورة 23 يوليو عام 1952، وأجبر على التنازل عن العرش لإبنه أحمد فؤاد ذو الستة أشهر، والذي تم عزله  في 18 يونيو 1953 بعدما تحولت مصر من الملكية إلى الجمهورية.

تربى فاروق تربية ملكية صارمة جدا، وكان منعزلا عن أقرانه من أبناء الباشوات بامر من أبيه ومربيته الصارمة كس إينا تايلور التي كانت الأمرة الناهية فيما يتعلق بشئونه حتى لو اعترضت والدته الملكة نازلي، وكانت حاشية الأمير الصغير من خدم وموظفين يفسدون ما تقوم به المربية ويتقربون من الملك ويمنحونه فسحة من الحرية.

استحوذت الثقافة الإيطالية ممثلة في الحاشية التي ترافقه في القصر على فاروق وهو ما أزعج بريطانيا التي كانت تراقب الأمير الصغير من بعيد وطلبت أن يسافر للتعلم في أرقى كلياتها “إيتون” وعندما عارضت نازلي الأمر تم تعيين مدرسين مصريين وبريطانيين لتعليمه.  

تولى الحكم 6 مايو عام 1936، وحكم 16 عاما حتى تنازل عن العرش ، وغادر البلاد  يوم 26 يوليو 1952 على ظهر اليخت الملكي المحروسة، وهو نفس اليخت الذي غادر به جده الخديوي إسماعيل عند عزله عن الحكم،  وأدى الضباط التحية العسكرية وأطلقت المدفعية إحدى وعشرون طلقة لتحية الملك فاروق عند وداعه ، وكان في وداعه اللواء محمد نجيب وأعضاء حركة الضباط الأحرار.

فيصل الثاني.. عرش الدم

كانت نهاية هذا العرش دامية، بعد انقلاب عسكري على حكمه ومحاصرته في قصر الرحاب، وبعد أن خرج مع أسرته رافعا الراية البيضاء ومستسلما للحفاظ على حياته وحياة من معه، أرداه وابلا من الرصاص قتيلا.

حكم فيصل الثاني العراق في عام 1953بعد مقتل والده الملك غازي. و تسلّم خاله الأمير عبد الإله الهاشمي الوصاية لحين استلامه العرش.

أعد الملك الشاب نفسه للسفر إلى تركيا يوم 8 يوليو عام 1958 للقاء خطيبته الأميرة فاضلة إبراهيم سلطان ووضع الترتيبات النهائية لزفافه، لكن اضطر لتأجيل  السفر ليوم 9 يوليو بعد إلحاح من وزير المالية بالتوقيع على قانون الخدمة الإلزامية وقانون توحيد النقد والبنك المركزي لدول حلف بغداد، وفي نفس اليوم  أرسل شاه إيران برقية اقترح فيها لقاء دول حلف بغداد ورؤساء وزرائهم في إسطنبول يوم 14 يوليو 1958، فاضطر للتأجيل مجددا، وقبل السفر بقليل فوجئ بالضبّاط يقتحمون عليه القصر ويختمون فترة حكمه بالدماء.

السنوسي.. الملك المجاهد

كان الملك إدريس السنوسي هو من وحد صفوف المجاهدين اللبيين ضد الاحتلال الإيطالي لبلاده وبعد استهدافه من قبلهم غادر إلى مصر مواصلا جهاده من هناك تاركا عمر المختار يقود المقاومة في قلب الأراضي الليبية.

كتب السنوسي في الصحف المصرية حول القضية الليبية، وأقام معسكرا في إمبابة  لتدريب أكثر من 4 آلاف ليبي من أجل مساندة جيوش الحلفاء في الحرب العالمية الثانية ضد دول المحور وإيطاليا في منطقة شمال أفريقيا وبعد هزيمة غيطاليا وخروجها من ليبيا عاد السنوسي إلى بلاده فى يوليو ١٩٤٤ فاستقبله الشعب فى برقة استقبالا حافلا.

