في وداع السعيد.. آخر رسائل الأب الروحي لليسار المصري

هالة عبدالرحمن

كتبت – هالة عبدالرحمن
“سيحفظ لكم التاريخ ما ستفعلونه لإنهاض وطنكم وحماية شعبكم” كانت هذه آخر رسائل الأب الروحي والمعلم وشمس اليسار والمعارض الأبدي للإسلاميين الدكتور رفعت السعيد، الذي لقبه الكثيرون من أحبابه ومريديه في مصر بكل هذه الألقاب.

ويعد السعيد أول رئيس لحزب يساري “التجمع” يأتي بانتخابات حقيقية في مصر، خلفاً لخالد محي الدين، أحد ضباط ثورة يوليو، ولم يثنه انشغاله بالعمل السياسي، عن التاريخ، إذ كتب مؤلفات عن أحداث تاريخية عدة بينها “ثورة 1919″، مُعارض أبدي للإسلاميين، ومُهادن لنظامي حسني مبارك وعبد الفتاح السيسي.

وحصل على شهادة الدكتوراه في تاريخ الحركة الشيوعية من ألمانيا وكان نائب سابق في مجلس الشورى المصري، يُعتبر السعيد من الأسماء البارزة في الحركة الشيوعية المصرية منذ أربعينيات القرن العشرين وحتى نهاية السبعينيات، واعتقل مرات عديدة، كان أشهرها في عهد جمال عبدالناصر، عمره وقتها لا يتجاوز الـ16 عاماً، صار «أصغر معتقل سياسي»، حينما كان مُعجباً ومؤيداُ لحركة “حدتو”.

واعتقل سنة 1978 بعد كتابته مقالا موجها إلى جيهان السادات زوجة الرئيس المصري محمد أنور السادات بعنوان “يا زوجات رؤساء الجمهورية اتحدن”، عرف بمعارضته لجميع الرؤساء الذين حكموا مصر، إلا أن معارضته للرئيس السادات كانت الأكثر جذرية حسب وصفه.

وعُرف عن “السعيد” بمعارضته الدائمة لجميع نُظم الحكم فى مصر، ولكنه أيضاً اتهم بالمهادنة في عهد نظام مبارك ولاحقته الاتهامات خاصة بعد تعيينه في مجلس الشورى، وتعرض السعيد  أثناء توليه رئاسة حزب التجمع، للانتقاد من قبل مجموعة من أعضاء الحزب، من بينهم عبد الغفار شكر، لما وصفوه من تحول مسار الحزب، وهو ما دفع عدد من المعترضين على الانشقاق وتأسيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي بعد 25 يناير 2011.

وكان “السعيد” من أشد المعارضين لجماعة “الإخوان” منذ سنوات وله العديد من المؤلفات النقدية لحركات الإسلام السياسي، مثل “حسن البنا: متى؟.. كيف؟.. لماذا؟” و”ضد التأسلم”، ولم يكتف السعيد بكتابة هذه المؤلفات فقط عن الجماعة الإرهابية بل ظل متابعًا لكل تاريخ الجماعة، ومعرفة أدبياتها وقواعد الإمام البنا، والبحث عن علاقة التنظيم الإخواني بمكونات المجتمع، سواء في الداخل أو الخارج.

وكان رئيس “التجمع” سابقاً، واحدا من الداعين لإسقاط محمد مرسي، وحث الشعب على التمرد ضد الجماعة، وكان رأيه أن تداول السلطة سينتهي مع استمرار الجماعة في الحكم. سقط الإخوان، وبارك تدخل الجيش بقيادة عبدالفتاح السيسي، آنذاك، وطالب بمساندته: “أُحب السيسي، لأنه أنقذ رقبتي في 30 يونيو”.

ودعّم فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة، وانتقد محمد البرادعي لتخليه عن منصبه نائباً لرئيس الجمهورية، نادماً على تأييده في جبهة الإنقاذ إبان عهد الإخوان، أيّد ترشح السيسي، ومع قرب انتهاء ولايته الأولى، كان لا يزال يراه الأنسب لفترة ثانية: “العدو بتاعنا مش عايز السيسي رئيساً، كل من يحاول منافسته أحمق”.

وكتب المفكر والسياسي الشهير رفعت آخر كلماته وكأنه يكتب وصيته لأبناء هذ الوطن فقد بعث برسالة لحماة هذا الوطن والقائمين على حمايته من التطرف والإرهاب، قائلًا في مقاله الأخير بصحيفة الأهرام تحت عنوان “رسالة إلى لجنة مكافحة الإرهاب والتطرف” بتاريخ 5 أغسطس: ” العدو الخارجي وعملاء الداخل يراهنون على تفتيت وحدتنا كمصريين لحماية مصر ومستقبلها وحماية تطلعاتنا نحو وطن مستقر يوظف استقراره لبناء مصر قوية، أبية، تستعصي على التفتيت وتنهض نحو مستقبل مشرق لمصر المدنية الديمقراطية الناهضة في ظلال مصرية المذاق، مصرية التوجه.. وفقكم الله وحماكم من كيد الخصوم والخائفين فلا مجال هنا للخوف أو التردد أو المماحكة.. وسيحفظ لكم التاريخ ما ستفعلونه لإنهاض وطنكم وحماية شعبكم”.

وبعد أن غابت شمس اليسار المصري والمعلم لجيل كامل من أنصار حزب التجمع وغيرها من الأحزاب اليسارية عن عمر يناهز 85 عامًا، فسيخلده التاريخ بمواقفه المعارضة للكثير من الأنظمة ودوره البارز في الحركة الشيوعية بمصر.

ربما يعجبك أيضا