 اعترفت إيطاليا باستقلال ليبيا عام 1946، وفي يوم  ٢٤ ديسمبر ١٩٥١، أعلن الأمير محمّد إدريس السنوسى من شرفة قصر المنارة فى مدينة بنغازى الاستقلال وميلاد الدولة الليبيّة  ذات السيادة ليصبح أول ملك لليبيا بعد الاستقلال، وعقب إصدار الدستور انضمت إلى جامعة الدول العربية سنة ١٩٥٣م وإلى هيئة الأمم المتحدة سنة ١٩٥٥.

وظل السنوسى ملكا على ليبيا حتى قامت ثورة الفاتح فى ١ سبتمبر ١٩٦٩ بزعامة العقيد معمر القذافى فأطاحت بحكم إدريس السنوسى، الذى توجه إلى اليونان حيث أقام لفترة ثم انتقل إلى مصر لاجئا سياسيا وظل مقيما بها حتى توفى فى ٢٥ مايو من عام ١٩٨٣ ودفن بالبقيع حسب وصيته.

إمبراطور الحبشة

كان  هايله سلاسي آخر الأباطرة الإثيوبيين وأطولهم بقاءً في السلطة، نصب ملكًا عام ١٩٢٨ ثم إمبراطورًا عام ١٩٣٠، أي ظل يحكم طوال 46 عاما، وتوفي عام 1975.

أطيح بهايله سلاسي عام 1974 إثر ثورة شعبية بقيادة، منجستو هيلاميريام واحتجز في قصره  ثم توفي في ظروف غامضة عام 1975،  وعثر على رفاته في التسعينيات اسفل أحد مراحيض القصر الذي عاش فيه.

 شارك في تأسيس منظمة الوحدة الأفريقية وكان أتباع طائفة راستا فاريان التي ولدت في جامايكا يؤمنون ويعتقدون في ألوهية هيلاسلاسي وأنه لم يمت، وأن جسده صعد إلي السماء وقد اتخذت هذه الطائفة اسمها من الاسم الحقيقي لهيلاسلاسي وهو «تافاري ماكونن» أما عقيدتهم فقد سموها بالعقيدة «الراستا فارية» فيما أن كلمة هيلاسلاسي تعني «قوة الثالوث المقدس».

الشاه

كان عرش الدولة البهلوية عرشا قويا ولاعبا دوليا مميزا في الحرب العالمية الثانية، وخلف  الابن الأكبر محمد رضا أباه شاها لإيران بعد إطاحة دول الحلفاء بوالده رضا بهلوي بسبب ارتباطه بدول المحور وخوفا من تزويده لهتلر بالنفط، فاحتل الحلفاء إيران وخلعوه ونفوه إلى جنوب أفريقيا، قم نصبوا ابنه محمد بدلا منه على العرش.

احتدم الصراع بين الشاه ورئيس الوزراء محمد مصدق  في شهر أغسطس 1953، ولجأ الشاه إلى بغداد ثم عاد إلى إيران بانقلاب مضاد لانقلاب رئيس الوزراء بمساعدة المخابرات الأمريكية والبريطانية وأقال مصدّق من منصبه واستعاد عرش إيران في نفس العام.

وفي ظل ظروف اقتصادية سيئة عانت منها دولته أقام الشاه احتفالا أسطوريا عام 1971 بمناسبة مرور  2500 عام على تأسيس الامبراطورية الفارسية القديمة استمر الاحتفال من 12 أكتوبر إلى 16 أكتوبر 1971، ودعا فيه رؤساء وملوك العالم والأمراء لزيارة مدينة برسبولس الإيرانية التي أقيم فيها عرضا عسكريا ضخما شارك فيه الالاف مرتدين زي الجيش الأخمينية  وأنفق على ذلك الاحتفال مبالغ ضخمة قدرت بمئات الملايين من الدولارات..

بدأت الاحتجاجات ضده وحدثت اضرابات شعبية هائلة في البلاد ومظاهرات عمت طهران ضد الاضطهاد وسياسة منع الحجاب وتغيير التعليم، بدأت الاحتجاجات شبابية يسارية ثم دخل التيار الإسلامي ممثلا في الخميني في اللعبة وساهموا في غسقاط العرش وخروج الإمبراطور للمرة الثانية من طهران بلا رجعة في 16 يناير 1979.

رفضت كل الدول الأوروبية استقباله، ورحبت به مصر، واستضافه السادات حتى وفاته عام 1980.

ربما يعجبك أيضا